أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 1st October,2001 العدد:10595الطبعةالاولـي الأثنين 14 ,رجب 1422

مقـالات

إضاءة
رفقاً بالقوارير (2 - 2)
شاكر سليمان شكوري
وقد يتصور البعض أني في مقالي السابق أعود إلى تعطيل لون من ألوان العقاب الشرعي، مستشهدين في دعواهم بقول الحق جل وعلا «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً» (النساء: 34).
وحاشاي أن أفعل، وإنما أدعو إلى إعادة النظر في المسألة من حيث تقدير الظرف الموجب لهذا اللون من العقاب، ودرجته وأداته، حتى استعماله في نهاية المطاف إلى إصلاح الحال لا إلى الإضرار ببدن المرأة ونفسيتها، واضطراب الأسرة الذي ينتهي غالباً بالطلاق، وما يترتب عليه من مآس اجتماعية يختص الأطفال الأبرياء بمعظمها، على نحو ما جاء في الواقعة التي استشهدت بها. كما أنبه إلى ختام الآية الكريمة «إن الله كان عليّاً كبيراً» فقد قال ابن كثير: إنه تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.
وفي حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن إياس بن عبدالله بن أبي ذئاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تضربوا إماء الله» فجاء عمر رضي الله عنه إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه فقال: زئرت النساء على أزواجهن، فأجابه «لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم».
وحين سأل معاوية بن حيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حق امرأة أحدنا عليه، قال: «أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلاّ في البيت».
جاء في خطبة الوداع «واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن ألاّ يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، وقد وصف الفقهاء هذا الضرب بأنه لا يكسر فيها عضواً، ولا يؤثر فيها شيئاً.
وإذا كان هذا حال ضرب من توطىء فراش زوجها أحداً يكرهه فإن الضرب المسموح به في حق المرأة الناشز، وهي التي وصلت إلى حد التكبر على زوجها، وعصيان أوامره، والإعراض عنه، وإبغاضه سوف يكون بالضرورة أقل أداة وأداء من الضرب الأول.
أما ضرب المرأة لما دون هذا وذاك وهو الشائع في الغالب، فقريب في شكله وأداته في نظري من ذلك الضرب الذي شرعه الله كفارة ليمين «أيوب» النبي عليه السلام، وكان قد أقسم إن شفاه الله تعالى ليضربن زوجته مائة جلدة لأمر فعلته، قيل باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه، وقيل لغير ذلك من الأسباب. فلما منَّ الله عليه بالشفاء وارتدت إليه عافتيه، ما كان الله ليجزي زوجته بالضرب مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان، وإن أخطأت في اجتهادها بنظر أيوب عليه السلام، فقال عز من قائل، «وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث» (ص:44). لقد أفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثاً (الشمراخ فيه مائة فرع رفيع) (وهو عذق النخل الذي يحمل الثمرة) فيضربها به ضربة واحدة، وقد برت بيمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره.
فالضرب في حق زوجة أيوب عليه السلام كان تحلَّة يمين، وهو في حق المرأة التي تعصي زوجها أو تغضبه في أمر ما بمثابة عقاب معنوي، وإن كان مادي الشكل، فيجب ألاّ يعدو كونه رمزي الأداء والأداة، ونهج الإسلام في علاقة الزوج بالزوجة عندما تسوء العشرة هو أن يبدأ في رحلة طويلة بدايتها أن يعظها حتى يستنفد كل السبل في إيصال النصيحة.. ثم الهجر، والهجر هو تعطيل سلاح الإغراء الذي هو أعظم سلاح تتعالى به المرأة في علاقتها مع زوجها فإن لم ينفع ذلك معها.. دل على أن هناك قسوة في الطبع وهنا تأتي الإباحة بالضرب وقد فسر ذلك حبر الأمة وترجمان القرآن الذي عاش في ظلال بيت النبوة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: لا يجوز أن يتعدى الضرب عود السواك، والسنة فيه أن لا يزيد عن فتر، والفتر حوال خمسة عشر سنتيمتر «15 سم» وهذه هي الرحمة في أقصى معانيها، وقد جاء في الحديث «بئس الرجل يضرب امرأته ثم يضاجعها» ولا يمكن أن تطلق الشريعة السمحاء بضرب الزوجة دون حدود وضوابط لها آدميتها، وتحرص للأسرة على ديمومتها!!.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved