أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 1st October,2001 العدد:10595الطبعةالاولـي الأثنين 14 ,رجب 1422

مقـالات

الهولوكوست الفلسطيني ومحاكمة شارون
عبدالله بن ثاني
نص القانون الدولي على محاكمة مجرمي الحرب «يعتبر جريمة حرب كل انتهاك خطير لقوانين الحرب وأعمالها، وكل ما يرتكبه أي طرف في الحرب من أعمال ضد من لا يشارك في الحرب من المدنيين، والأسرى، والمرضى، والمقاتلين الجرحى، وجميع أنواع التعذيب للمقاتلين أو غيرهم، وأخذ الرهائن، واغتيالات مقصودة ومتعمدة و استعمال أسلحة محرمة في الحروب سواء، بكتريولوجية، أو سامة، أو حارقة، وكل تدمير غير مبرر بالقنابل كيفما كان نوعها، وذلك كيفما كانت طبيعة الحرب أو طبيعة النزاع الذي فجر الحرب».
وتفسيرا لنص القانون يعد جريمة ضد الإنسانية كل هجوم شامل على الإنسان المدني، ونصت روحه ايضا على الأعمال غير الإنسانية التي تعرض لها الإنسان من غير قصد، وسببت له آلاما وعاهات مستديمة. وأما مجرم الحرب فهو المسؤول المباشر عن التنفيذ أو من يأذن باستخدام تلك الأساليب في التصفية، أو من يأمر بها، أو من يعلم بها وكانت له قدرة على منع وقوع تلك الجريمة ولم يفعل.
وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على توصية تقضي بعدم تقادم جرائم الحرب، والحرب ضد الإنسانية وعدها من كبريات الجرائم وأشدها خطورة، بل يطارد المسؤول عنها بطريق مباشر أو غير مباشر مهما طال عليها الأمد، وذلك في 26 نوفمبر تشرين الثاني 1968م، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية أخرى في 9 ديسمبر كانون الأول 1973م وفيها: إن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية أينما وحيثما وقع ارتكابها يجب أن يترتب على ارتكابها إجراء بحث عن أشخاصها وطبيعة جريمتهم والعمل على إثبات الأدلة التي تدينهم، وأن يتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة لإدانتهم ومعاقبتهم، وأدرك العالم أجمع ضرورة تقديم مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم التطهير العرقي وأعمال الإرهاب إلى العدالة دون إيمان بالحدود الإقليمية والسيادة، ورسخ هذه المبادئ حلف شمال الأطلسي عندما قرر اعتقال مجرمي الحرب في صربيا وكرواتيا، وإنشاء محكمة دولية لجرائم الحرب، ودعم محاكم جرائم الحرب في لاهاي التي تشرف عليها هيئة الأمم المتحدة، وأصدر مجلس الأمن الدولي عام 1993م القرارين 827 و808 صدى للنزاع البوسني، مما شجع بعض المواطنين في أنحاء متفرقة من العالم على ان يطلبوا مقاضاة المجرمين من أمثال الدكتاتور أوجستو بينوشيه الرئيس السابق لتشيلي أو المجرم ميلوسيفيتش.
ومن جهة أخرى فإن القانون البلجيكي الصادر عام 1993م والذي تم تعديله عام 1999م يؤكد مشروعية رفع دعوى ضد مجرمي الحرب، إذ يعطي صلاحيات عالية للمحاكم البلجيكية لملاحقة الأشخاص المسؤولين عن ذلك دون نظر إلى جنسية المجرم ومكان الحدث، وتم النظر في دعوى مقدمة ضد أرييل شارون الذي كان جنرالا في الجيش الاسرائيلي سابقا ورئيس وزرائها حاليا بسبب ما فعله من جرائم ضد الإنسان الفلسطيني ابتداء من عام 1953م وانتهاء بالأسلوب القمعي ضد أطفال الحجارة. والتصفية بالمروحيات والإبادة لمسؤولي الحكومة الفلسطينية، وقد جاء على لسان المحامي البلجيكي لوك فالين الذي يترافع لصالح أسر الضحايا في مجزرة صبرا وشاتيلا أمام محكمة بروكسل أن مسألة اعتقال شارون ومساعديه وسجنهم في بلجيكا قد تتم قبل صدور الحكم النهائي في القضية المرفوعة ضده أمام القضاء البلجيكي بعد قتل أكثر من 3000 فلسطيني ولبناني في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982م، وقد وجهت له المحكمة ثلاث تهم، وهي ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية، وجرائم ارتكاب أعمال قتل جماعية، وبين المحامي أن الحكومة الإسرائيلية تمارس الضغط والتهديد المكثفين لإلغاء القانون الذي يقضي بمحاكمة أي مجرم في العالم يتورط في إبادة ما إلا أن الحكومة البلجيكية رفضت ذلك التهديد عندما قرر رئيس الوزراء البلجيكي في تموز يوليو الماضي استقلالية القضاء البلجيكي، وذكر أن القانون المعدل في 1999م ينص على أن مجرم الحرب يتعرض لمحاكمة ولو كان في أعلى المراتب ويجب ألا يفلت من العقاب، ونص على أن القضاء البلجيكي سبق وأن حاكم في بروكسل مجرمي الحرب الأهلية في رواندا عام 1994م، وذكر المحامي ايضا ان بعض الدول ليس لديها قانون يرفع الحصانة عن المجرمين في السلطة واعتقالهم ليقدموا إلى المحاكمة .
وأضاف ان ارتكاب جريمة صبرا وشاتيلا قد تم بناء على دوافع عنصرية إذ وقعت المجزرة منذ 19 عاما، وكانت صادرة عن إيديولوجية صهيونية واضحة، لأن نية القتلة كانت قتل الناس على أساس الجنسية والدين والأصل، وهذا عمل عنصري بشع وجبان وسوف يلقى العقاب الملائم أمام القضاء البلجيكي.
وذكر أن عددا من المنظمات الأهلية تعمل إلى جانبه بلا مقابل من أجل محاكمة شارون الذي ينتمي إلى حركة صهيونية لم تتردد في مساعيها لإقامة دولة إسرائيل في استخدام أبشع صور العنف التي تمثلت في أكثر من مجزرة، مسجلة في صفحات التاريخ بالتفصيل، ونتج عنها قتل آلاف العرب وهروب الآلاف منهم.
وأكدها الصحفي توم سيغف في كتابه «الإسرائيليون الأوائل»، إذ تم خلال الأشهر الأولى من عام 1949م وصول تقارير قتل ومذابح وعمليات اغتصاب قام بها الجنود الإسرائيليون، وأضاف أن ابن غوريون تجاهل المأساة الإنسانية لعرب البلاد، إذ نظر إليهم حسب مفهومه البراغماتي أن الأرض التي يوجد عليها عرب تختلف كثيرا عن الأرض التي لا يوجد عليها عرب.
وذكر قول موشي شاريت في رسالته إلى ناحوم غولدمان «إن إجلاء العرب يعتبر عملية رائعة في تاريخ البلاد، والى حد ما يعتبر أروع من إقامة دولة إسرائيل» وأدرك الزعماء العرب أهمية هذا القانون في محاكمة مجرم الحرب شارون، فشكلت لجنة من الخبراء العرب في القانون الجنائي الدولي لتكون هيئة استشارية للجامعة العربية تتولى دراسة الإجراءات القانونية اللازمة لملاحقة مجرمي الحرب اليهود تنفيذا لقرارات قمة عمان الأخيرة وقرار مجلس الجامعة الطارئ الأخير في 22 أغسطس آب الماضي، وتكليف الأمانة العامة بتولي متابعة هذه المحاكمة.
وتتبّع جرائمه منذ عام 1953م عندما قامت وحدة الكوماندوز التي يقودها بتفجير منازل في بلدة قبية الفلسطينية، مما أدى إلى قتل 69 مدنيا ومرورا بمذبحة صبرا وشاتيلا التي قاد حملتها في لبنان بعدما حاصر بيروت الغربية الجيش الاسرائيلي ولم يتوصل المفاوض الأمريكي آنذاك فيليب حبيب إلى اتفاق يمتنع بموجبه الجيش عن احتلال بيروت التي غادرها الفدائيون الفلسطينيون في الأول من سبتمبر أيلول مع ضمان الولايات المتحدة الامريكية حماية من بقي من السكان المدنيين، وغادرت قوات حفظ السلام الدولية في 13 سبتمبر أيلول، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يقف عند هذا، فاقتحم بيروت واخترق اتفاق فيليب حبيب، وأصدر شارون أوامره بغزو بيروت ومساعدة الكتائب حليفة إسرائيل في الانتقام من الفلسطينيين إثر اغتيال بشير الجميل، وبذلك يصبح الجيش الإسرائيلي مسؤولا عن الأمن في بيروت وحماية السكان المدنيين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول، وأرسل شارون ميليشيا الكتائب إلى المخيمين بعد اجتماع في 15 سبتمبر أيلول ودخلوا مع غروب شمس 16 سبتمبر أيلول فعاثوا فيهما قتلا وإبادة وهدما للمنازل، وتم إبلاغ شارون بأن الكتائب أسرفت في الهجوم، وطلب منه أن يمنع استمرار المجازر التي حدثت وأن يفعل شيئا حيالها لكنه لم يلتفت إلى ذلك، وأرسل المبعوث الأمريكي رسالة إلى شارون يحمله مسؤولية ذلك، لأنها تقع تحت تصرفه، وأجاب بضرورة تدمير 2000 3000 إرهابي كما زعم، ونسي أن الذين بقوا هم الأطفال والعجزة والنساء، وجرت مظاهرة في إسرائيل بعد المذبحة ضمت حوالي 400 ألف شخص، وأدان البرلمان الاسرائيلي العمليات الوحشية بشدة، فشكلت الحكومة لجنة تحقيق قضائية «كاهان» ولم يستطع القاضي اللبناني جرمانوس معرفة من وراء المجزرة عندما أغمض عينيه عن الحقيقة وعدت اللجنة شارون مسؤولا غير مباشر عنها، وفقد وظيفته وزيرا للدفاع، وظل في الحكومة يحمل حقيبته الوزارية، ولم يتم القبض على رجال الكتائب، وأصبح بعضهم فيما بعد رجال أعمال في بيروت ومنهم فؤاد أبو نادر قائد عمليات ميلشيات الكتائب عام 1982م وإيليا حبيقة الذي قال: كنت جنديا وحاربت على جبهات عدة ولا أخشى المحاكمة الدولية على الإطلاق، وأصبح وزيرا للحرب فيما بعد مثلما أصبح شارون رئيسا للوزراء في إسرائيل، وعندما طلب منه ان يعتذر قال: عن أي شيء أعتذر؟
وانتهاء بما تفعله قوات الاحتلال في أرض فلسطين من تصفية وتطهير وأعمال عنف وقمع لم يشهد التاريخ البشري مثلها، في حين ان الصهيونية وآلاتها الإعلامية والاقتصادية تسعى إلى ترسيخ فكرة اضطهاد اليهود، والهولوكوست في سبيل الحصول على تعويضات مادية تمول عمليات الاستيطان اليهودي والعمليات ضد سكان الأرض الأصليين،والسعي إلى تقمص دور الضحية المظلومة التي ارتكب في حقها النازيون أبشع الجرائم لتصبح ثابتا من ثوابت تاريخ أوروبا وأمريكا مع أن الشعب الفلسطيني يتعرض لهولوكوست أشد قسوة مما تعرضوا له وعلى يدهم، مؤكدين انه لا فرق بين النازية والصهيونية إذ يجتمعون على احتقار الشعوب، وكان على الغرب ان يعلم جيدا أن العرب والمسلمين لا يقرون الهولوكوست بأي شكل من الأشكال، لأن دينهم يحرم قتل النفس الآمنة وأنهم لم يلونوا صفحات التاريخ بدماء اليهود والسلاف والغجر، وبناء على ذلك لا يحق ان يكفر العالم الغربي عن جرائمه بالصمت على إبادة شعب عربي والحيلولة دون تقديم شارون لمحكمة العدل الدولية مجرما مسؤولا عن الهولوكوست الفلسطيني.
أيها السادة.. مرت يوم الأحد الماضي 16 أيلول الذكرى التاسعة عشرة لمذابح صبرا وشاتيلا التي نفذتها ميلشيات مسيحية حليفة لإسرائيل وبمساعدة من شارون الذي أعطاها الإذن في اقتراف ما حدث بعدما اخترق اتفاق فيليب المشهور، والإعلام العربي بكل أسف لم يتفاعل بما يليق ويناسب هذه القضية التي تقدم شارون للمحاكم الدولية مجرما للحرب وعدوا للإنسانية. وعذرا للتاريخ لأننا الأمة الوحيدة التي أطلقت على اليهود مجرمين وسفاحين في حين أن أمم الأرض على مر عصوره وأحداثه يسومونهم سوء العذاب، ولم يطلقوا عليهم إلا صفات الغدر والخيانة واللؤم.
الإمارات العربية المتحدة رأس الخيمة



أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved