أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 6th October,2001 العدد:10600الطبعةالاولـي السبت 19 ,رجب 1422

مقـالات

الأدلة والبراهين الحاضرة الغائبة والموقف العربي والإسلامي
د. عبد الله بن سالم الزهراني
لا تُلام الولايات المتحدة الأمريكية على الاضطراب والتخبط في بداية الأمر عندما وقع الهجوم الإرهابي في الحادي عشر من سبتمبر على وزارة الدفاع وعلى مركز التجارة العالمية. ولا تلام عندما بقيت ساعتين تقريبا من دون حكومة ولا تلام أيضا عندما يستدعي الرئيس الحقيبة النووية توقعا للأسوأ ولا تلام عندما أصدر الرئيس أوامره باسقاط أي طائرة لا تنصاع للتعليمات بتغيير مسارها بعد اكتشاف ان الهجوم هو انتحاري وانه قد يتواصل وبنفس الوسيلة والطريقة ان عدم اللوم هو ان ما حدث هو كارثة بكل المقاييس. كارثة في الأنفس التي أزهقت بتلك الطريقة الوحشية وخاصة ان التوقع لأعداد الأموات كأن أكبر مما تم احصاؤه لأن المبنيين لمركز التجارة يعمل بهما عادة قرابة 50 ألفاً ويزورها يوميا أكثر من 150 ألفاً. أفلا يدعو ذلك للاضطراب والهلع؟ كما ان الأمر كارثة مالية من العيار الثقيل تبلغ مليارات وتطال كل جوانب النشاط الاقتصادي ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن على مستوى العالم وان كانت أمريكا هي المتضررة الأولى. والأمر يعد كارثة لأن المستهدف هو القوة العظمى في العالم دون منازع والتي تتحكم في خيوط اللعبة السياسية والاقتصادية لكل الأحداث المؤثرة في العالم. الأمر كارثة لأن قوتها الاستخباراتية والبوليسية لم تكتشف الأمر الا من خلال وسائل الاعلام شأنها شأن بقية الناس العاديين في أي دولة من دول العالم.
ربما كان ذلك الارتباك هو الذي قاد الى توجه الاتهامات منذ البداية وبدون دليل الى العرب والمسلمين وقاد الى زلة لسان رئيس أقوى دولة في العالم بكلمة حرب صليبية؟ وكان ذلك الاتهام وتلك الزلة سببا رئيسيا في معاناة ملايين المسلمين والعرب الذين هم مواطنون أمريكيون حيث ان البعض منهم ربما لم يخرج من بيته لدراسته أو لعمله حتى اليوم الا على أضيق نطاق. هل نعتبر ذلك كله في سياق عدم اللوم؟
وعندما ننظر الى الموقف العربي والاسلامي من الهجوم الارهابي فانني أعتقد انه الموقف الصحيح. لقد استنكروه وبكل قوة وقناعة ذلك الهجوم الوحشي وأدانوه واستنكروه وعزّوا الولايات المتحدة بحكم كل أنواع الروابط الانسانية من صداقة ومصالح وفقدان أعداد كبيرة من المسلمين في ذلك الحادث ولكونه مستنكرا ولا تقبل به أي دولة اسلامية أو عربية في أي مكان في العالم وهذا موقف عقائدي كما هو موقف انساني. وأعتقد ان هذا موقف العقلاء الذين أدركوا حجم الكارثة واستشعروا حجم العواقب والنتائج خاصة مع توجيه الاتهام مباشرة لمجموعات ذات علاقة بالارهاب بشكل عام ومحسوبة على المسلمين والعرب كما انه موقف لامتصاص ردة الفعل السريعة التي انتابت الحكومة والشعب الأمريكيين.
ان تلبية التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد الارهاب طبيعي رغم ان كل العرب والمسلمين يشعرون ويدركون ويلمسون تحيز الولايات المتحدة في سياستها في القضية الفلسطينية. كما ان كل الشعوب الاسلامية عربية وغير عربية تجد البراهين الملموسة على ذلك التحيز من خلال مواقف أمريكا في الجمعية العامة للأمم المتحدة واستخدامها حق النقض في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين اسرائيل. كما ان موقف الولايات المتحدة في مؤتمر ديربن المتعلق ببحث قضايا العنصرية ما هو الا برهان آخر على هذا التحيز. لقد ظهر التحيز وبشكل صارخ في عهد الرئيس الابن بوش حيث لم يكن هناك توجه او حتى تلميح لادانة الجرائم التي يرتكبها اليهود ضد الفلسطينيين بقيادة رئيس الوزراء شارون الذي سجله حافل بالدموية. ظل الفلسطينيون ولمدة ثمانية أشهر في عهد تولي الرئيس بوش الابن مقاليد السلطة وهم يطالبون الولايات المتحدة بالتدخل ولم يجد ذلك آذانا صاغية لقد تجاهلت القيادة الأمريكية القيادة الفلسطينية تماما ولم تدعها لزيارة واشنطن في حين استقبلت شارون أكثر من مرة. ولم تكن ثمرة تلك اللقاءات الا إمعانا في الغطرسة اليهودية وزيادة العنف والارهاب ضد الشعب الفلسطيني وضد بعض كوادره السياسية من خلال الارهاب المنظم المتعمد وظهر شارون من خلال هذه الزيارات وكأنه يذهب ليأخذ الاذن والضوء الأخضر في ممارساته العدوانية. ماذا نسمي تلك الممارسات والاغتيالات المنظمة لبعض الكوادر السياسية الفلسطينية؟ ألا يستوعبها مفهوم الارهاب الذي بدأ يتمغط هذه الأيام؟
هل من المعقول ان دولة الحرية والديموقراطية والقانون وحقوق الانسان لا تدرك ان ما يمارسه اليهود ضد الفلسطينيين ارهابا؟
الغريب والمستغرب جدا ان يضع شارون شرطا تعجيزيا من أجل لقاء بيريز عرفات وتوافقه أمريكا دولة الديموقراطية والمدَّعية لحماية حقوق الانسان على ذلك، ألا وهو وقف كامل لاطلاق النار من قبل الفلسطينيين وهو شرط يصعب على أي دولة في العالم مهما كانت امكاناتها ان تلتزم به في مثل تلك الظروف التي يعيشها الفلسطينيون ناهيك عن الفلسطينيين الذي لا زالوا في طور التحرير ويمارس عليهم الظلم والقهر والعنف الذي لا يهيىء الوضع للهدوء ثم ان اليهود لم يعطوا الفرصة للفلسطينيين لوقف اطلاق النار لأن اليهود يقولون ولا يفعلون. هل هناك مقارنة بين طلق ناري من بندقية فلسطينية مع اطلاق المدفعية الثقيلة والصواريخ وقذائف الدبابات من قبل اليهود؟ أليس هذا الإرهاب بعينه؟ الا اذا اعتبرنا اطلاق النار هو قاسم مشترك وان كل تلك الوسائل تقتل وتجاهلنا حجم الخراب والدمار الناتج عن كل نوع من تلك الأنواع لنعتبر جدلا ان اطلاق النار من قبل الفلسطينيين نوع من الجرائم التي تحدث كل يوم في معظم دول العالم. لماذا لا ينسحب اليهود الى حدود ما قبل الانتفاضة؟ لماذا لا يفكون الحصار ويرون مدى تجاوب الفلسطينيين؟ اليهود يسعون الى اضعاف سلطة القيادة الفلسطينية حتى لا تتمكن القيادة من السيطرة على بعض الأفراد والفصائل عند محاولة وقف اطلاق النار لكي يستمر اليهود في ارهابهم وعدوانهم.
إن شارون لا نية لديه على الاطلاق في السلام انه يرغب في سفك مزيد من الدماء ويرغب في الاستيلاء على مزيد من الأرض ويرغب في اهانة الفلسطينيين وفي هزيمة روحهم المعنوية وفي سلب ارادتهم وفي تركيعهم وفي اذلالهم من خلال محاصرتهم وتجويعهم وهدم مساكنهم وتعقب واغتيال كوادرهم. انه واهم وسيذهب شارون ويفنى ويبقى الشعب الفلسطيني صامدا. ان الفلسطينيين ومعهم العرب والمسلمون يرفضون كل هذه الممارسات كما ترفضه سائر الشعوب المؤمنة بحق الشعوب في الكفاح والنضال ضد الطغيان من اجل التحرر.
كل الشعوب العربية والاسلامية وكل دول العالم تدرك ان الولايات المتحدة تستطيع ان تضغط على القيادة اليهودية للجلوس الى طاولة المفاوضات. الفلسطينيون رغم اعداد شهدائهم وجرحاهم والدمار الذي لحق بمساكنهم وممتلكاتهم ابدوا الاستعداد للاجتماع ولكن القيادة اليهودية جعلت من اللقاء مطلبا صعب المنال حتى يصبح اللقاء وكأنه هدف في حد ذاته أو حتى يملوا شروطهم. الولايات المتحدة لم تضغط الا في وقت متأخر وتم الاجتماع عندما أرادت ذلك. أوضح الفلسطينيون مطالبهم المشروعة وان لا تفاوض على أي شيء تم الاتفاق عليه. وتم الاتفاق على وقف اطلاق النار ولكن ما الذي أعقب ذلك الاجتماع؟ أعقبه اقتحام دير البلح بكل عنف وبكل قسوة مما يبرهن على العدوان المبيت له مع سبق الاصرار والترصد. في ذلك الاقتحام يوم الجمعة 11/7/1422ه استشهد عشرة فلسطينيين وجرح أكثر من مائة واغتيل أحد كوادر فتح في الخليل في ذلك اليوم أي مسمى لهذا العمل العدواني؟ قد يسمونه نزهة أو ترفيهاً أو استجماماً لأن مفهوم الارهاب لا يتسع له. ولكن لعله يتسع له بعد الأحداث الأخيرة.
لا يمكن اخفاء الحقائق حيث ان ما حدث للولايات المتحدة هو ارهاب وهو أمر مستنكر ومدان كما ان ما يحدث في فلسطين المحتلة ارهاب بكل ما تحويه من معنى وأدلته وبراهينه وشخوصه موجودة وواضحة يشهدها العالم كل يوم ومرتكبوها يصولون ويجولون ولا يحتاجون الى عناء للتعرف على مواقعهم.
لقد أوضح هذا الأمر للقيادة الأمريكية من قبل قيادة المملكة العربية السعودية واتصالات صاحب السمو الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني بالقيادة الامريكية وكذلك زيارة سمو وزير الخارجية سعود الفيصل كما ذكر ذلك صاحب السمو الملكي الامير نايف وزير الداخلية في مؤتمره الصحفي الذي انعقد يوم الاحد الموافق 13/7/1422ه. وأوضح لها كيف ان هناك ادراكاً وشعوراً بالتحيز الامريكي تجاه اليهود دون الفلسطينيين وان ذلك التحيز غير مقبول خاصة وان الولايات المتحدة اصبحت الراعية الوحيدة لعملية السلام.
هل سيتغير الوضع بعد الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة؟ هل ستدرك الولايات المتحدة ان النزاع في الشرق الاوسط يشكل وضعا غير مستقر لدوله بل للعالم بما فيها الولايات المتحدة؟ هل سيكون هناك جدية للحل في خضم جدية محاربة الارهاب؟
البراهين الحاضرة الغائبة فيما يخص العمليات الارهابية على الولايات المتحدة بعد أكثر من اسبوعين على وقوعها تحتاج الى وقفة حكيمة من كل الاطراف. الولايات المتحدة دعت الى تحالف ضد الارهاب وتمت تلبية الدعوة لهذا التحالف. الأصوات في أوروبا ودول العالم الاسلامي والعربي بدأت تسأل عن الأدلة والبراهين لكي يكون التحالف أقوى ولأن البعض وخاصة الحاقدين استغلوا الوضع ليربطوا بين الارهاب والاسلام.
نعم لقد مات أبرياء كثيرون في مركزي التجارة العالمية وربما البنتاجون ولكن هل لابد من قتل أبرياء في دولة او دول يعتقد او معروف ان بها ارهابيين؟ أليس من حق هذه الدول المختلفة التي دعيت للتحالف ضد الارهاب والمشاركة في الحرب ضد الارهاب ان تشارك في التعرف على الأدلة وتعرف الاهداف لهذه الحرب. يقول توني بلير رئيس وزراء بريطانيا انه اطلع على أدلة من قبل امريكا تدين الارهابيين في أفغانستان أليس من حق الآخرين الذين سيشاركون ان يعرفوا بهذه الأدلة؟ أليس من الممكن عرض هذه الأدلة في الأمم المتحدة والتروي في الأمر حتى تكون النتائج أفضل في مكافحة الارهاب؟ لماذا لم تلق الدعوات المتكررة بعقد مؤتمر دولي من اجل بحث قضايا الارهاب والسبل الأسلم لمكافحته؟
ان الدول العربية والاسلامية مطالبة بالتحرك والتحرك السريع من اجل تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الاسلام التي بدأ البعض يثيرها ويتهم الاسلام زورا وبهتانا بالتخلف والعيش في القرون الوسطى. لان الوضع اصبح خطيرا وخاصة عندما يظهر مسؤول قيادي مثل رئيس وزراء ايطاليا ويتهجم على الاسلام على مرأى ومسمع من ممثلي وسائل الاعلام في انحاء عديدة من العالم. ان العرب والمسلمين احوج ما يكونون لموقف حازم في هذا الوقت من كل هذه التوجهات حتى لا يتحول الامر الى صدام بين الحضارتين الاسلامية والغربية لأن هذا يعني حربا كونية. العرب والمسلمون مطالبون بتوحيد المواقف تجاه قضية التعاون في الحرب ضد الارهاب ولكن لا تكفي الموافقة على التعاون الدولي في المكافحة بل لابد من معرفة الأدوار التي ستلعبها والانعكاسات الناتجة عن هذه الادوار والاهداف التي لابد ان تكون واضحة من هذه الحملة والى اي مدى ستسير والى اي حد ستصل. وفوق هذا وذاك التأكد من تحديد مفهوم الارهاب وماذا يشمل لكي يكون الامر واضحا ليس فقط للقيادات وانما ايضا للشعوب. لا يجب ان يكون مفهوم الارهاب مطاطا في خضم الرغبة في الانتقام ليشمل من يكافح من اجل حريته وتحرير ارضه. كما لا يجب ان يضيق مفهوم الارهاب ليتجنب شارون وطغمته الحاكمة لأن ذلك ستنظر له الشعوب العربية والاسلامية بأنه تحيز وظلم وعدوان وبعيد عن العدل.
لابد ان يدرك العرب والمسلمون موقع القضية الفلسطينية من الاهتمام الامريكي وتوضيح ذلك جليا لها بأنه لا استقرار ما لم تحل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشاملا لقد اجتمعت قيادة حلف الأطلسي والمفوضية الاوروبية فلماذا لا يجتمع قادة العالم الاسلامي والعربي لبحث هذا الموضوع الخطير. فاذا لم تجتمعوا في هذا الوقت وفي هذا الظرف العصيب فمتى عساهم ان يجتمعوا؟!.
ليس هناك اختلاف على مبدأ التحالف ولكن الا يمكن ان يكون هناك اختلاف في كيفية المعالجة؟ الا يمكن ان يكون مثل هذا المؤتمر العربي الاسلامي انطلاقة لحملة اعلامية تصحيحية لموقف الاسلام ومنهج الاسلام فيما يتعلق بالارهاب؟ ألا ندرك بأن صورة الاسلام والمسلمين اهتزت لدى الغرب والشرق؟ لقد أذكى اليهود من خلال سيطرتهم على الاعلام الحقد والكراهية وتشويه صورة المسلمين. ان القصور ليس في الاسلام ذاته ولكن يبدو ان معتنقيه قصروا في اظهار صورته الحقيقية. ألسنا في حاجة الى ارسال وفود وعلماء ومفكرين لزيارة الجامعات والبرلمانات في دول العالم لتوضيح صورة الاسلام؟ ألم نفعل مثل ذلك لتوضيح خطر العدوان العراقي على الكويت عندما تم العدوان عليه؟ هل نترك قادة الغرب ينفون الربط بين الاسلام والارهاب تارة ويتراجعون عن ذلك تارة حسب المواقف والمصالح؟!.
zahi2000@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved