أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 21st October,2001 العدد:10615الطبعةالاولـي الأحد 5 ,شعبان 1422

مقـالات

صفعة أشدّ إيلاماً
عبد الله بن ثاني
إن أشد الجراح إيلاماً أن يأتيك الشر والخذلان والإرجاف من مصدر لا تتوقع منه غير التأييد والوقوف بجانبك أيام الأزمات، ولذلك أعد تلك الصفعة التي وجهها شارون للبيت الأبيض بعد أحداث 11 سبتمبر من أعنف صفعات القرن العشرين إذ شبه أرييل شارون الرئيس الأمريكي جورج بوش برئيس وزراء بريطانيا نيفيل تشمبرلين، المتهم بالتضحية بتشيكوسلوفاكيا ترضية للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر عام 1938م، مقابل ما سماه شارون بحل مؤقت، وذلك في كلمة ألقاها في مؤتمر صحفي في القدس المحتلة بعد سقوط الطائرة الروسية من طراز تربولوف 154 في البحر الأسود، واتهم الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم الحر ببيع اسرائيل للعرب في سعيها للحصول على دعمهم في حربها ضد الارهاب، وتبجح شارون بأن اسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها، وانها من الآن فصاعداً سوف تعتمد على نفسها في مواجهة العرب، وكان هذا الهجوم الشاروني الشرس على الرئيس الأمريكي بسبب تأييده في تصريحاته ضمناً إقامة دولة فلسطين، اوستعداد بلاده للاعتراف بها، وتم ابلاغ الغضب الأمريكي عن طريق مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية حيث اتصل الوزير كاولن باول بشارون والسفارة الأمريكية في اسرائيل ولم يقتصر شارون بتوجيه تلك الصفعة للولايات المتحدة ممثلة في رئيسها ، بل تجاوزتها إلى دول الغرب قاصداً بهذه المقارنة ما حدث في مؤتمر ميونخ في المانيا عام 1938م عندما وافق زعماء التحالف على الطلب النازي التوسعي.
إن شارون فقد صوابه حقاِ كما قال المعلق السياسي في صحيفة (معاريف) الإسرائيلية بسبب الذهول الذي اكتسح الذاكرة الإنسانية في 11 سبتمبر وهي تعيش لحظات الرعب والكارثة حية على الهواء في بلد مسؤول عن الأمن والسلم العالميين تحت مظلة النظام العالمي الجديد، التي لم تشهد أراضيها حرباً من حروب القرن العشرين فيما عدا الهجوم الياباني على بير هاربر في جزر هاواي في المحيط الهادي في الحرب العالمية الثانية عام 1941م، وكان نتيجة ذلك، الانتقام الأمريكي بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما ونجازاكي، وإنهاء الحرب واستسلام اليابان على الطريقة التي أرادها الأمريكيون...
وبرز الدور الأمريكي الذي أعلن أول انتصاراته في ما يسمى بالحرب الباردة في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1989م حين سقط جدار برلين، ومن ثم سقوط الاتحاد السوفيتي، بعد ذلك لتتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش النظام العالمي الجديد وسيادة القطب الواحد وتفعيل أثر المنظمات وهيئات الأمم المتحدة، وبلغت منزلة عظيمة في نفسها حتى أعلن فوكوياما ان التاريخ قد انتهى بالانتصار الأمريكي الذي لن تصل له أمة من الأمم على مر التاريخ، ويؤكد هذا ما أعلنه السنياتور الأمريكي جيسي هيلمز في عام 1996م في قوله: «إننا مركز العالم، وعلينا أن نظل فيه، وعلى الولايات المتحدة أن تقود العالم حاملة المشعل الأخلاقي والسياسي والعسكري للقانون والقوة، وأن تكون القوة لجميع الشعوب «وقال الكاتب شارلز كروتمر: «إن أمريكا تجاوزت العالم كمارد جبار، ومنذ أن أطاحت روما بقرطاجة لم تظهر على المسرح الدولي قوة عظمى أخرى ضرعتنا في بلوغ أعلى القمم».
إ الشرخ الفكري الذي أصاب العالم في قراءة الحدث العملاق بسبب الثغرات والتناقضات في الروايات والمواقف الدولية والتوقعات التي تعرض سيناريو الانتقام الأمريكي من منفذي الهجوم على المدن الأمريكية، إذ أثبت المحللون أن الدقة في الإحكام لا يمكن أن تأتى إلا لمحترفين تجاوزوا صعوبات السيطرة على الطائرات في مرحلة الإقلاع، مع العلم أنه يتم عادة بسرعة منخفضة نسبياً تقارب 300كم/س، بعد الاستعانة ببرج المراقبة والتوجيه، أما في الهجوم على برجي المركز التجاري في نيويورك فالطائرتان أصابتا الهدف بسرعة عالية أكثر من 800كم/ ساعة. شيء مذهل حقاً.
لقد فرحت اسرائيل بالمأساة المروعة التي صفعت النسر الأمريكي، ووظفتها لصالح أطروحتها الجيوسياسية الاستعمارية، ودعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضرب الإرهاب، وفي الوقت نفسه نسيت هذه الإسرائيل أنها أكبر معقل ارهابي عنصري صهيوني، وحاولت أن تجر الإدارة الأمريكية الي توجيه الحرب ضد الإسلام ولكن التصحيح والمراجعة اللذين تما من قبل الأمريكيين علناً في إعلان أنه لا صلة للإسلام بهذه العمليات، وأن تعاليمه تتنافى مع هذا الفكر على لسان الرئيس جورج بوش الذي خلع نعليه، ودخل المسجد ليعتذر للمسلمين عن الإهانة التي وجهت لهم وأكد أن الحرب القادمة ضد الإرهاب وليست صليبية. وفي المقابل نشرت مجلة روفن كوريت (Reaven koret) في عدد 14 سبتمبر مقالاً باسم مدير تحريرها قال فيه: «إن على الغرب إيجاد وسائل أخرى لردع الجهاد بين المسلمين، فيعاقبهم بتحطيم قدسية ما يؤمنون به. إذ ما يجدي قصف كابول أو قواعد طالبان العسكرية «لقد تم ذلك فيما مضى دون أن يكون له أثر عندما تساندت الجهود الغربية لمهاجمة صدام حسين دون أن تجبره على الركوع، وقد فشل جورج بوش الأب في ذلك وسيحتقر العالم ابنه (بوش) الأصغر) إذا ما اقتصر على تكرار ما فعله أبوه.. يوجد في مكة برجان صاعدان في شكل منارتين شامختين تحيطان بقبة سوداء عريضة يعبدها المسلمون ويتوجهون اليها بصلواتهم كل يوم ويحجون إليها. فلابد أن ينذر لمسلمون بأن هذا المكان سيكون هدفاً اذا ما قاموا باعتداء آخر، بتصويب ضربة عسكرية إليه تدمره هو والمدينة التي يوجد فيها
ولكن قبل ذلك علينا ان نتساءل ألا تكون ضربة هذا الرمز المقدس أحسن جواب من الآن على عملية الاعتداء على نيويورك وواشنطن».
وأضاف..
لا أحد يشك في أن هدم واحد من رموز الإسلام حتى مع عدم الإضرار بأي مدني سيحول العالم الإسلامي إلى حالة من الجنون والسعار ضد الغرب، لكن هل يمكننا أن نبقى متساهلين إلى أن يمارس الإسلام في الغرب حالة ارهاب أخرى قد تكون أفظع؟
لابد إذن أن يتجه الغرب من الآن إلى مكة، ويتحدث إلى القتلة باللغة الوحيدة التي يفهمونها».
وللأسف لم يفهم هذا الصهيوني أن المسلمين عامة يحاربون الارهاب ولا يؤمنون به، انطلاقاً من عقيدتهم ووصايا نبيهم المبعوث رحمة للعالمين، إلا أن الإرهاب الذي لم تتحمله الولايات المتحدة الأمريكية في مدة يوم واحد (11 سبتمبر) قد تحمله المسلمون مدة خمسين عاماً في أكثر الصور بشاعة وألماً من الظلم والقهر والاستبداد من تلك الأنظمة القمعية التي تمارس ضد الإنسان العربي وبمباركة من قوى غربية أو من طريق اسرائيل التي تهدد المنطقة في وقوع كارثة نووية وبيولوجية في أي لحظة، ويعرف الجميع من ساعدها في انشاء تلك المفاعلات، كما يعرف الجميع من وراءها في هيئة الأمم ومنظماتها من أجل ألا يتخذ أي قرار يدين الاستيطان وسياسة الأراضي المحروقة وتدمير البنية التحتية على يد أولئك الشذاذ الذين تجمعوا بمباركة تلك القوى، ولم يرضوا بتلك التنازلات التي قدمها العرب في مدريد وأوسلو.
إن غضب شارون من عبارات الرئيس جورج بوش حول إقامة الدولة الفلسطينية ليس له مبرر، لأنه أجاب أيضاً بأن إدارته كما الإدارات السابقة حملت رؤية في هذا الخصوص شرط أن يكون حق اسرائيل بالوجود أمراً يحظى بالاحترام في المنطقة، لأنه يعرف أن هذه الرؤية كانت تعم أرجاء البيت الأبيض في عهد الرؤساء السابقين، وأكدت في مؤتمر مدريد واتفاق أوسلوا اللذين فشلا في تحقيق أي شيء يذكر بسبب الانحياز الأمريكي الذي نسي أنه من أجل مبدأ (الأرض مقابل السلام) جلس العرب حول طاولة المفاوضات مثلما نسي شارون في لحظات المساعدات الأمريكية، لأنه فشل في قراءة الحدث الجلل الذي توقع أن تكون من ورائه مواجهة بين الإسلام والنصرانية بعودة الحروب الصليبية بعد ان اعتذر الرئيس الأمريكي للمسلمين عن هذا التعبير، ونسي أنها تحصل على أكثر من ستة مليارات دولار أمريكي في السنة لتنتهك بها حقوق الإنسان مؤكدة ما قالته منظمة العفو الدولية «إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تشرع التعذيب...».
إن اسرائيل تخترق القانون الأمريكي فضلا عن القانون الدولي، ولا أدل على ذلك من القانون الذي أقره الكونجرس ويقضي بعدم منح مساعدات عسكرية أو بيع أسلحة لأي دولة تنتهك حقوق الإنسان في المواثيق الدولية أو تستخدم السلاح الأمريكي في عمليات عدوانية، وقد أكدت بكل أسف الخارجية الأمريكية أن اسرائيل تقوم بأعمال تعذيب وتعقب المدنيين بطريقة وحشية مجردة من الإنسانية، وتعتقلهم دون محاكمة وتهمة تسوغ السجن..
والأدهى من ذلك أن العالم بأسره ممثلاً بمنظماته الإنسانية والأمنية والاقتصادية يدرك تماما أن اسرائيل بلد عنصري تسمح لأي يهودي في أنحاء العالم أن يحضر لفلسطين العربية، ويحصل على الجنسية الاسرائيلية في حين أنها تمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك منازلهم ومزارعهم عام 1948م و1967م وعد الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية مواطنين من الدرجة الثالثة بل إنها تجاوزت كل الأعراف الدولية والإنسانية، في سبيل تأمين السكن لهؤلاء الشذاذ المهاجرين في صورة غير شرعية كما أقرت بذلك الهيئة العامة للأمم المتحدة التي أنكرت مراراً وتكرارا إقامة اسرائيل للمستوطنات، وأيدت كثيراً القرارين 242 و238، واستخدمت اسرائيل أمام الإصرار العالمي المدرك لخطورة ما يمر به الشرق الأوسط التقنيات الأمريكية الحديثة في مواجهتها مع أطفال الحجارة مثل القنابل العنقودية وذخائر اليورانيوم المستنفد والمقاتلات ومروحيات الأباتشي في خرق صريح للقانون الأمريكي الذي يمنع ذلك الاستخدام ويعاقب عليه ولم يحدث بعض من هذا إذ تعاونت معها في مقابل ذلك في إجراء تجارب لتطوير الأسلحة والأنظمة الدفاعية وبرنامج حرب النجوم وسكتت عن تفتيش مفاعلاتها النووية وعدم توقيعها معاهدة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهي بعد كل هذا نظام عنصري متطرف يدعم كل الحركات المتطرفة في العالم كتدريب أعضاء حركة أنكاثا التابعة للنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا.
سادتي:
العالم يحارب الإرهاب، ونحن جزء من هذا العالم، نتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث في أي نقطة فيه مؤكدين في حربنا للإرهاب أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث رحمة للعالمين، ولكن يجب على العالم ان يفرق بين الإرهاب والنضال الذي أيدته قرارات هيئة الأمم المتحدة وجعلته حقاً مشروعاً لأي شعب يتعرض لاحتلال وقمع من أي سلطة، كما يجب على الولايات المتحدة أن تغير من نمط تفكيرها ورؤيتها الاستراتيجية، فهي مسؤولة عما يجري لأنها سيدة القطب الواحد، وبالتالي يجب أن تتحلى قراراتها بالعدل والإنصاف على أن الخلط بين مفهومي النضال والإرهاب يضر بمستقبل العالم الذي يبحث عن الأمن والاستقرار بعدما أدرك أن العيش في ظل الحروب والصراع أمر لا يطاق، وإذا كانت هناك لائحة ضمت بعض المنظمات الإسلامية والجمعيات العربية في لبنان وفلسطين التي تدافع عن عروبتها وهويتها وأيديولوجياتها بالكفاح المسلح كان يجب ألا تخلو أيضا من المنظمات اليهودية والصهيونية المتطرفة التي يتهم أيضاً من يدعمها بانه ممن يؤوي الارهاب ويشجعه، ويجب أن يعاقب بالأسلوب نفسه الذي أعلنه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي عندما دعا إلى عزل هذه المنظمات وخنق مصادر دعمها المالي وحظر تحركها عبر الحدود الدولية. فهل تستطيع الولايات المتحدة قائدة العالم المتمدن أن تراجع مواقفها بعيداً عن تأثير اللوبي الصهيوني وقوة الناخب اليهودي والأيدولوجيا البروتستانتية تجاه قضايا المسلمين حتى لا يتكرر ما حدث في 11 سبتمبر، فالتاريخ أثبت على مر عصوره أن دك الشعوب بالقنابل وصواريخ توماهوك لا يجدي، لأنه حل مؤقت لمشكلة أزلية تتجدد بتجدد الزمان والمكان.
والله من وراء القصد

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved