أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 11th September,2001 العدد:10575الطبعةالاولـي الثلاثاء 23 ,جمادى الآخرة 1422

محليــات

لما هو آت
البطالة.. والإنسان
د. خيرية إبراهيم السقاف
تقول العرب: «غبار العمل، ولا زعفران البطالة»...
ومثلهم يقول الفرنسيون: «البطالة أمُّ الرَّذائل»...
كما أنّ أحد القادة الأمريكيين القدماء قد قال: «البطالة أشد فتكاً من الصدأ».
والقاسم المشترك بين ما قالته العرب، وقاله الفرنسيون والأمريكيون هي «البطالة»، ومغبَّة هذه الظاهرة حين تحلُّ بالإنسان وخيمةٌ أليمةٌ...، ذلك أنَّ نتائجها في كلّ حالاتها، وعلى أيِّ أشكالها غير حميدة.. إذ هي فتَّاكةٌ بنفس الإنسان، محفِّزةٌ لقوى الشرِّ فيه، باعثةٌ لروح غير مستقرَّة في داخله، لأنَّ البطالة تعني الحاجة، فإن استمرَّت به، تفاقمت الحاجة عنده، ومن لا حيلة له لتسديد حاجاته.... فإلى أيِّ السُّبل يتَّجه، وبأيِّ الوسائل يسدِّد حاجاته؟...
والإنسان دوماً في حاجة لأن يعيش، ومعاشه يتطلَّب السَّكن المهيأ، والملبس الساتر، والغذاء الكافي، والرُّواء الهانئ...، فضلاً عمَّا يرتبط بأموره الحياتية التي لا يتحقَّق منها ما يمنحه الاستقرار، وعدم العوز غير المتوفِّرين في وجود البطالة.
والبطالة حين تحلُّ بالإنسان فرداً، فإنَّها قابلةٌ للعلاج في ضوء دراسة حالة هذا الفرد، فإن اهتُدي إلى جوانب شخصيته، أو ظروفه الخاصة، أمكن تحفيزه للانخراط عضواً في مجتمع يعمل ويهيئ نفسه للاستقرار.
أمَّا البطالة حين تحلّ بالجماعات، فهو تخطيط اجتماعي يحتاج إلى تقويم كي لا تستفحل فتستفحل معها المثالب، ونتائج الفشل، كي لا تتحول حين حلولها بالمجتمع إلى دعوة للفساد المسلكي، أو العقلي، أو الوظيفي لقدرات ومؤهلات الفرد الإنسان...
والمجتمعات التي تنتشر البطالة فيها، تكثر فيها الجريمة، ذلك لأنَّ أقصى نتائجها قسوةً ما كان فساداً وإيغالاً في الأذى...، وأدناها ما كان مرضاً يصيب الأفراد إما عقلياً أو نفسياً، أو جسدياً...
وحيث البطالة حيث الأمراض الباطنية تنتشر وتكثر بل في كثير تتعقّد...،
وحيث البطالة حيث الأمراض الظَّاهرة التي يسلك بها البطلاء في مجتمعاتهم... من هنا وُضعت في المجتمعات «الحضارية» خطط التَّنمية البشرية لاستقطاب الأفراد دون أن يتعرَّضوا للشعور بالضياع في ضوء البطالة، ومن ثمَّ بإلحاق الأذى إمَّا بأنفسهم أو بالآخرين...،
وخطط التنمية تتطلَّب وضع برامج علاجية من شأنها تأهيل السُّبل لأفراد مجتمعاتهم كي يخلصوا من شوائب نتائج الظواهر السالبة في مجتمعاتهم هذه، والشعور بقدرة تجاوز «الأزمات» في ضوء أنَّ البطالة هي أزمةٌ اجتماعيةٌ كما يحلو لي أن أصفها.
والمجتمعات البشرية تعاني في كثير من البطالة في العقود الأخيرة من التاريخ...، ولعلَّ السّبب هو تسخير مقدَّرات المجتمعات الإنسانية لمتطلبات نتائج العلم الحديث، وثورة المعلومات التي ساعدت على البذل غير المدروس، الأمر الذي قلّل من نسب الدَّخل الفردي، فشحُّ ذات اليد، ظاهرةٌ من ظواهر البطالة، كما أنَّها مفتاح شرٍّ سيلحق بالأفراد، ومن ثمَّ بالجماعات.
إنَّ ظواهر القتل، والسرقة، وتعاطي المخدرات، وجرائم الاعتداء، والانتحار، وإشغال النَّفس بما لايساعدها على الحفاظ على كرامة صاحبها، وسوى ذلك من صفات من يتعرَّض لهذه الظاهرة، لهي نتائج طبيعية للبطالة، غير أنَّ ما يدعو فيها للدَّهشة هو أنَّ المؤمن الذي يُنزِل مصائبه وأولها الفاقة بخالقه قد فترت همَّته، وضعف توكُّله، ولهث يحقق لنفسه «كسباً» يسدِّد حاجاته، دون الحفاظ على ما عُرف عن العربي المسلم في بدايات معرفته بدينه من قوَّة صبر، واحتساب مع دأب على العمل، وصدق في نيَّة الصَّبر، بل في الصَّبر ذاته...
من هنا، عندما يعرف المجتمع الإنساني، ما هي نتائج البطالة السَّالبة على الإنسان ذاته، فلسوف يحرص على مبدأ توزيع العمل وإتاحته لكلٍّ حسب احتياجه...،...
إنَّ البطالة هي معضلة المجتمع البشري...
وإنَّها لتأتي فوق طاولة البحث بوصفها الموضوع الأول الجدير بدرسه، ومن ثمَّ بوضع الحلول له، دون أن تحلَّ البطالة ذلك في ضوء هذا الفهم لمغبة نتائجها كي لا تستفحل في المجتمعات البشرية...
ولو جاء حلُّها بغبار العمل كما قالت العرب...
كي لا تحلَّ الرذائل كما قال الفرنسيون...
فيحلَّ الصَّدأ بالمجتمع البشري وتفتك به، كما يفتك في زحفه المؤلم... كما قال من قال.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved