أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th September,2001 العدد:10584الطبعةالاولـي الخميس 3 ,رجب 1422

عزيزتـي الجزيرة

لن أنساك يا جدتي
ما أصعبه من فراق.. وما أقساه من رحيل.. بل ما أمرّه من خبر.. لقد جاء الخبر يشعل فوانيس الحزن.. ويقرع أجراس الأسى.. ويحرّك المشاعر الحقيقية الكامنة في دواخلنا.. يُكسب الدنيا من حولنا لون السواد.. ويبدد غيوم الفرح والصفاء ويحيلها إلى سحب حزينة كئيبة.. يحزن الفؤاد ويتعصر ألماً وحرقة، فيصعب أن ينفس المصاب عن ذلك كله.. إلا بدمعة حارة تذرفها العيون الحرّى.. أو هي كلمات تسطرها الأنامل بدم القلوب قبل حبر الأقلام.. وماذا عساه أن يكتب؟؟ انها الكلمات عندما تقف عاجزة عن التعبير.. ولا غرابة في ذلك ولا لوم.. قد كان خبر وفاة جدتي: (الجوهرة بنت محمد المبدَّل) في ليلة الأربعاء الموافق 17/6/1422ه مصيبة، أفجعت الجميع فأقضت المضاجع، وأرّقت العيون، وأدمت القلوب، وأحزنت النفوس.. فأعظم الله أجرنا وأحسن عزاءنا فيها.. فكم هي كنز فقدناه، وكم هي انسانة لا يقدر صنيعها.. ولا يُنسى جميلها.. ولا تُترك مشورتها.. ولا تُعد محاسنها ولا نزكي على الله أحدا كم هي عظيمة في نفوس من عرفها أو من له صلة بها. لقد غيّبها الموت.. تلك الحقيقة المرة.. الموت.. الذي يخطف الأحبة من بيننا، ويغيّب الأعزاء عن لقائنا.. الموت.. نهاية المطاف الذي مر على غيرنا، وهو في الطريق إلينا لا محالة.. عرف المرض جدتي منذ أمد ليس بالبعيد فصبرت وخاضت معه معارك ضارية وصراعات عدة من أجل الشفاء، فكان يغلبها تارة، وتغلبه هي مرات عديدة بإيمانها وقوة تحملها، وصبرها ، لكنه في المرة الأخيرة اشتد عليها المرض بصورة قوية لم تتحمل معه الالم.. ففاضت روحها الى ربها وهي على السرير الأبيض في المستشفى.. راضين بقضاء الله وقدره، والحمد لله على كل حال..
جدتي.. عندما كنت أتسلل في جنح الليل لأطمئن عليكِ.. وأجدكِ ساجدة راكعة تصلين خاشعة في خضوع واطمئنان.. ونبرات صوتك المهللة والمكبرة والحامدة والذاكرة الله والداعية الناجية لرب الارض والسماء تتسرب الى مسامعي فتزيدني خشوعا وإيمانا.. لقد كانت بمثابة الدفعة المعنوية، والدفقة القوية لي للسير قُدما في طريق الخير والإحسان والعمل الصالح.
جدتي: عندما كنت تتحدثين إليّ.. كان كلامك خير زاد ومعين لي في كثير من أموري كان كلامك دُرراً ولألىء براقة أضاءت لي دروب الحياة.. كان حديثك حِكماً وعبراً مفيدة تفتح أمامي مساحات أرحب وأوسع.. لقد كان حديثك لا يُمل.. وكان علمك أشبه بموسوعة علمية ادبية تاريخية دينية غزيرة.. لا تكفي المؤلفات لتدوينها، بل هي أوسع وأشمل من ان تسجل..
جدتي: لقد كانت ابتسامتك المشرقة، وطلعتك البهية، وحديثك اللين، وسعة صدرك، وحبك للجميع؛ أجمل ذكرى وأخلد سيرة تركتها لنا نحن حفيداتك.. عالقة في أذهاننا وباقية في قلوبنا لن يمحوها الزمن.. ولن يصيبها النسيان ان شاء الله ما حيينا..
جدتي: سأفقدكِ.. سأفقد لين تعاملكِ.. سأفقد طيب معشركِ.. سأفقد حديثكِ الشيق وحكاياتكِ الجميلة.
جدتي.. سأظل أذكركِ.. وأذكر مجلسكِ.. وفراش نومكِ.. وحديثكِ.. سأظل أذكر نبرات صوتكِ ترن في أُذنيّ.. وابتسامتكِ عالقة في مخيلتي.. سأذكر حُبكِ للخير والعمل الصالح قدوة أجعلها نصب عينيّ وأعلم كم امتلأت نفسك الطاهرة إيماناً وصبراً وعبادة فأكرمكِ رب العالمين وإليكِ يا والدتي الغالية: العزاء في مُصابك.. في فقد تلك الأم الحنون.. وجزاكِ خيراً.. وإلى جميع أفراد الأسرة العزاء.. ودعائي للجميع بأن يلهمهم الصبر والسلوان وان يجزيهم خيراً على ما قدموه.. اللهم إني أسألك العفو والمغفرة والرحمة لها، اللهم اسكنها الجنة، اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنان.. اللهم وسّع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقّها من الذنوب والمعاصي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس.. اللهم اجمعنا بها في جنات عدن وعوّضنا فيها واخلفنا في مصيبتنا.. آمين. يا أكرم الأكرمين.. والحمد لله رب العالمين.
«إنا لله وإنا إليه راجعون».
حفيدتك/ منيرة ناصر المبدَّل


أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved