أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th September,2001 العدد:10591الطبعةالاولـي الخميس 10 ,رجب 1422

عزيزتـي الجزيرة

ورحلت يا شيخ الزاهدين..
كل يوم نودع مخلوقا ونفقد عزيزا.. كل يوم نصلي على (ميت) ونسير خلف جنازة.. كل يوم نحزن ونتأثر ولكنه حزن وتأثر بسيط وقليل وبكاء قصير لأن المآسي الاسلامية والمشاهد الحزينة متواصلة والموتى كثيرون، فنفوسنا ملّت التوجد والبكاء وصفحات خدودنا تعبت من استقبال أمطار الدموع وتجدولها من على خطوط وعروق وجوهنا.. أقلامنا، أوراقنا، أدوات الكتابة، كل شيء انهك وتعب وأصبح لا يحبذ السير في هذا الطريق فما إن تبكي وتحزن على فقيد قريب عزيز وقبل ان تجف دموعك تشاهد المجازر الدموية والنيران الملتهبة التي تقطع بها دولة (الإرهاب) أجساد إخواننا المسلمين في فلسطين وتحرق ديارهم.. وأنت تعيش هذه (المظلمة) والمأساة يأتيك الخبر بتوديع عالم اسلامي كبير وبرحيل شيخ فاضل وعالم زاهد ورع جليل.. مصائب كثيرة وجسيمة تتقاطر وتتزاحم على نفوسنا نحن المسلمين ولكن ديننا الحنيف أنعم علينا بنعم كبيرة نعمة (الإيمان) ونعمة الصبر والتوكل والإحسان «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» هذه المصطلحات الجميلة (الإيمان) (الاحسان) (الصبر) (التوكل) هي التي تخفف أحزاننا وتضمد جراحنا وتشرح صدورنا وتجعلنا نعيش براحة ولذة وهدوء واطمئنان وذلك عندما نطبقها ونعيشها ونفعلها حقيقة فليس هناك صبر وتوكل بدون (ايمان) فلابد من العمل والتقدم والتزود بالعبادة حتى تصل الى هذه الدرجة الرفيعة (الايمان).
ورغم كثرة مآسينا وتواصل أحزاننا إلا أن القلم احياناً تدفعه العواطف وتجبره المشاعر على الكتابة وذلك عندما ينطفىء نور ويضمحل ويتلاشى ضياء.. عندما تذبل زهرة وتمتنع من إقراز العطر وردة..
عزيزي المتلقي.. في يوم الجمعة 26/6 انتقل الى رحمة الله الشيخ الزاهد والعالم الجليل فهد بن ابراهيم العبيد هذا الرجل الذي ابتعد عن الدنيا بجميع اشكالها وألوانها، نبذ الدنيا بكل بريقها ولمعانها وفارقها دون ان تعتم عليه أجواء عبادته وتلطخ وتشوه روحانيته وزهده وورعه وإيمانه. كان نموذجا من النماذج المضيئة في عصر الحضارة استحضر حياة السلف وحاول أن يتعطر بروحانية أجوائها ويقتفي آثارهم ويصطبغ بما يستطيع من أحاسن أخلاقهم وجمال صبرهم وزهدهم وعبادتهم.. فحقيقة كان رجلا عابدا زاهدا كريما فضلا ورعاً.. ومهما تكلمت ومهما تحدثت ومهما اجتذبت من صفات (إيمانية) ورصفتها على السطور وسقتها على الورق لن استطيع ان آتيه حقه وارسم جل حياته وجهده..
هذا الزاهد العابد لم ينزو في بيته ويتوقف عند حدود سجادة صلاته بل اندمج في مجتمعه وطاف أحياء بلده داعياً الى الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كان رحمه الله يسير مسافات طويلة مشيا على الأقدام يدعو الى الله بتقديم الكلمة الواعظة الصادقة وإسداء الكثير من النصائح الدينية والارشادات.. فكان لا يركب السيارة ولا يقتني أو يقبل أي أثاث حضاري أو تقنية جديدة غربية لا لأنه يحرمها وينهى عنها وإنما لأنه آثر حياة التقشف والخشونة والتفرغ للعبادة على حياة الترف والليونة والنعيم لأنها تبعث على الكسل وتجر الإنسان وتوقعه في شباكها فكلما استطاع الإنسان أن يكبح جماح نفسه ويشد خطامها ولا يجعلها تنخرط وتسترسل في الملذات اقترب بها من الدار الآخرة وجعلها جاهزة ومستعدة لفعل الأعمال الخيرية والتزود بالطاعات والعبادات..
أيها الشيخ الجليل الزاهد بيتك الطيني واحة زهدك ومكان بكائك وخشوعك ومنبر علمك ودعوتك، هذا البيت الذي أصبح نقطة ضياء واشعاع نور في عوالم دنيوية ناشفة قاتمة.
هذا البيت الذي زهدت به عن كل ما في هذه الحضارة (الناشفة) وكل ما في هذه الدنيا الزائفة.. في هذا البيت روضة العبادة ومنطلق الكلمة المعطرة والمفعمة بروائح الايمان وملتقى الأحبة والأخوة في الله.. هذه الغرف الصغيرة من بيتك الطيني الصغير تحتفل وتحتضن زوّارك ومحبيك.. وتمتلىء بعلمك وخلقك وكرمك المتدفق وصدقاتك وأعطياتك المستديمة والمستمرة.
عذراً أيها الزاهد الكريم حياتك وسيرتك غذاء للاقلام ونبع ما برح يتدفق والكتابة عن سيرتك قد تستمر ولا تتوقف ولكن رفقا بالقلم واقتصاداً بالورق.
وداعاً يا نموذج الضياء والنور والى جنة الخلد والملك الذي لا يبلى.
خالد عبدالعزيز الحمادا - بريدة

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved