أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th September,2001 العدد:10594الطبعةالاولـي الأحد 13 ,رجب 1422

مقـالات

الخطاب الإسلامي وما جرى ويجري..؟
حمّاد بن حامد السالمي
.. بعد العدوان الآثم التي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، في مدينتي نيويورك وواشنطن مؤخرا، وذهب ضحيته أكثر من خمسة آلاف إنسان، ماتوا حرقا بالنار، أو خنقا تحت رماد الأنقاض، سارعت الآلة الإعلامية الأمريكية والغربية، إلى تجريم العرب والمسلمين، وراحت منذ الساعات الأولى لهذا الحادث وحتى اليوم، تضغط على الرأي العام في كل مكان، مرسخة بذلك فكرة قديمة «بغيضة» ارتبطت بالإسلام وبالمسلمين، هي «الإرهاب» . ذلكم العمل غير المشروع، الذي يقوم على القتل وسفك الدماء، والتخريب والتدمير، من خلال تفجير الطائرات، وتفتيت المنشآت والمؤسسات العامة.
.. والحاصل في هذه القضية، أن الإسلام كعقيدة ودين وتشريع سماوي بعيد كل البعد عن مثل هذه الأفعال الشريرة، والعمل على زجه في مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية ظلم صريح واضح.
.. وأن المسلمين الذين عافاهم الله من الشذوذ الفكري، وعصمهم من الانحراف العقدي بعيدون كل البعد عن مثل هذه الممارسات المفجعة.
..وسواء ثبتت هذه «التهمة» التي حملت لواءها أحدث وأمضى آلة إعلامية في هذا العصر أم لا فإن المنطق في هذا الظرف العصيب، يوجب علينا كعرب ومسلمين أن ندين هذه الفعلة النكراء، وأن ننبذ كل من خطط لها أو نادى بها أو شجع عليها، عوضا عن المساهمة في إنزال العقوبة المستحقة بالقتلة المجرمين، سواء كانوا من العرب والمسلمين، ام من المسيحيين واليهود والبوذيين وغيرهم.
.. إن روح الإسلام وأخلاقه ومبادئه السحمة تلك التي سار بها هذا الدين متغلغلا بين أمم الأرض كافة تحرم وترفض القتل والخراب والدمار بهذه الصورة التي شاهدنا ورأينا، وهي تبعا لذلك توجب الوقوف في وجوه البغاة المعتدين، بنصرة المظلومين، ورد المظالم إلى أهلها.
.. لقد فعل العرب والمسلمون خيرا باستنكارهم لهذا العدوان، ومطالبتهم التنكيل بفاعلية، وكان للمملكة وشعبها ولعلمائها الكبار ولمفكريها وكتاب الرأي فيها رأي صريح واضح يعزز ثوابت أصيلة للمملكة ولشعبها منذ زمن طويل، هي في جوهرها ضد الإرهاب بشتى صوره، وضد الإرهابيين عربا ومسلمين كانوا أم من غيرهم من الأجناس، وهي ثوابت تستمد قوتها ومكانتها من أصول هذا الدين، ومن تعاليمه وأخلاقه ومبادئه.
.. إن هذا الموقف الحضاري النبيل التي انتهجته معظم الدول والشعوب العربية والإسلامية يستقيم وروح الإسلام السمحة ويتجلى من خلاله الفرق بين عبادة الله بروح الإسلام الحقيقية وعبادة الفرد باسم الإسلام تسفها.
.. إن الذين ينفردون بأفعال شريرة كهذه، إنما يتأمرون بأوامر تأتيهم من أسيادهم من شياطين الإنس، أولئك الذين يقبعون في الكهوف والأقبية، ويزجون بالبسطاء والسذج، في أتون الموت بهذه الصورة البشعة، التي رأينا وشاهدنا في نيويورك وواشنطن، وهم يصرخون فيهم من هناك، من كهوف جبال الأفغان، محرضين مشجعين «هيا إلى القتل.. هبوا إلى سفك الدماء..!».
.. وقعت هذه الفاجعة في مدينتين كبيرتين من مدن الولايات المتحدة الأمريكية ومئات القتلى من بين آلاف الضحايا، هم من العرب، ومن المسلمين وفي مقدمتهم منفذو العمليات إن صحت ضدهم التهم ونسأل اللّه أن لا تصح ولا تثبت.
.. هذه العمليات التي تمت هي بدون أدنى شك، حلقة من حلقات إرهابية دموية، بدأت منذ سنوات عدة في أقطار عربية وإسلامية وغيرها، ولن تنته بهذا الحادث.
.. لقد اكتوى الناس جميعا بنار هذا السلوك الشاذ، فلم تنج منه أمة من الأمم، ولا سلم منه شعب من الشعوب، وكان العرب والمسلمون هم أول الضحايا، والأكثر تضررا من عدة أوجه. فقد تعرضت بلدان عربية وإسلامية إلى عمليات إرهابية هنا وهناك، قتل فيها خلق كثير وتشوه خلق آخر، ودمرت منشآت لا حصر لها.
ثم تكررت هذه الأفعال من زمر وجماعات ومنظمات، تنسب نفسها إلى الإسلام وأهله، وتدعي الدفاع عن حقوقه ومنازلة أعدائه، فتسببت بغباء وحمق في إلحاق الضرر بكل من هو عربي ومسلم على وجه الأرض، حتى العرب والمسلمين الذين أصبحوا من صميم بعض المجتمعات الغربية والشرقية، لحقهم من هذا الأذى ما هم في غنى عنه.
.. وإذا كنا نشعر حقيقة بالخطر، وهو خطر بدأ بنا ولم ولن يتوقف عند حدود «الشيطان الأكبر» والآخر العدو أياً كان..! فلماذا لا نعمل بجد على مراجعة خطابنا الإسلامي، الذي اتخذ في بعض الدول ومنذ ثلاثين عاما، منحى معاكسا يقوم على نشر وتأصيل فكر التشدد في شكل العلاقة مع ا لذات ومع الآخر، ثم اتجه إلى تعميم ثقافة التشاكل والمخالفة. ليصل إلى مرحلة الخروج والتعبير عنها بالعنف، في ظل اعتساف معاني الجهاد والتضحية والفداء، وتحويلها إلى صور الإيذاء وقتل الأبرياء وتخريب الممتلكات بدون وجه حق.
.. إن الدول الغربية كافة، وعلى رأسها أمريكا ذاتها، قامت بشكل أو بآخر بتشجيع وتغذية مثل هذا الشذوذ في البلدان العربية والإسلامية بل يوجد «اليوم» في دول هذا الغرب وأمريكا، منظمات تجاهر بالعنف، وتدعو للقتل، وتفتخر بالأعمال التخريبية، وتدعي أنها عربية وإسلامية، مستفيدة من النظم التشريعية في بلدان الغرب فتمارس إرهابها انطلاقا من هامش الحرية في هذه التشريعات، ومن سكوت النظم الغربية عليها، وتحارب بلدانها العربية والإسلامية، لأن هذه البلدان بكل بساطة لم تمنح هؤلاء القتلة حرية الحركة في ممارسة الإرهاب، انطلاقا من العواصم العربية..!
.. هذا منطق غريب، وموقف عجيب..!
.. موقف لا يماثله إلا موقف «بعض العرب والمسلمين» الذين يصرخون ليل نهار من جور العنف الذي تمارسه الدولة العبرية في الأرض المغتصبة فلسطين، ومن إرهابها اليومي ضد عرب القدس والأراضي المحتلة، وعندما وقعت الواقعة في نيويورك وواشنطن، رقصوا فرحا ووزعوا الحلوى بينهم، وتبادلوا التهاني بالهواتف الجوالة التي صنعها الغرب..!
.. يشتمون .. ويشمتون، ويطالبون برفع الظلم عنهم ..!
.. يا لهذه الوقاحة..!
.. من جهة واحدة فقط، هي التي استفادت من حوادث العدوان على المدن الامريكية هي الدولة العبرية في أرض فلسطين. وسوف تستفيد أكثر في المستقبل لأن العداء ضد العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم سوف يزداد ويتأجج.
.. ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
.. ظل الخطاب الإسلامي في بعض الدول وما زال مع الأسف يرسخ العداء ضد جميع الأمم، فلا يفرق بين دين ودين، ولا بين عدو وصديق، ولا بين عدو آني وآخر لاحق، أو بين عدو أكبر وآخر أصغر.
.. إن هذا الخطاب الذي سار على أكتاف أنصاف المتعلمين والمتعالمين ردحا من الزمن، استهدف عامة الناس، وانطلق من قاعدة «التشكيك» في كل شيء حتى رأينا أن بعض المسلمين راح يتصارع مع نفسه، ثم مع محيطه ومجتمعه، وجاء المنقذ في شخص الدافعين إلى الخروج خارج الدائرة لأهداف ذاتية ضيقة، وأخرى تخريبية بعيدة المدى، أبانت بعض الحوادث عن بعضها، وما زال البعض الآخر مستغلقا.
.. سألت نفسي مرات: لماذا لا نوحد جهودنا نحو عدو واحد، هو الذي يحتل أرضنا، ويسعى بكل خبث ومكر، إلى تسقط هفواتنا، وتوظيف أخطائنا وتشويه صورتنا أمام الأمم جميعها..؟
.. إن اليهود وحدهم هم الذين يستفيدون دائما من العداء السافر الذي «نجهر به» نحو الآخرين .
.. لا يقول عاقل بصداقة ترجى للمسلمين من هذه الأمة أو تلك، لكن الحكمة تفرض علينا عدم الاستزادة من هؤلاء الأعداء على أقل تقدير.
.. إن ما هو مطلوب اليوم من علماء الأمة العربية والإسلامية ومن المفكرين والحكماء فيها .. التفكير بكل عزم وجد في إعادة صياغة الخطاب الإسلامي العام الذي سخره البعض لبناء جيل ناقم ساخط لا يقيم وزنا لدين أو أخلاق أو عرف.
.. جيل .. يريد إسلاما على مقاسه هو، وعالما يكيفه حسب مزاجه هو لا غير ليسيء بذلك للإسلام والمسلمين.
.. لقد قال البعض بعد هذا الحادث، بمطالبة امريكا أن تراجع مواقفها من القضية الفلسطينية، وهي مواقف مؤيدة للجانب الاسرائيلي في هذا الصراع المرير، وهذا حق ومطلب مشروع، كان على امريكا أن تذعن له قبل الحادث، وينبغي أن تفعل ذلك بعده، وعلينا أن نتفادى مثل الربط حتى لا نساعد على إلصاق التهم بنا، وأن نساعد على كسر طوق الإرهاب في العالم أجمع.
.. إن الخطاب الإسلامي الذي تم اختراقه في بعض الدول الاسلامية منذ أكثر من ثلاثين عاما، مسؤول مسؤولية مباشرة عن صورة المسلم المهزوزة مع بداية الألفية الثالثة، صورة «المسلم الحزين» في هذا العالم. لأن هذا الخطاب سار على نهج حوصر بالتهويل والتهويم فسهل بذلك تسخيره لخدمة أفراد قلائل، نصبوا أنفسهم أوصياء على هذه الأمة، وانهم وحدهم الذين يدركون ما ينفعها، وما يضرها من خلال هذه الصيغة الجديدة القائمة على النظرة الأحادية في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، فراحت تنهش في بنيان الأمة الواحدة وتفرخ مزيدا من الحقد والكراهية والطغيان من خلال المنهج الذي اختطته هذه المنظمة أو تلك.. هذا الحزن أو ذاك.
.. اللهم .. لا تؤاخذنا بما فعل هؤلاء بنا.
.. اللهم .. آمين .. آمين .. آمين.
assahm2001@maktoob.com
fax 02 73 61 552

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved