أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 18th October,2001 العدد:10612الطبعةالاولـي الخميس 2 ,شعبان 1422

مقـالات

آثار الموهبة العلمية والنقد بين السَّطو والتَّرجمة
صالح بن سعد اللحيدان
ليس كل الناس سواء في القدرات إنهم يختلفون فيها ويزداد الاختلاف اتساعاً كلما كان الناس أكثر ما لم يتم الانتقاء بدرس متأن طويل ثقيل ولعل بسعتي حسب جهدي وتجربتي القليلة أن أُبين بعض أسباب التميز العام لدى بعض الناس صارفاً النظر عمن خدمه: المال، أو الجاه، أو الذكاء المعيشي، أو اقتناص الفرص، ذلك أن التميز بحد ذاته غامض جدا إذ ان صاحبه يميل إلى: العزلة، وقلة الكلام وقوة الإنتاج مع الإضافة فيه بما لم يكن من قبل وهذه نقطة قد يغفل عنها: الباحثون لأنها فقيرة مقلقة حساسة فقد يخلطون أو أن جزءاً منهم قد يخلط بين: الجاه، والجرأة وحسن التواصل وسرية الحفاظ على الوجاهة، وبين صفات التميز التي يميل صاحبها إلى الحساسية والإنزواء والجفوة وبساطة العيش وعدم الاهتمام بالمظهر. هذا لأن كثيرا من الخلق بل إن كثيرا من الدارسين قد يُعيرون المظهر واللباقة وجمال المسكن والمركب والصحة أكثر مما يعيرون المعاني هذا إذا لم تحكم عين الرضاء فإنَّ عين الرضا عن كل عيب كليلة.
وبمقدوري كما كان بمقدور ابن الجوزي وابن قيم الجوزية وابن مسكويه والآجري وابن أبي الدنيا في زمانهم بمقدوري جداً أن أدون حقيقة حية في نفسها غنية كل الغنى في معناها أن الخلط بين: (الموهبة) وسواها من الذكاء الحاد والواسطة ونحوهما يشكل قلقاً في تجديد آثار النص والإبداع في طرح العلوم والآداب والنقد.
لقد كنت بينت في كتابين لي (النقد العلمي) و (كتب تراجم الرجال) أشياء قد ينحو القارئ على نفسه باللائمة الدائمة إذ لم يُدرك الفرق بين القدرات بين هذا وذاك.
ولهذا تجد: التعلم والأستاذية والمركزية تطغى على حقيقة التجديد وكلما ما تراه غالبه إنما هو مترجم أو مسروق خاصة في مجال (النقد الثقافي) و (الحداثة) و (اللغة كعنصر عام لا فرق فيه بين الرجل والمرأة) والعلة في هذا عدم تحرر العقل من التقليد أو إن شئت فقل: الإعجاب على غرار دائم مستديم.
وكذا الحال في مجال علوم الشريعة فلقد خصصت (قناة عربية) نفسها ببث زعزعة الأمن أدباً وفكراً وسلوكاً وأغلب الظن أن هذه القناة مثيرة لذات السبب ناهيك بحرصهم فيها (هداهم الله) على جلب الخلاف بين علماء الأمة بعشور ليست إلا رجع صَدَى.
تلك القناة وهناك مجلات جنسية وصحف أخرى مثلها تولد حزازات كريهة في ميزان العقل السليم، إنها إثارة وزعزعة وتخبط وغمز ولمز وحسد من هنا كيف يكون التجديد بل كيف يكون: الإبداع إذا رضي بعض طلاب العلم أن يكونوا أداة للخلاف لذاته عن طريق قناة مغرضة، لقد بررت كثيرا عدم مشاركتي في كثير من القنوات مع الإغراء العريض الدائم بأني أريد حرية النقاش لا التلقين أو التعريض أو الإيحاء.
إنني فيما قابلت من قابلت وجدت سيلا من (التعظيم والتبجيل) لكني لم أرفض بل تركت الباب مفتوحاً حتى أكون حرا تجاه ما أقول ويلقى عليَّ، وكنت أؤكد مراراً على أن لا يكون شيء على حساب ديني وبلدي.
من هذا وهذا وثالث ورابع لن يظهر إلا التعالي لكن لا يصح إلا الصحيح وإن طال الأمد ورحم الله تعالى بشر الحافي والفضيل بن عياض وقبلهما أبو مسلم الخولاني وأويس القرني وسابقهم أبو ذر وأبو الدرداء على ناهض يدوم أبد الآباد.
من هذا فقط أترجم لفذ جدَّدَ ونهض وأنهض وحيا وأحيا وروى وأروى وقدد وسدد ولم يُبدد أو يردد أو يهدد أو يعربد.
هو معلوم أمره بضرورة الحاجة إليه لأنه لا يوجد علم أو طالب علم أو باحث أو دارس إلا ولكتبه اقتناء أو معرفة بأوفر نصيب هو خالد لأنه أضاف وهو خالد لأنه متميز وهو خالد لأنه بسيط حساس لكنه خالد لأنه جعل الله وليه، فهل يبور مثله..؟ هل مثله يبور..؟ كلا، ويعثر كل حاسد من قريب أو بعيد في سيل السنين ألماً وضاربات الرجم على وجم لا يقوم.
جاء في كتاب: (إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة) للإمام ابن حجر العسقلاني (773 852 ه) ج1 طبعة متناهية الجودة حققه د. زهير الناصر جاء في ص 19/23 ترجمة حية تتبين فيها النبوغ وحدة الموهبة لا الذكاء تتبين فيها سبيل الإضافات العلمية المركزة لكن الطاردة للتقليد والغثاثة والجمع ومجرد الوعظ.
جاء هناك: (هو الإمام العلامة الحافظ فريد وقته علم الأئمة والإعلام عمدة المحققين خاتم المبرزين والقضاة المشهورين أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد الكناني العسقلاني ويعرف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه.
ولد في مصر في الثالث والعشرين من شعبان سنة ثلاث وسبعمائة ومات أبوه في رجب سنة سبع وسبعين وماتت أمه قبل ذلك وهو طفل فنشأ يتيما.
أُدخل الحافظ رحمه الله تعالى الكتاب بعد إكمال خمس سنين وكان لديه ذكاء عجيب وسرعة حافظة بحيث انه حفظ سورة في يوم واحد وكان يحفظ الصحيفة من مرتين، الأولى تصحيحاً والثانية قراءة في نفسه ثم يعرضها حفظا في الثالثة.
وهو إمام علامة حافظ محقق متين الديانة حسن الأخلاق، لطيف المحاضرة.
حياته العلمية:
كان أول أمره رحمه الله تعالى ورضي عنه نظر في الأدب والتاريخ ففاق في فنونهما، وقال الشعر الحسن وطارح الأدباء وكان قد حفظ قبل ذلك كثيرا من مختصرات العلوم وحفظ القرآن الكريم على مؤدبه صدر الدين محمد بن محمد بن عبدالرزاق السفطي (ت 808) وقرأ تجويد القرآن على الشهاب أحمد بن محمد بن علي الخيوطي (ت 807 ه ) ولما جاور بمكة عام خمس وثمانين وسبعمائة سمع (صحيح البخاري) على مسند الحجاز الشيخ عفيف الدين عبدالله بن محمد النشاوري (ت 790) وهو أول شيخ سمع عليه الحديث.
كذلك سمع (صحيح البخاري) من الصلاح أبي علي محمد بن محمد الزفتاوي (ت 794) بقراءة ولي الدين التزمنتي (ت 782) ثم في سنة ست وثمانين سمع (صحيح البخاري) بمصر على عبدالرحيم بن عبدالوهاب بن رزين (ت 791) ثم طلبه من جماعة من شيوخها والقادمين إليها من ذوي الإسناد العالي كابن أبي المجد (ت803) والبرهان الشامي (ت 800) والسويداوي (ت 804) وكذلك بحث: بمكة على القاضي جمال الدين أبي حامد محمد بن عبدالله بن ظهيرة المكي (ت 817) في كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبدالغني المقدسي (ت 600) وكان أول شيخ بحث عليه علم الحديث.
ورحل إلى دمشق سنة اثنتين وثمانمائة فأدرك بعض أصحاب القاسم بن عساكر (ت723) وأصحاب التقي سليمان بن حمزة ( ت715) وأشباههما وكانت مدة إقامته بدمشق مائة يوم ومسموعه في تلك المدة نحو ألف جزء حديثية منها:
«المعجم الأوسط للطبراني» (ت360) و (معرفة الصحابة لابن مندة (ت 395) وغيرهما.
وحج مرات وسمع بعدةٍ من البلاد كالحرمين والأسكندرية وبيت المقدس والخليل ونابلس والرملة وغزة وبلاد اليمن وغيرها على جمع من الشيوخ.
ومسموعاته ومشايخه كثيرة جدا لا توصف ولا تدخل تحت الحصر، واشتغل ودأب فحصل فنونا من العلم وبلغ الغاية فيها.
اجتمع بحافظ العصر زين الدين أبي الفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي (ت 806) وذلك في رمضان سنة ست وتسعين فلازمه عشرة أعوام وحبب إليه فن الحديث فانتفع به وهو أول من أذن له في إقرائه وبرع في الحديث وتقدم في جميع فنونه.
ولقي باليمن إمام اللغة والأدب مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي السيرازي (ت817) فتناول منه بعض تصنيفه المشهور (القاموس في اللغة) ولقي جمعا من فضلاء تلك البلاد وأخذ عنهم وانتفع بهم.
وقرأ بمصر على الصدر سليمان بن عبدالناصر الأبشيطي (ت811) شيئا من العلوم وأخذ العربية والفقه والحساب عن شمس الدين محمد بن علي بن القطان (ت813) ويعد القطان أول شيوخه في الفقه وتفقه على جماعة منهم شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني (ت805) وهو أول من أذن له بالافتاء والتدريس والشيخ سراج الدين بن الملقن (ت 804) والشيخ برهان الدين الأبناسي (ت 802).
وأخذ الأصول عن العز ابن جماعة (ت819) وجدَّ في العلوم فبلغ الغاية القصوى.
وكان رحمه الله تعالى مثالا للتواضع في حال طلبه العلم إلى انفراده وهو شاب يافع بين علماء زمانه بمعرفة فنون الحديث رواية ودراية، فألف التآليف المفيدة الشاهدة له بكل فضيلة الدالة على غزارة فوائده وكلها شاهدة له بالفضل والتقدم وغزارة المادة والتبحر، وصدق الفهم وحسن القصد ودرَّسَ التفسير والحديث والفقه والافتاء والخطابة وأملى ما يزيد على ألف مجلس من حفظه ) إلخ.
تربية حسنة/ شدة حرص عاقل حكيم/ أكل للحلال نزاهة/ وصدق ولاء/ سفر/ ونظر/ ومرر/ وسهر/ ونباهة/ وصدق طلب/ ومتابعة وملازمة كثيرة لثقات العلماء/ وحسن خلق/ وطول سمت/ وحفظ/ وفهم/ وكثرة عبادة وتبتل وتنبه إرادي/ وإلحاح في الدعاء/ وشعور بالمسؤولية أليس هذا كله الموهبة.. بلى.
لكن لا أعجل.. ولن أفعل فها هي آثاره التي خلفها مع كثرة مشائخه جداً ليس فيها تكرار أو حشو أو مجرد الوعظ والنصح، تجديد في الصرح بما لم يكن من قبل، اكتشاف حقيقة علم الطبقات، نباهة السؤدد بمحبة الخير للغير، نباهة الوعي لحال الأمة بما تحتاجه، نباهة الفكر الحر بتجديد شمولية العلم، نباهة العقل بتوليد الفرائد، نباهة الرأي بتوسعة باب العلم بين العلماء قاطبة، نباهة النظر بالحفظ والفهم، نباهة الخلق بالبساطة وحسن العشرة، نباهة النفس بتوسعة الرأي مع دليله.
موهبة ما في ذلك شك لكنها موهبة تمت بإذن الله تعالى بحفظه سبحانه له (احفظ الله يحفظك) ثم بتربية ومتابعة ومحافظة ولطافة خلقه وفطنة داهية.
قصر حاسدوه وابن بطروا وتضاءل الشامت المحتقر له وان توسع، وزلت قدم مبغضيه بدعوته في (ليال مظلمة) كفاحاً كفاحاً بينه وبين ربه «يا الله يا الله» وهل يخيب مقهور ينادي بعين مظلومة صامتة ضعيفة هل يرد من يلجأ إلى الله، فقه جيد وعلم جليل وسيادة الفزع إلى مالك الملك في حال موجبه لا يقدر على دفعها ضعفا وقلت حيلة.
ويحكم الله ويسير أمره « والله غالب على أمره» (غالب) لا معقب لحكمه.
لقد أجاد من ترجم له مابين مجمل الترجمة وباسط لها لكنها تبقى ترجمة حية مؤثرة ناهضة سارة مبقية محيية مجلبة للأثر بعد النظر وطاردة للخور بعد البور.
تراجم أمثال هؤلاء حياة تعمر وتدفع وتفيد، .
إجابات خاصة
الأخ محمد م.م.م قطر
لم يصح حديث «أكرموا عمتكم النخلة»
الأخ عبدالعزيز .ل.ط المدينة الجامعة الإسلامية
ها أنذا أفيدك بما يسعني تجاه ما تنشده عن أهمية (معرفة الثقات) راغبا إليك العودة إلى ما أذكره من كتب أثناء الاجابة، فأقول:
قد ذكر الإمام يحيى بن شرف الدين النووي في كتابه (التقريب) ص 368 حتى 369 ما فحواه من كلام جليل وقد ذيل عليه السيوطي /بالتدريب/ هي نفسها الصفحات قال: «معرفة الثقات والضعفاء، هو من أجل الأنواع فيه يعرف الصحيح والضعيف وفيه تصانيف كثيرة منها مفرد في الضعفاء ككتاب البخاري والنسائي والعقيلي وغيرها وفي الثقات كالثقات لابن حبان.
ومشترك كتاريخ البخاري وابن أبي حيثمة وما أغزر فوائده، وابن أبي حاتم وما أجله وجوَّز الجرح والتعديل صيانة للشريعة ويجب على المتكلم فيه التثبت.
قال ابن لحيدان وفي كتاب ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل) وخاصة المقدمة و (العلل) للدار قطني و(التمييز) لمسلم ابن الحجاج ومقدمة صحيح مسلم/ له كذلك، ومقدمة ابن الصلاح/ و هدي الساري/ لابن حجر وفتح الباري له أيضا، ومقدمة عمدة القاري/ للعيني في هذا الذي ذكرته غنى كبير للعلماء والباحثين وأهل الأدب والنقد والثقافة لتأصيل البحث والنقد وتحرير كل جديد مستجد من مسائل التاريخ والتراجم والسير والتحليل والتجديد لا سيما في مجال نقد التاريخ والسند والمتن ومجمل ثقافة أي أمة من الأمم. ولست أظن أحدا إلا وهو بحاجة إلى هذه الأسفار وما وقع من وقع وزل من زل إلا بسبب العجلة أو ابتداء الطرح فيما لا يمكن فيه إلا الرجوع إلى أصول التجديد والإبداع والاجتهاد مما ذكرته آنفا من أصول التأصيل والبيان والتعقيد.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved