أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 26th September,2001 العدد:10590الطبعةالاولـي الاربعاء 9 ,رجب 1422

مقـالات

ما الفزعة المؤقتة؟
د.سليمان بن عبدالله العقيل
ينظر المتخصصون في علم الاجتماع على ان المجتمع عبارة عن جماعة من الناس يعيشون في حيز جغرافي معين تقوم بينهم علاقات.
هذه العلاقات هي نتاج الفعل الانساني نتيجة التجمع واقتضاء الحاجة إلى التعاون والتساند والتكاتف والتعاقد في شكل نظم وقوانين رسمية وغير رسمية وفي الجانب السلبي نجد الصراع والتنافر والحروب والاقتتال وغيره من الصور المتعددة ايضاً نتيجة هذا التجمع البشري واقتضاء التدافع. من هذه الصور التي يشهدها المجتمع أي مجتمع بأنواع واشكال مختلفة صورة الفزعة.. وتأتي بمترادفات يتسع معناها وتأتي بأخرى ليضيق المعنى وتأتي بصور تأخذ المكافأة المادية السريعة الآنية ويكون في شكل آخر يأخذ شكل «اعمل معروفاً وارمه في البحر» لكن الفزعة سواء كانت ذات معنى متسع أو ضيق تكون نتيجة ردة فعل لحدث معين أو استباق حدث آخر لازالة الضرر أو المساعدة بأي شكل. وغالباً ما تكون الفزعة في الجانب العاطفي للانسان والتي قد تبقى فيه أو أنه بذكاء يحوّلها للجانب العقلي المصلحي حسب الموقف ومتطلباته. ومن صورة الفزعة على مستويات المجتمع بفئاته فزعة الطالب لاستاذه او الصديق لصديقه أو الجار أو الأخ لأخيه أو الرجل الذي يعرفك لك وهكذا. لكن الذي يبقى تلك العزيمة القائمة على احتساب الاجر والثواب في الآخرة ولمرضاة الله تعالى بمعنى تلك الفزعة التي تعد جزءاً من سلوك وعقيدة الانسان لأن الفزعات المؤقتة أو الآنية لا تدوم وغالباً ما تنكشف النوايا وتعلم الاسباب ثم تنقلب هذه الصورة من صور التعاون الايجابي في حياة المجتمع والافراد إلى صورة سلبية في حياتهم حيث العداء والاهانة وإذلال النفس والذات صورة اخرى من الفزعات المؤقتة أو الدائمة القائمة على المصلحة أو تلك التي فحواها الاحتساب والأجر عند الله تعالى. احدهم اخبرني ان صديقاً له كان له اب ذو مكانة ومال وصحة وكان محور الاسرة وقنديلها وكان الكل من حوله يقومون بخدمته بل ويسعدون في ذلك وحينما احس بالكبر خطر بباله ان يقسم ثروته بين ابنائه الذين بدأ التنافس بينهم واضحاً لخدمة الوالد وكان في ذهنه انه بذلك يزيل الحرج بين ابنائه ويكون حراً في علاقته معهم حسب العلاقة الأبوية فقط ودون السعي لما وراءه من مال.
فعل الرجل هذه الفكرة وكانت مستحسنة من قبل الجميع بعد معارضة بسيطة وما دامت هذه رغبتك، فلا بأس وبعد فترة وجيزة من التقسيم بدأت الزيارات تخف والانشغال بالاولاد والمال والزوجة والاعمال والاصدقاء والاقرباء والسفر والبيت والالتزامات الاجتماعية الاخرى تظهر لتكون حصان طرواده وبدأ الأب يشعر بنوع من الارتياح من جهة وبالأسى والحسرة من جهة اخرى فمن جهة يشعر ان من يأتيه من اسرته يعبّر عن حبه العميق له ومن لا يأتيه يأسف عليه لأنه «كما تدين تدان» بل ان الموعد ليس بعيداً. إذاً الفزعة هنا شكلها مؤقت وزالت بزوال الحدث. ويذكر ان رجلاً دخل المستشفى وكان لديه مرض عضال وتكاثر الزائرون وتزاحموا حين دخوله المستشفى ولكن تناقص العدد بشكل ملحوظ مع مرور الايام وإطالة مدّة إقامته في المستشفى، لأنه قد نُسي واصبح من يأتيه لمماً يكون ذا معروف وكأنه اعطاه الدنيا بأسرها حين يسأل عنه. وكان ذلك من الاقربين بل من الابناء الذين كانوا يتزاحمون على خدمته يوما ما.
هل الفزعة في العقل العربي رد فعل مؤقت؟ هل نحن قصيرو نفس؟ هل يغلبنا عدونا بطول النفس والمناورة؟
نرى الحوادث من حولنا في العالم العربي والإسلامي ثم ننتفض ونلقي بما في ايدينا وما في عقولنا وقلوبنا نصرة لهذا الحدث أو ذاك ونتفاعل معه ثم تموت وتخور قوانا بعد فترة وجيزة من الزمن. هل نحن انطباعيون ؟ هل نحن عاطفيون؟ هل نحن آنيون؟. هل نظرتنا لقصر الحياة وعدم جدواها ذات دور في هذه الفزعة المؤقتة؟ هل الدين يأمرنا بهذا؟
هل ثقافة المجتمع تحوي جزءاً من هذا التصور؟
اظن ان العقل والقلب والحركة التي يحملها الانسان المسلم ليست بهذا النوع غير أن الكثير من المدخلات الثقافية من المجتمعات والثقافات الاخرى ذات تأثير قوي وفعال في الإجابة على التساؤلات السابقة بل وفي تكوين وإعادة تشكيل العقل والوجدان العربي المسلم. وما تحويه الثقافة الإسلامية التي يتبناها المجتمع العربي السعودي كفيلة بهذا البناء بل ان القيادة السعودية تحرص كل الحرص على مثل هذا النوع ولكن التربية الاجتماعية والاسرية قد يكون لها طريق آخر.
'استاذ علم الاجتماع جامعة الملك سعود
email:alakeel99@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved