أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 6th October,2001 العدد:10600الطبعةالاولـي السبت 19 ,رجب 1422

محليــات

لما هو آت
العربية.. العربية )3(
خيرية إبراهيم السقاف
اللُّغة بلا شك هي السَّقف الأعلى للثَّقافة، وهي الرَّاية التي تتوجَّه عنها، بل بها إلى الرقي، كما أنَّ اللُّغة هي الأداة المتفاعلة في تطور الثَّقافة المكوِّنة لهذا التَّفاعل، والبالغة بها المستوى الذي يمثِّل الفرد، والجماعة، والمجتمعات، فعند الإشارة إلى تطور الفرد، أو المجتمع، فإنَّ القرينة لهذا التَّطور هي اللُّغة..،
وهناك علاقة تبادلية بين الثَّقافة واللُّغة من حيث التَّأثر والتَّأثير، كانا في الجانب الإيجابي أو السالب، بالإضافة إلى أنَّ كلاً منهما على حدة معرَّضٌ لاحتمالية المتاهة في الصراع مع الغريب الوافد من الثقافات في اللُّغات الأخرى، باللُّغة ذاتها التي تخص قومية اللُّغة..
ولأنَّ الحديث في هذا الأمر لا تتسع له مقالات في صحيفة سيَّارة، فيمكن الإشارة المركزة إلى أنَّ صراع اللُّغة مع اللُّغة يتمُّ وفقا لبعض المرئيات العلمية على مراحل ثلاث: الأولى منها، انهيال مفردات اللُّغة القوية على اللُّغة الضعيفة بكثافة من شأنها أن تنقلها إلى المرحلة الثانية وهي الانهزام الذي تواجهه الثَّانية أمام الأولى، بغض النَّظر عن حقيقة كون هذه اللُّغة هي ذات السيادة في موطنها وعلى ألسنة أبنائها، وهذا الأمر يبدو جلياً في واقع اللُّغة العربية الراهن، ولعل هذا يتمثَّل وبقوة في المرحلة الراهنة بعد الأحداث العالمية التي ارتبطت بحادثة أمريكا في 11/9/2001م، إذ طغت اللُّغة الانجليزية إعلاميا على اللُّغة العربية بكلِّ فصاحتها، وعاميَّاتها، ممّا وظَّف «اللُّغة» توظيفاً مؤثراً في المستمع والمشاهد على اختلاف ثقافته، ومعرفته، وخبراته، بل حتى لغة الكتابة والتحليل المرافق للأحداث قد أدَّت الدور الموجَّه إليه، والموجهة له اللُّغة في الأغراض ذاتها.
وهذا الأمر بدا واضحاً وملموساً لدى كلّ من يتقن اللُّغة الانجليزية ويجيد مفاهيم لهجاتها وألفاظها.
واللُّغة حين تنزوي ضعيفة أمام هجوم ضاغط من لغة أخرى تتقهقر، ولا ينقذها من ذلك لا الموقع الذي هي فيه، ولا الأفراد الذين يتعاملون معها، وتبدو في محصلتها النهائية منهزمة وكأنها في مسرح صراع بقاء إحدى اللُّغتين يترتَّب عليه انتفاء الأخرى موتاً على أيَّة حال يكون عليه الموت وتلك هي المرحلة الثالثة.
ومع اعتقادي في أنَّ ظاهرة ضعف اللُّغة العربية على وجه التخصيص ليست سوى جزء من الظواهر المتواترة عبر «المسار الأحادي» للتأثير الحضاري المنطلق من الغرب إلى الشرق، الذي له من الأسباب ما يمتزج فيه المؤثِّر الخاص بواقع العربي مع لغته، الأمر الذي أثَّر فيها وقلَّص من قدرة خصائصها دون الثراء والانتشار، والمؤثر الخاص بكلّ ما جاءها من خارج بيئتها وأهلها بحكم الترابط، والتّواصل، والتَّقارب الإنساني العالمي. غير أنَّ من الإنصاف القول إن كلَّ لغة حيَّة قدرُها التَّأثر، ومصيرها التَّأثير عند التفاعل مع اللُّغات الأخرى، والدليل على ذلك أنَّ اللُّغة العربية ذاتها قد ترَعت من الحضارات الفارسية واليونانية والهندية، مع أنها خرجت سليمة، وافرة الصحة، ريَّانة العافية، أكثر صلابة، وأصلب عوداً، مما يدعو إلى التساؤل عن العامل الفارق بين ضروب التفاعل آنذاك، وطرائق التفاعل في وقتنا الحاضر، الذي نجد فيه هذه اللُّغة الشامخة تتراجع مع كامل الجهود التي تتبدَّد تبدُّدِ القطرة في البحر الكبير.
إنَّ الفارق يتمثَّل في الثقة التي دفعت بغيرها إلى أن تقتحم سياجات وأسوار الحضارات الأخرى، غير وجلة من أية تأثيرات عكسية، على النقيض من اللُّغة العربية في عصرنا هذا، حيث تعاني من «العقوق» بسبب «العزلة» الجبرية التي ضُربت عليها من قِبل أبنائها، في واقعهم الخاص، وفي تفاعلهم العام، وفي ممارساتهم الرسمية والشخصية على النطاق الأوسع والأكثر حاجة إلى الحميمية معها، لذا فقد فقدت التفاعل الحضاري الضروري الذي من شروطه: القوة والقدرة على الصمود في ميادين «الاحتكاك» والصراع اللُّغوي مع سواها من اللُّغات والثقافات.
فالعرب أصحابها بين خندقين: إما الاندفاع بالارتماء في أحضان الوافد الثقافي الأجنبي، وإما دفاع التقهقر الانفعالي، الذي لا يفتأ يمنح الغريب الأجنبي إشارة المرور ليحفر في جوهر الثَّقافه واللُّغة من الثغرات الداخلية، ما يفوق قدرات أهلها في الداخل على مواجهة هذا الغريب.
«يتبع»

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved