أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 12th October,2001 العدد:10606الطبعةالاولـي الجمعة 25 ,رجب 1422

شرفات

الفن التشكيلي السعودي في دعم الانتفاضة
الفنانة المغربية الدكتورة خديجة طنانة:
لا اسـتسـيـغ فكـرة الفــن للفــن
السعودية ومصر وسوريا والمغرب في معرض تشكيلي لدعم الانتفاضة
د. خديجة طنانة بدأت رحلة البحث عن الذات متأخرة.. فسنوات العمر الذهبية قضتها كأستاذ للعلوم السياسية بكلية الحقوق في فاس.. وما يتبقى من وقت كانت تقضيه في العمل السياسي العام ولعبة الانتخابات حتى وصلت الى نائب عمدة فاس.. وأخيرا قررت ان تخرج من حلبة السياسة وتفاصيل العمل الأكاديمي، بحثا عن هواية غامضة ظلت تراودها طويلا.. هواية الخطوط والألوان ورسم حكايات مهمشة عن المستضعفين في الأرض:
اختيار الفن
* لماذا تأخرت في اقامة معرضك التشكيلي الأول؟!
- رغم أنني ولدت باهتمام فني لكن هذا الاهتمام لم يتحقق بالفعل على أرض الواقع. ربما لأنني أعيش في مجتمع لم يكن آنذاك يألف الفنون الحديثة كالسينما والفن التشكيلي، كذلك جعلتني ظروفي العائلية أكثر تركيزا على التحصيل والدراسة، وعندما اشتغلت بالتدريس الجامعي كان لدي شعور بأن التوازن صعب. وظلت هواية الفن التشكيلي حبيسة في داخلي حتى سافرت الى باريس في أواخر السبعينيات وكان اللقاء الحميم مع الفن التشكيلي وأساتذته ومشاهدة المتاحف. كانت فترة تخزين ثرية بالنسبة لي، وأيقظت بداخلي هواية الرسم، لكن حينما عدت بعدها الى المغرب انخرطت في العمل السياسي العام، وابتعدت عن الفن، وفي عام 1993 قررت ان استجيب لميولي الذاتية خاصة وان الظروف تغيرت ولم تعد ملائمة بالنسبة لي لمواصلة العمل السياسي سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، ثمة تغيرات على مستوى الفكر والسلوك تجعل المرء يفضل ان يقف على مسافة أو يبحث عن طريق آخر.
* وهل كان الفن التشكيلي اختيارا واعيا؟
- ليس هناك اختيار.. في فترة ما وجدت عندي رغبة للتعبير عن كل ما بداخلي عبر اللوحة. لا استطيع ان أقول انني اخترت وانما عشت رغبات متعددة في التمثيل، في السينما، في الفن التشكيلي.. الى ان جاءت اللحظة وطغت رغبتي الخفية على السطح ولا أدري لماذا!!.
خبرة متأخرة
* البداية المتأخرة نوعا ما.. هل احتاجت الى تكريس وقت للدراسة الأكاديمية أم اكتفيت بخبرة الممارسة؟
- درست لمدة عام بمدرسة الفنون الجميلة كملاحظة، أي غير مسجلة رسميا فكنت أتعلم بعض التقنيات مثل تهيئة اللوحة أو رسم خطوط الجسم الانساني.. وكنت اتمرن لعدة ساعات يوميا.. هواية وتجارب وعمل دائب هذا كل ما في الأمر.هناك جانب تقني وهناك جانب فطري يعتمد على الموهبة.. الجانب التقني قد يضر أحيانا، فالمغالاة الأكاديمية قد تجعل توجه الفنان كلاسيكيا تقليديا بما يقتل التعبير العفوي الحر، كما انه قد يصعب التخلص من تأثير الأساتذة الأكاديميين. في حين ان الانسان الناضج يسهل ان يتخلص من هذا التأثير الضار وان يكون متحررا من هذا العائق. لا يعني هذا أنني ضد الأكاديمية ولكني ضد جمودها، واعتبر نفسي بالمعنى العام ما زلت أبحث وأجرب، وما زلت في دراسة وتمارين لا تنتهي.
* الملاحظ من خلال معارضك العديدة عبر عشر سنوات تقريبا الحرص على تناول قضية عامة، سواء على المستوى المحلي أو العربي.. لماذا؟!.
- ربما يرجع هذا الى الازدواجية في شخصيتي.. فمنذ الصغر وأنا اهتم بالقضايا العامة، ووالدي كان من مؤسسي الحركة الوطنية في تطوان، ومن هنا وجدت نفسي في الشوارع وفي المظاهرات ضد الاستعمار الاسباني، ثم في شوارع الرباط في فترة التمرد أيام الدراسة الثانوية. فجاءت أعمالي التشكيلية منذ البداية تعكس التمرد الأول وتكشف عن الظلم الموجه إلى المرأة والعلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة بما فيها من حب أو توتر أو حركة.
الشباب والانتفاضة
* وهل كان هذا هو الدافع في معرضك الأخير لرسم صورة حية للشباب الضائع وأحلام الهجرة إلى أوروبا؟
ـ دائما لدي شعور بأنه يجب أن أفعل شيئا ما للقضاء على الظلم.
وقد رأيت حالة ظلم وتوتر في وجوه الشباب الضائع الذي يذهب الى الضفة الأخرى، ليس فقط للبحث عن عمل ولكن للبحث عن أسلوب حياة لا يجده في وطنه.
هذه القضية شغلتني كثيرا، لأنني بالمثل كنت أبحث عن نمط حياة مختلف وأحلم بأن نصبح أحرارا في اختياراتنا بدلا من القواعد التي تفرض علينا قسرا. قضية هجرة الشباب وموتهم في قاع المحيط بالمئات.. مفزعة.. شباب وفتيات حوامل.. وأحلام البحث عن حلول أخرى في أوروبا.. كل هذا لا أستطيع أن أظل صامتة وغير مبالية إزاءه.. ونفس الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية التي تمس جزءا من تاريخنا القومي والشخصي أيضا، حين كنا شبابا نحلم بالحياة الأفضل لنا كعرب في فترة المد القومي إبان التسينيات.
* هذا ينقلنا للحديث عن فكرة إقامة معرض جماعي يشارك فيه فنانون عرب لدعم الانتفاضة في عامها الأول.. كيف تبلورت هذه الفكرة؟
ـ كانت الفكرة في البداية أن نقيم معرضا جماعيا بغزة وتكون المساهمة الأكبر فيه لفنانين من فلسطين برعاية الهلال الأحمر الفلسطيني، وبعدها يقام المعرض مرة أخرى بالقاهرة. لكن ظروف الاحتلال حالت دون ذلك، فقررنا الاكتفاء بمعرض القاهرة، وبدأنا بدعوة عدد من الفنانين العرب للمشاركة بأعمالهم والتبرع بقيمة أعمالهم لصالح الانتفاضة وكانت الاستجابة رائعة كأن الكل كان ينتظر هذه المبادرة للتعبير عن التضامن الكامل مع الانتفاضة. وبالفعل سوف يشارك حوالي 27 فنانا تشكيليا يمثلون 16 دولة عربية من مصر وسوريا والمغرب العربي ولبنان والأردن والبحرين وقطر والسعودية وعمان والسودان والإمارات.
* ولماذا لم تكن هناك دعوة أكبر؟
ـ لقد جاء الاستعداد لهذا المعرض في وقت ضيق نسبيا وخاصة أن حجز القاعة يحتاج الى موعد مسبق ولأن هذا لم يكن مطروحا من قبل فقد بذلت وزارة الثقافة المصرية جهدا طيبا ووفرت لنا القاعة الرئيسية بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي، وهي قاعة رائعة لكنها لا تكفي لعدد أكبر.
معرض دولي
* ألا يمكن طرح مثل هذه الفكرة على جامعة الدول العربية لتعميمها؟!
ـ بالفعل كان هناك تفكير في أن تتبنى جامعة الدول العربية هذا المعرض المشترك وتنظمه بالتناوب في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية إن أمكن.
وهذه الفكرة خاطبنا بشأنها بعض المسؤولين بالجامعة بشكل غير رسمي ووجدنا الاستجابة المطلوبة، لكنها تحتاج إلى دراسة مدققة قبل طرحها للتنفيذ كمشروع تتبناه جامعة الدول العربية.
* لكن هذا الاهتمام بالقضايا العامة ألا يتعارض مع ما يقال عن الفن للفن وما بعد الحداثة.. إلى آخر هذه المصطلحات؟!
ـ لا أستسيغ فكرة الفن من أجل الفن وفي نفس الوقت لست من دعاة ربط الفن بالسياسة بشكل مباشر، فالمهم ـ في رأي ـ أن يرتبط الفنان بالقضايا الاجتماعية والهموم الإنسانية في وطنه وأن يساهم فيها قدر المستطاع.
وهذا أمر يختلف عن الخطاب المباشر والدعائي، لأن الفن له شروطه الجمالية الخاصة التي لا يمكن التفريط فيها. فإذا كان الفنان جدلا خاليا من الإحساس بمجتمعه فمن حقه أن يعبر عن هذا، وبالمقابل هناك فنان آخر لا يستطيع الانفصال عن قضايا وطنه. ولهذا أعتقد أن التجريد ليس محايدا كما يتصور البعض، فما يحمله الفنان يمنحه في لوحاته.
في كل الأحوال لا أستطيع أن أطالب الفنان أن يكون مرسلا لرسالة ما ويكفي أن يعبر عن نفسه بصدق وقوة. ونحن عندما اقترحنا إقامة معرض تشكيلي لدعم الانتفاضة لم نشترط أن تكون الأعمال تتناول الانتفاضة بشكل مباشر أوحتى غير مباشر وإنما الشرط الوحيد أن يجد الفنان في نفسه الحماس للمشاركة والتبرع بقيمة لوحاته.
هاجس التغريب
* البعض يتهم عددا من الفنانين التشكيليين بأنهم لا يعبرون عن الذوق العربي ويبالغون في التغريب والغموض؟
ـ أعتقد أن مسألة التغريب أو تقليد الغرب يجب النظر إليها بشكل مختلف. فالفنان خارج جميع المناطق والحدود، يمكنه أن يتأثر بالغرب أو الشرق، بالفن الهندي أو الصيني أو الروماني، وكبار فناني الغرب أنفسهم تأثروا بالفن في العالم الثالث، فمثلا بيكاسو تأثر بالفن الأفريقي وغيره من الفنانين تأثر بالفن الآسيوي لذلك لا يجب أن نكون منغلقين ونكتفي بما لدينا على المستوى المحلي.
* وهل ارتباطك بالهموم والقضايا القومية كان له أثر على اختيارك لألوان معينة كالأسود.. أو انتمائك لمدرسة فنية معينة كالمدرسة التعبيرية؟
ـ بالفعل، أجد نفسي تلقائيا داخل المدرسة التعبيرية الحديثة لأنها من أكثر المدارس الفنية ارتباطا بهموم المجتمع، أما بالنسبة للألوان فهناك ميل إلى درجات البني وكذلك الأسود، لكن لا بأس من بعض الألوان الأخرى التي تخفف من المأساوية. ولكن هذا لا يعني أن هناك فكرا متبعا أشتغل به.. فالألوان تخرج كما هي وكما أحسها في اللحظة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved