أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 12th October,2001 العدد:10606الطبعةالاولـي الجمعة 25 ,رجب 1422

شرفات

من المخلفات والمبيدات والمحارق
أخرج العلم ماردا رهيبا اسمه الديوكسينات!!
على الرغم مما أحدثته النهضة الصناعية من تغييرات إيجابية على سطح كوكبنا إلا أنها ساهمت بشكل خطير في تغيير بيئته الطبيعية بما لا ينفع بل وقد يضر بصحة الإنسان ويدخل في هذا النطاق عدد كبير من المركبات الكيميائية التي لم تكن موجودة في بيئة الأرض الطبيعية وإنما استحدثت بشكل غير مقصود كنتيجة ثانوية لتفاعلات أراد بها الإنسا نفعا في مجال أو آخر.
ومن بين هذه المركبات ما هو سم ناقع لا يعلن عن نفسه إلا بعد فوات الأوان فالكثير من هذه المواد لا لون لها ولا رائحة وتستعصي على التحلل بواسطة الميكروبات ولهذا فهي تمكث لفترات طويلة في التربة أو الماء.
وبهذا يكون الإنسان قد أخرج من القمقم ماردا رهيبا لا يستطيع له حولا ولا طولا. ولمثل هذه المركبات تنتمي مجموعة ضخمة من المواد تعرف إجمالا بالديوكسينات تنشأ هذه الديوكسينات أثناء النشاطات التكنولوجية وأثناء حرق المخلفات المدنية أو الصناعية. وبالنظر الى مخلفات المدنية الحديثة نجد أنها ذات تراكيب كيميائية معقدة وخصوصا مخلفات المستشفيات وبسبب ما تحتويه هذه المخلفات من عنصر الكلور فإنها عند الاحتراق ينتج عنها مركبات عضوية مكلورة عالية السمية البيئية. والديوكسينات المكلورة أحد هذه المركبات العضوية والتي تتميز بظهور أعراض سميتها عند تركيزات غاية في الصغر. وتعتبر مسألة حرق المخلفات من أهم المشاكل التي تواجه الدول حتى المتقدمة منها.
ومع ارتقاء علم السموم البيئية يتزايد الوعي البيئي بخطورة الديوكسينات على صحة البشر والبيئة الطبيعية. وقد شجعت الكوارث البيئية التي نشأت عن تحرر الديوكسينات على زيادة الأبحاث العلمية نحو تحسين الأداء أثناء تشغيل محارق المخلفات.
على أن هناك مصادر أخرى للديوكسينات والتي يجب تحاشي أضرارها مثل مبيدات الآفات وصناعة الورق حيث يستخدم الكلور في تبييض السليولوز وكذلك احتراق الزيوت المعدنية في آلات الاحتراق الداخلي للسيارات وغيرها ذلك أن نشوء الديوكسينات يتأتى من حرق مادة عضوية مع مصدر مناسب للكلور في جول خال من الأكسجين. تنتشر هذه المركبات في البيئة مع الأدخنة المتصاعدة حيث تلوث كل عناصر البيئة من تربة وماء وهواء ومن عيوب هذه الديوكسينات كونها مركبات شديدة الثبات وتقاوم فعل التحول بواسطة الميكروبات لعدد من السنوات تصل الى عشر سنوات وهي لهذا تتراكم في السلسلة الغذائية حتى تصل الى الإنسان ولما كانت الديوكسينات تذوب في الدهون فإنها تتراكم في الأنسجة الدهنية والكبد.
وإن كان العلم لم يتوصل بعد الى كشف الطريقة التي تؤثر بها الديوكسينات على الإنسان إلا أنه أصبح من المؤكد سميتها ويعتقد أن عملية نسخ الجينات هي الأكثر تأثرا بهذه المركبات. فعند اتحادها مع بعض البروتينات المرتبطة بالحامض النووي ينتج عدد من الجينات التي تعتبر سببا في السمية.
من أكثر أعراض التسمم بالديوكسينات هو نقص الوزن الملحوظ سواء في الجهاز العضلي أو الأنسجة الدهنية ويعتقد أن هذا يحدث لنقص امتصاص الجلوكوز في الأمعاء، أما الكبد فإنه يتضخم حيث يزيد حجم وعدد الخلايا الكبدية وتتراكم الدهون في أنسجته. تتسبب الديوكسينات أيضا في ضمور الأنسجة الليمفاوية مثل الطحال والعقد الليمفاوية مما يؤدي الى نقص المناعة وبالتالي الى زيادة العرضه للإصابة بالأمراض المعدية وللديوكسينات تأثيرات مطفرة على الأجنة الأمر الذي تبين من التجارب التي أجريت على الفئران فقد توقف نمو معظم الأجنة مما أدى الى موتها أما التي تمت ولادتها فإنها عند النضج قد أصبحت عقيمة لقلة الحيوانات المنوية بسبب ضمور الخصية والأنسجة المنوية . وبالمثل فإن الخصوبة عند الإنسان فهذه المركبات تقلل إفراز الهرمونات الذكرية نظرا لأن الديوكسينات لها خواص هرمونية ويمكن ان تؤدي الى تغييرات فسيولوجية أثناء تكوين الأنسجـــــة والأعضاء مما يؤدي الى اضطرابات غير راجعة في عمل أعضاء الذكورة والأنوثة. وبتقـــــدم العمر تكثر الاصابة بسرطان الثدي عند السيدات وسرطان البروستاتا والخصية عند الرجال.
يقول تقرير الوكالة الأمريكية لحماية البيئة لعام 1998م بأن مكمن الخطورة في تناول أغذية ملوثة بهذه المركبات كذلك وقد أقرت منظمة الصحة العالمية في عام 1998م أيضا الجرة المسموح بها من الديوكسينات في المواد الغذائية في حدود 1 ـ 4 بيكو جرام (جزء من ألف بليون من الجرام) لكل كيلو جرام من المواد الغذائية.
وبهذا فكلما زادت معرفتنا بالديوكسينات كلما أحطنا علما بحجم المسألة وكونها مركبة وبخطورة التلوث البيئي الناشئ عن جرق القمامة وخصوصا مخلفات المستشفيات. إن تقليل تركيز الديوكسينات في البيئة سوف يؤدي الى تحسين صحة الإنسان ولياقته البدنية ولهذا تعلو الآن في الغرب نداءات لتغيير طريقة الحرق للتخلص من النفايات واستبعاد الكلور كمادة خام في صناعات مثل البلاستيك والورق والمذيبات العضوية. وقد بدأت بالفعل بعض الدول المتقدمة صناعيا في استخدام طرق نظيفة للتخلص من النفايات.
د. أحمد الشاهد

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved