أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th September,2001 العدد:10577الطبعةالاولـي الخميس 25 ,جمادى الآخرة 1422

عزيزتـي الجزيرة

لو علموا لما عصفت العاصفة!
نموذج واقعي.. فهلا اعتبرنا معشر الآباء!
وليد في الصف الثاني متوسط.. دائماً يهرب من المدرسة.. يشاكس مدرسيه والطلاب.. عمره حوالي الرابعة عشرة أي أنه مراهق «وعموماً المراهقة ليست مرضاً كما يعتقد البعض» بل هي فترة يمر بها الشاب كما مر بها وليد.. ولكن لننظر إلى خلفيات هذه المرحلة.. فالمراهق يعيش جسم رجل بعقل طفل نوعاً ما.. نعود إلى وليد.. في طفولته كان معاصراً لمشاكل والديه وكان كثيراً ما يبتعد عن أمه فالأم تذهب لمنزل أهلها بسبب الخلافات بين والديه وتمكث شهوراً لديهم وهو يضطر للعيش في منزل جده.. مع أنه في منزل جده يحظى بالكثير من الميزات التي لا يجدها في منزل والده إلا أنه يحن إلى أمه ويشتاق إلى أبيه ويريدهما معاً ولكن هذه هي الظروف.. فعندما تعود المياه إلى مجاريها بين والديه.. لا يكاد يمر يوم إلا وهو يسمع من النقاشات الحادة بينهما ما هو كفيل باعطائه شعوراً بأن الضرب والصراخ هو الأسلوب الذي يجدي لذا تحول شعور وليد إلى تطبيق فعلي فهو يطبق مبدأ الضرب والصراخ على اخواته البنات الصغار ويفتعل المشاكل مع أخته التي تصغره بسنة واحدة «سهام» فكان يطلب منها أي طلب حتي يبدأ بالصراخ إن تأخرت في تنفيذه وفي الضرب إذا امتنعت عن تلبيته.. وكما هي حال الوالدين يقفان في صف الضعيف من الأبناء في وجه القوي منهم فكان أبوه يضربه إذا صرخ على سهام والأم معه عون وهكذا.. حتى ان سهام راق لها الأمر وأصبحت تلجأ إلى الصراخ وطلب نجدة والديها عند أدنى محاولة من وليد لاصدار أمر لها.. بل وصل الأمر بأبيه إلى أن يطرد وليد من البيت حتى لا يضرب سهام.. وليد الآن في الصف الثاني ثانوي وهو على جرفٍ هار قد يكمل مشواره الدراسي وقد لا يكمله بسبب مشاكله مع والديه..
لا يرغب المدرسة ليس خوفاً بل نعتبره تبلد احساس فهو لا يخاف الضرب بل تعوده في منزله ولا يخاف العقاب فالعقاب في المنزل أصبح هو ديدنه فهو يذهب إلى المدرسة من أجل اللقاءات التي تحصل مع بعض زملائه في المدرسة وخلال الفسح التي يجد فيها وليد نفسه فهو الآمر الناهي على أصدقائه.. وفي وقت الظهيرة يخرج مبكراً ولا يعود إلى منزله إلا متأخراً فهو لا يريد العودة مبكراً لمنزله لأنه يعلم بأن المشاكل ستحط رحالها على المنزل متى ما رجع هو «وهو شعور دائماً ما يحصل للمراهق بسبب احساسه بأنه غير مرغوب فيه» فيبقى مع رفاق السوء الذين هم المعينون له على السير في طريق الدخان والشيشة والمخدرات.. الخ.. ومن هنا تبدأ مشكلة المشاكل التي لا حل لها، فوليد منذ أن وقع في الدخان أصبح يحرص كل الحرص على الهرب من المدرسة ليدخن سيجارة ويختار الأوقات التي يغيب فيها والده عن المنزل كي يخرج عند باب المنزل ليدخن سيجارة فأصبحت هذه السيجارة هي متنفسه الوحيد عن كل المشاكل التي تحل به فكلما واجهته مشكلة لجأ إلى «السيجارة» ليدخن.. هدأ وليد فترة عن ضرب أخته لأنها ليست هي المتنفس الوحيد لاخراج ما في نفسه بل وجده في السيجارة.. ظن الوالدان أن هذا الهدوء من ولدهما ما هو إلا رجاحة عقل وأنه كبر.. فقام والده بشراء سيارة له ظناً منه أن السيارة ستكون هي أداة الضغط المناسبة على وليد فمتى ما أخطأ سحب منه السيارة فلم يزدد وليد إلا اتساعاً في متنفسه وتعمقاً في بؤرة فساده.. فكانت أي مشكلة تظهر في المنزل بسببه يهرب من المنزل بسيارته وعندما يعود إلى المنزل آخر النهار يكون والده ينتظره ليقوم بعملية الضغط عليه بأن يسحب منه مفتاح السيارة فتظهر المشاكل مرة أخرى بين وليد ووالده ولا يعطيه المفتاح.. لأن وليد يعتبر هذا الاسلوب جيداً في التعامل به مع الأطفال وهو رجل وامام اصرار والده وإلحاح أمه يسلم والده المفتاح.. ويخرج من المنزل فيفتح السيارة بالمفتاح الثاني «الذي قد قام بأخذ نسخ منه تحسباً لهذا الأمر» ويذهب بها هرباً عن المنزل وعن أمه وعن أبيه وعن المشاكل فيغيب مدة طويلة قد تصل للأسابيع.. وهم لا يعلمون عنه شيئاً. وليد ما هو إلا نموذج واقع للعديد من الشباب الذين جنى عليهم آباؤهم فلا هو حظي بحياة طفولية بريئة كاملة ولا هو حصل على الرجولة بدءاً باعتراف والديه برجولته وانتهاء بأول سيجارة يمسكها بيديه.. فلم يلق الوالد الناصح ولا الأم الحنون.. بل وجد شباباً معه على الطريق سائرين قد يتكسبون ويحصلون على المال عن طريق السرقات والبيع المشبوه..
دائماً التربية الصالحة مبدؤها الوالدان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» والبيت هو الثكنة التي يتم إعداد الطفل منها لاستقبال الحياة بما فيها من خير وشر.. فكم من أسرة تظن أنها تحقق الحياة الكريمة لابنائها من خلال الاهتمام بالأمور المادية وتوفيرها ونسوا ان الانسان مجموعة من المشاعر التي لا بد أن توظف توظيفاً يجعلها تُسيِّر هذا الجسد إلى بر الأمان.. فالخائف تراه يرجع مقهقراً ولا يتقدم.. والضعيف تراه في مكانه قابعاً ينتظر من ينتشله أو يتصدق عليه.. والحزين تراه كئيب المنظر ينظر للحياة بمنظار أسود قاتم.. فلو تعلَّم الوالدان معنى المناقشة المفيدة الهادفة وطبقاها على نفسيهما لما وجد وليد نفسه وحيداً في وسط العاصفة الهوجاء التي قد تقتلعه من بين والديه سواء بالموت أو بالسجن... أو ب«....».
عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن علي السالم - الرياض

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved