أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 19th October,2001 العدد:10613الطبعةالاولـي الجمعة 3 ,شعبان 1422

مقـالات

ابن وضّاح... وكتابة البدع
د. محمد بن سعد الشويعر
حرص علماء الإسلام المهتمون بالعقيدة، على تتبع البدع التي أُحدِثت في الدين، ونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكتابة فيها توضيحاً وتحذيراً كالشاطبي في بلاد المغرب، وابن وضّاح في قرطبة، وابن تيمية في بلاد الشام. وغيرهم ممن اهتم بهذا الجانب، نصحاً للأمة، وحرصاً على جناب التوحيد.
ولا يزال علماء الإسلام في كل مكان، وفي كل عصر يهتمون بهذا الجانب وفتاواهم ونصائحهم تتتابع، وأقوالهم تنتشر بين العامة والخاصة.
وشهرا رجب وشعبان، قد غلا فيهما بعض الناس، وأحدثوا فيهما أموراً لم تعرف عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ولم يقل بها أحد من الصحابة، ولم يستحسنها أحد من علماء التابعين، لتصبح بعدهم من الأمور التي ليس عليها أمر الرسول الكريم، فيجب أن تردّ.
وفي مسيرتنا مع محمد بن وضّاح القرطبي في كتابه «البدع والنهي عنها»، سوف نمرّ بما يتيسر وفق ما يسمح الحيز المحدد لهذا الموضوع.
يقع هذا الكتاب الصغير في حجمه، الكبير في نفعه في 97 صفحة مع الفهرس، وقد حققه محمد أحمد دهمان، وعرّف به في الغلاف الخارجي قائلاً: هذا جزء لطيف فيما جاء في البدع للإمام محمد بن وضّاح بيَّن به هذه الأمراض الفتَّاكة، التي انشبت أظفارها في جسم الأمة الإسلامية، فأورثتها وهناً وضعفاً، واستأصلت الكثير من قوتها ومنعتها، جمع المؤلف في هذا الكتيب، ما جاءفي الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رُوي من الآثار والأخبار عن الصحابة والتابعين، الذين كانوا أحرص الناس على ألاَّ تفشو فيهم هذه المنكرات والموبقات، وتلك البدع والأهواء.
هذا الجزء من أشهر الكتب المصنَّفة في البدع، وربما كان أول تصنيف فيها، وقد نقلت عنه معظم الكتب المصنفة في البدع، كالباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة، والحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي والاعتصام للشاطبي.
وإذْ تقوم دار البصائر بطبع هذا الجزء مستفتحة به أعمالها ترجو من الله أن ينتفع به كما نفع أهل الأندلس بمؤلفه. ترجم للمذكور الذهبي في ميزان الاعتدال، وابن العماد في شذرات الذهب، وابن فرجون في الديباح الملاهب وغيرهم. ولد في الأندلس عام 299ه، وقيل سنة 200ه وتوفي في عام 286ه وقيل في حدود الثمانين والمائتين.
قال عنه الذهبي: محدّث الأندلس مع ابن مخلد، أخذ عن أصحاب مالك واللّيث، وروى علماً، وهو صدوق في نفسه، وقال ابن العماد: هو الإمام الحافظ الأندلسي، محدث قرطبة، رحل مرتين للمشرق وسمع من إسماعيل بن أبي أويس، وسعيد بن منصور والكبار، وكان فقيراً زاهداً، قانتاً لله بصيراً بعلل الحديث.
وأثنى عليه علماء الأندلس في علم الحديث والعقيدة، وبجلوسه للطلاب، حيث كان لطلابه رئاسة في الأندلس.
وقد اشتمل هذا الكتاب على مقدمة للمحقق، وترجمة للمؤلف، وبدأ المؤلف بالبدع والنهي عنها الذي جعله عنواناً لكتابه ثم باب ما يكون بدعة، وباب كل محدثة بدعة، وباب إحداث البدعة، وباب تغيّر البدع، وما جاء في اتباع الأذان، وما جاء في ليلة النصف من شعبان، وكراهية اجتماع الناس عشية عرفة، والنهي عن الجلوس مع أهل البدع، وخلطتهم والمشي معهم، ثم باب هل لصاحب البدعة توبة، وقصة صبيغ العراقي، ثم باب في نقض عرى الإسلام، ودفن الدين وإظهار البدع، ثم باب فيما يدال الناس بعضهم من بعض والبقاع وأخيراً خاتمة ولأنه من المحدثين المشهورين في الأندلس، فإننا نراه يكثر من الأحاديث في كل باب من أبواب كتابه لأن بالحديث تقوى الحجة، وتتمكن قاعدة الاحتجاج.
وعند ايراده لقصة صبيغ العراقي، إنما ليبين موقف عمر من أصحاب البدع، وقد أوردها بروايات منها هذه أخذها بالسند إلى الليث بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن نافع: أن صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن، في أجناد المسلمين، حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما أتاه الرسول بالكتاب، قال: أين الرجل؟ قال: في الرحل. قال عمر: أبصر أن يكون ذهب، فتصيبك مني العقوبة الموجعة فأتاه به فقال عمر: تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلى أرطاب من الجريد، فضربه بها، حتى ترك ظهره خبزة، ثم تركه، حتى برئ ثم عاد له، ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له، فقال له صبيغ إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميعاً، وإن كنت تريد تداويني فقد والله برئت. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى ألا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتدّ ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب أن قد حسنت هيئته، فكتب إليه عمر: أن يأذن للناس يجالسونه. (ص56).
وفي إحداث البدع: أورد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي افتتح به الباب وهو قوله: «من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» فقال عبدالرحمن بن عوف: يا رسول الله وما الإحداث فيها قال: «أن يقتل في غير حدّ، أو يسنّ سنة سوء لم تكن». رواه الطبراني في معجمه الكبير (ص35).
وفي باب تغيّر البدع أورد إنكار الإمام مالك على المؤذن بالمدينة: فقد ثوَّب في زمان مالك، فأرسل إليه مالك فجاءه، فقال له: ما هذا الذي تفعل؟ قال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقوموا. فقال له مالك: لا تفعل لا تحدث في بلدنا شيئاً لم يكن فيه، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البلد عشر سنين، وأبو بكر وعمر وعثمان، فلم يفعلو هذا، فلا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه، فكفّ المؤذن عن ذلك، وأقام زماناً ثم إنه تنحنح في المنارة، عند طلوع الفجر، فأرسل إليه مالك، فقال له: ما هذا الذي تفعل؟ قال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر، فقال: ألم أنهك ألا تحدث عندنا ما لم يكن. فقال: إنما نهيتني عن التثويب فقال له مالك: لا تفعل. فكفّ أيضاً زماناً. ثم جعل يضرب الأبواب، فأرسل إليه مالك، فقال له ما هذا الذي تفعل؟ فقال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر، فقال له مالك: لا تفعل لا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه.. قال ابن وضّاح: وكان مالك يكره التثويب، وإنما أحدث هذا بالعراق. قيل لابن وضّاح: من أول من أحدثه؟ قال: لا أدري. قيل له: فهل يعمل به في مكة أو بالمدينة أو بمصر أو غيرها من الأمصار؟ فقال: ما سمعته إلا عند بعض الكوفيين والإباضيين وكان بعضهم يثوّب عند المغرب، كان يؤذن إذا غابت الشمس، ثم يؤخر الصلاة، حتى تظهر النجوم، ثم يثوّب وبعضهم يؤذن إذا غابت الحمرة، ويؤخر الصلاة حتى يغيب البياض، ويصلي وبعضهم يوذن إذا زالت الشمس، ويؤخر الصلاة ثم يثوّب ويصلي، وكان وكيع يفعل ذلك عند صلاة العشاء (ص4041).
وعن تخوّف سلف الأمة من الأسباب المؤدّية إلى البدع، وسدّ منافذها قبل أن تتسع، أورد المؤلف عن نافع أن الناس كانوا يأتون الشجرة، فقطعها عمر بن الخطاب عني شجرة الحديبية قال ابن وضّاح: وكان مالك بن أنس وغيره من العلماء بالمدينة، يكرهون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس، فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضاً، ممن يقتدي به، وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس، فلم يعْدُ فعْل سفيان قال ابن وضاح فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس، كان منكراً عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة(ص43).
وأورد أن عمر كان يضرب الرجبيين، الذين يصومون رجب كله، ليأمرهم بالأكل والإفطار، وعلل ذلك ابن وضّاح بقوله: وإنما منعناه خوفاً أن يتخذوه سنة مثل رمضان (ص43).
وعن التوسعة ليلة عاشوراء، أورد عن سعيد بن حسّان قال: كنت أقرأ على ابن نافع كتبه، فلما مررت بحديث التوسعة ليلة عاشوراء، قال لي: حوّق عليه. قلت ولم ذلك يا أبا محمد؟ قال: خوفاً من أن يتخذ سنة، قال يحيى بن يحيى: لقد كنت بالمدينة أيام مالك وغيره، وبمصر أيام الليث وابن وهب وابن القاسم وأدركتني تلك الليلة معهم، فما سمعت لها ولا عند واحد منهم ذكراً، ولو ثبت عندهم لأجروا من ذكرها ما أجروا من سائر ما ثبت عندهم (ص45).
وعن بدعة ليلة النصف من شعبان قال ابن وضّاح: لم أدرك أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول، ولا يرى لها فضلاً على ما سواها من الليالي، وقال ابن زيد: والفقهاء لم يكونوا يصنعون ذلك.. ولما قيل لابن مليكة: إن زياد النميري يقول: إن ليلة النصف من شعبان، أجرها كأجر ليلة القدر.. قال: لو سمعته منه، وبيدي عصا لضربته بها، وكان زياد قاضياً (ص49).
وعن اجتماع الناس عشية عرفة: أورد عن أبي حفص المدني قال: اجتمع الناس يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعون بعد العصر، فخرج نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر، فقال: أيها الناس إن الذي أنتم عليه بدعة، وليست بسنة، إنا أدركنا الناس ولا يصنعون مثل هذا، ثم رجع فلم يجلس، ثم خرج الثانية، ففعل مثلها ثم رجع(ص49).
واسترسل في موضوع الفتن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وخاصة في آخر الزمان، وفتنة النفاق، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحيتي، وأنا أعرف الحزن في وجهه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. قتل: أجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فما ذاك؟ يا رسول الله.. قال: أتاني جبريل عليه السلام فقال: إن أمتك مفتنة بعد قليل من الدهر، غير كثير. قال: قلت: فتنة كفر أم فتنة ضلالة؟ قال: كل سيكون. قلت: من أين يأتيهم ذلك، وأنا تارك فيهم كتاب الله؟ قال: بكتاب الله يضلّون، وزاد من قبل قرائهم وأمرائهم قال ابن وضّاح: حذف جبير قوله: فتنة كفر أم فتنة ضلالة، إن فتنة الكفر هي الرّدة، يحلّ فيها السبي والأموال، وفتنة الضلالة، لا يحل فيها السبي ولا الأموال، وهذا الذي نحن فيه فتنة ضلال لا يحل فيها السبي ولا الأموال، وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر منافقي أمتي قرّاؤها» (ص8788).
ولعلماء السلف آراء في مجالسة أهل البدع، فالحسن البصري يقول: لا تجالس صاحب بدعة، فإنه يمرض قلبه. وسفيان الثوري قال: من جالس صاحب بدعة، لم يسلم من احدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به، فيدخله الله النار، وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموا، وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله، على دينه طرفة عين سلبه إياه.. وقال ناشر بن حنيفة الحنفي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى صاحب بدعة ليوقره، فقد أعان على هدم الإسلام، وجاء أيضا من طريق عروة عن أبيه.
وروى أيوب عن أبي قلابة قال: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغْمِسوكم في ضلالهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.. قال أيوب: وكان أبو قلابة والله من الفقهاء ذوي الألباب.
وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث رواه أبو هريرة: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
ومن هنا جاء اهتمام علماء السلف بالتحذير من مجالسة أهل البدع، أو مجادلتهم، قال إبراهيم: لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم، فإني أخاف أن ترتد قلوبكم.. (ص47 48).
بل ولا يأنسون بدخولهم عليهم، قال أيوب، كنت يوماً عند محمد بن سيرين إذا جاء عمرو بن عبيدة وكان مشهوراً بجدله ولديه بدع فدخل، فلما جلس وضع محمد بن سيرين يده على بطنه ثم أنّ، وقام فقلت لعمرو انطلق بنا، قال: فخرجنا فلما مضى عمرو رجعت، فقلت: يا أبا بكر قد فطنت إلى ما صنعت. قال: أو فطنت قلت: نعم. قال: أما إنه لم يظلني وإياه سقف بيت. وسلمان الفارسي لما كتب له أبو الدرداء يدعوه إلى المقدَّسة، أجابه: إن الأرض لا تقدس أحداً، إنما يقدس الإنسانَ عملهُ.
ولحرص السلف على النصح، وبذل ما فيه الخير، والتحذير من مسارب الشرّ، وأهمها البدع المحدثة في الدين تعنتا وعبادة وعقيدة، كان بعضهم يوضح لأخيه ما خفي عليه، يقول أيوب لقيني سعيد بن جبير فقال: ألم أرك مع طلق؟ قلت: بلى فما له؟ قال: لا تجالسه فإنه مرجئ، قال أيوب: وما شاورته في ذلك ولكنه مما يحق للرجل المسلم إذا رأى شيئاً يكرهه أن ينصح أخاه(ص52).
وصاحب البدعة، هل يتوب منها؟ في هذا الباب أورد أقوالاً لعلماء الصحابة وفقهاء الإسلام من السلف الصالح يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما كان رجل على رأي من البدعة، فتركه إلا إلى ما هو شرّ منه.
وسمع سودة عبدالله بن القاسم يقول: ما كان رجل على رأي من البدعة فتركه إلا إلى ما هو شرّ عنه، قال: فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين مروق السهم من الرمّية، ثم لا يرجعون، حتى يرجع السهم فوقه»، وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حجز التوبة عن كل صاحب بدعة» نسأل الله السلامة والعافية (ص5455).
الفرار من الموت
قال ابن كثير في تفسيره، عندما مرّ بهذه الآية الكريمة في سورة البقرة: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون)«ص243».
قال علي بن عاصم: كانوا من أهل ذا وردان، قرية على فرسخ من قبل واسط، وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدى عن المتهال بن عمرو الأسدي، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون. قالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا.. قال الله لهم: (موتوا) فماتوا.. فمرّ عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم، فأحياهم.. فذلك قوله عز وجل (ثم أورد الآية).
ذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل، استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد، فخرجوا فراراً من الموت، هاربين إلى البرية، فنزلوا وادياً أفيح، فملأوا ما بين عدوتيه، فأرسل الله إليهم ملكين: أحدهما من أسفل الوادي، والآخر من أعلاه، فصاحابهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم، موتة رجل واحد، فحيزوا إلى حظائر، وبني عليهم جدران، وفنوا وتمزّقوا، وتفرقوا.
فلما كان بعد فترة من الزمن، مرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل، يقال له: حزقيل. فسأل الله أن يحييهم على يديه.. فأجابه ربه إلى ذلك.
وأمره أن يقول: أيتها العظام البالية، إن الله يأمرك أن تجتمعي.. فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض، ثم أمره ربّه فنادى أيتها العظام، إن الله يأمرك بأن تكتسي لحماً وعصباً وجلداً.. فكان ذلك وهو يشاهده، ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره، فقاموا أحياء ينظرون، قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة، وهم يقولون: سبحانك لا إله إلا أنت، وكان في إحيائهم عبرة، ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني ليوم القيامة، ولهذا قال: (إن الله لذو فضل على الناس) أي فيما يريهم من الآيات الباهرة، والحجج القاطعة، والدلالات الدامغة.. فإن هؤلاء خرجوا فراراً من الوباء طلباً لطول الحياة، فعوملوا بنقيض قصدهم، وجاءهم الموت سريعاً في آن واحد، ومن هذا حديث عمر لما خرج إلى الشام، حتى إذا جاء بسرغ لقيه أمراء الأجناد فأخبروه، أن الوباء قد وقع بالشام، فجاء عبدالرحمن بن عوف فقال: إن عندي من هذا علماً.. وذكر حديث الوباء، فحمد الله عمر ثم انصرف متفق عليه. (ج1:258259).

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved