أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 29th September,2001 العدد:10593الطبعةالاولـي السبت 12 ,رجب 1422

محليــات

يارا
صرصرة الكرسي
عبد الله بن بخيت
أخذ الكرسي الذي أجلس عليه اثناء الكتابة يصدر صرصرة وحشرجة مع كل حركة اتحركها عليه، بدأت أشعر بالازعاج وعدم التركيز وقد شعرت أن كتاباتي تدنى مستواها عن المقاييس التي سننتها لنفسي. وقد وعدتكم بأن أستبدله في أسرع وقت حتى تتحسن قدرتي على الكتابة.
أمضيت أكثر من ثلاثة أيام وأنا أدور على محلات الأثاث المكتبي. شاهدت عشرات الكراسي. ولكنني حتى هذه اللحظة لم أتخذ قراراً بالشراء. كثرة الخيارات وتفاوت الأسعار وروح الدنفسة تجعل اتخاذ القرار أمراً في غاية الصعوبة. يمكن حل مشكلة تفاوت الأسعار وكثرة الخيارات بالنظر إلى مستوى الدخل وطبيعة الحاجة وجودة البضاعة وشكلها وتناسبها مع الجو العام. إلا أن هذا التوجه العملي يفسده عامل سيكولوجي يعاني منه الكثير اسمه (الدنفسة). منذ زمن طويل وأنا أسعى إلى تطوير قدراتي المختلفة والتخلص من مواطن ضعفي حتى تكون حياتي مريحة وسعيدة. ومن أهم برامج التطوير لرعاية روحي هو برنامج مكافحة الدنفسة في داخلي. يقوم هذا البرنامج على ثلاثة مستويات. يبدأ المستوى الأول بتجنب زيارة أسواق الدنفسة الرسمية مثل سوق العويس وسوق الشمال.. الخ أما المستوى الثاني فأسميه المكافحة الموضعية أو الفورية. إذا دخلت أي محل بهدف الشراء أذكر نفسي على الفور بترك الدنفسة وأخاطبها بصوت واضح (لا تندفس يا عبدالله.. اترك عنك الدنفسة يا ابن بخيت واشتر الشيء اللي يناسبك بالضبط). ثم أذكر نفسي بالخسائر الكبيرة التي جلبتها عليّ الدنفسة. أما المستوى الثالث هو أن أتجنب قراءة بطاقة السعر أو سؤال راعي المحل عن السعر. أتجه إلى البضاعة وأقلبها وأقيسها وفقاً لاحتياجاتي. وطالما أنني من أصحاب الدخول المتوسطة فمن البديهي أن اشتري البضائع متوسطة المستوى. فالكراسي المكتبية تتراوح أسعارها ما بين عشرة آلاف إلى خمسمائة ومتوسط السعر في هذه الحالة هو خمسة آلاف ريال. ولأنك تواجه سلسلة من الانتقاءات والتنازلات عندئذ يشتعل الصراع مع روح الدنفسة. حيث يدور بين الإنسان وبين نفسه الدنفساوية حوارات مثل (يا رجال كلها كرسي تقعد عليه وش الفرق) (الخمسة آلاف تنفعك في شيء ثان بدل ما تحطها في كرسي) (الشغل ما يجيبه كرسي اللي يبي يشتغل يقدر يشتغل لو على حصير) (يا ابن بخيت متى عرفتوا كراسي الجلد بلا بطر ما له سنع) (عاد وش ها المؤلفات اللي عبيت بها المكتبات حتى تكتب على كرسي بخمسة آلاف ريال). تلاحظ في كل الحجج التي تسوقها روح الدنفسة الكثير من المنطق.كما تلاحظ أيضاً من هذا الحوار أن الدنفسة لا علاقة لها بالبخل أو الكرم. وانما تتعلق بالتذاكي أو التحرز حتى لا يلعب علينا الآخرون. أعرف واحد مليونير. أتوقع أن دخله لا يقل عن مليون ريال شهرياً. يملك شقة في لندن. إذا قرر السفر إلى هناك لقضاء الصيف عرج على سوق الربوة وهات من ها الكراتين: كرتون تونة وكرتون قشطة وكرتون جبن كرافت وقطمة رز وثلاثة جوالين زيت غير التمر والقهوة والهيل والبهارات. باختصار لا يحتاج من لندن إلا الدجاج الطازج والماء. علماً أنه مستعد يعزمك في أرقى المطاعم وبكل اريحية. وممكن أن يصرف في ليلة واحدة على سهرة عائلية تافهة ألف جنيه استرليني. إذاً الكرم شيء والدنفسة شيء آخر.وسيكولوجية الدنفسة تقوم على المثل الشعبي الذي يقول :(يغص بالإبرة ويبلع الهيب). ولكي تعرف هذه الروح على أصولها راقب أداء الإدارات الحكومية. ففي يوم واحد يمكن تأمين مكتب بمائة وعشرين ألف ريال بينما تحتاج إلى أكثر من شهر وخمسين توقيعا لتحصل من المستودع على أقلام وأوراق تصوير لا تتعدى قيمتها عشرين ريالاً.
ان شاء الله تندحر روح الدنفسة في داخلي واشتري الكرسي الذي يليق بي. عندها ستكون مقالاتي القادمة أفضل من مقالاتي السابقة. وحتى يتحقق ذلك ليس أمام القارئ الكريم إلا أن يقرأ مقالات لكاتب يجلس على كرسي يصرصر.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved