أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 11th November,2001 العدد:10636الطبعةالاولـي الأحد 26 ,شعبان 1422

قالوا عن الفهد

خلافاً للمواصفات المرغوبة إسرائيلياً
قيادة الملك فهد وثبات المنطلقات السعودية
بقلم: ابراهيم عبدالكريم
تحتفظ الذاكرة الجمعية الاسرائيلية للقيادة السعودية بشريط يضم ثلاث مجموعات من الصور الذهنية:
الاولى: تخص الشخصية الخليجية بمضامينها العربية والاسلامية وبمظاهرها وعاداتها وأساليبها في الحياة والحكم وغير ذلك.
الثانية: تكونت بفعل المكانة العالمية للسعودية كدولة نفطية ودورها في النطاقين العربي والإسلامي.
الثالثة: تتعلق بانخراط السعودية في الصراع ضد المشروع الصهيوني، ومواصلة تجسيد هذا الانخراط عبر دعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته.
تنطوي التقديرات الاسرائيلية في كل من هذه المجموعات على جملة من المفاهيم أو الدعاوى التي تختلط فيها الوقائع بالأوهام، والحقائق بالأضاليل، وتكتنف بعضها قولبة (تنميط) جراء المنظور الخاص الذي يعتمده الاسرائيليون في التعامل مع الاخر وضمنا الخصم. ومفيد هنا عرض بعض ملامح صور الزعامة العربية المرغوبة إسرائيليا.
المواصفات الاسرائيلية
يلمس المتابع او الباحث في شؤون الصراع العربي الاسرائيلي، وجود معايير ذاتية واخرى موضوعة للزعامة العربية التي تتحقق فيها المواصفات الإسرائيلية المطلوبة، او على الاقل التي تبعث الارتياح لدى المؤسسة الحاكمة في الكيان الاسرائيلي، وتتجلى غالبية هذه المعايير في طائفتين من المكونات، احداهما تنبثق من النتائج المترتبة على سلوك الزعامة العربية المعنية، والاخرى تتولد من العائدية التي يمكن لإسرائيل حيازتها باستثمار تلك النتائج.
على المستوى التحليلي، يأتي في مقدمة المواصفات التي يفرك الاسرائيليون أيديهم فرحا لوجودها في الزعامة العربية؛
النهج المغامر: الذي يخسر صاحبه أي معركة قد يفكر فيها قبل أن يبدأها، ولا يمتلك من الرصيد سوى خطب نارية لا تزيد العربي في نهاية المطاف إلا يأسا وإحباطا، وتجعل المصطلحات والمقولات التي تتردد على مسامعه بمثابة نكات لا تثير فيه إلا الضحك المتبوع بالهم والحزن والقرف.
يقدّم هذا النموذج خدمة كبيرة لإسرائيل، باستنفارها عسكريا واجتماعيا ونفسيا، وزج قدراتها للتغلب على حالة القلعة المحاصرة التي يتهددها السقوط والتدمير والحرق بالصواريخ وأسلحة الدمار الشامل، فضلا عن التوظيف الاسرائيلي لخطاب الوعيد العربي على الساحة الدولية.
النهج الرخو: الذي يستجيب أتباعه للفعل الخارجي دون مقاومة تعبر عن الانتماء الوطني أو القومي، على نحو يتكرس فيه الانكفاء داخل الحدود القطرية أو الاقليمية، والانتقال الى وضع التفاهم مع أعداء الأمة والتفريط بالحقوق، تحت شعارات الاعتدال والعقلانية.
ولا يختلف اثنان في ان هذا المنهج يعطي مبررا لإسرائيل لمواصلة تنكرها للمطالب العربية، في ظل الاكتفاء العربي بتبني خيار السلام والمفاوضات، والتخلي عن اي خيارات اخرى تحمل اسرائيل على الكف عن سلوكها المتعنت.
النهج الانسلاخي: المتمثل بإدارة الظهر الى الأمة العربية وشؤونها، والتوجه نحو اهداف ذاتية منحوتة أو متصورة على مقاسات تضعها زعامة عاجزة عن مواجهة التحديات الحقيقية، فتبحث عن تحديات اخرى تتوهمها او تصطنعها لتبرير انسحابها عمليا من خندق المواجهة مع إسرائيل وحلفائها.
هذا النهج، من جهته يريح إسرائيل من أي أعباء إضافية يفرضها وجود قوة عربية على خط الصراع معها، ويتيح لإسرائيل البرهنة أمام العالم على وجود مخاطر ومهمات تستحق التصدي لها، بدلا من خوض حرب لا جدوى منها ضد إسرائيل.
لقد بينت العقود الخمسة ونيف الماضية كيف برعت اسرائيل في دفع الزعامات العربية للسير في الاتجاهات المذكورة، وكيف يستوي الجنون مع البلاهة والسذاجة بالنسبة لها، بفعل الامتلاك الاسرائيلي للقدرة على استغلال الظروف والممارسات التي تنتهجها هذه الزعامات، بإرادتها أو بالإكراه.
نوعية قيادات مغايرة:
بعيدا عن الحالات السابقة، كانت اسرائيل ولا تزال تجد نفسها في وضعية الارتباك والترقب، امام نوعية اخرى من القيادات العربية لا تنطبق عليها العلامة المسجلة المناسبة لإسرائيل، وتدير الصراع بطريقة حكيمة، متأنية ومثابرة، ومن ابرز خصائص هذه النوعية:
المزاوجة بين نهجي الشجاعة والمرونة، باستبعاد التهور من الأول والتفريط من الثاني، والتعامل مع الواقع بواقعية المتطلعين الى التغيير الإيجابي.
رفض الانسياق وراء التصورات الاسرائيلية لترتيب اوضاع المنطقة العربية، واستثناء إسرائيل من نسيج العلاقات القائمة بين دولها.
الربط العضوي بين المكون الوطني لقضية فلسطين ومكوناتها الاخرى العربية والاسلامية، وجعل القدس قوة توحيد رئيسة في مواجهة الخطر الصهيوني.
السعي الى توفير المزيد من عناصر القوة العربية / الاسلامية، لبلورة وضع نهضوي شامل يكون في مستوى التصدي للاخطار المحدقة بالعرب والمسلمين.
عدم التنصل من الاعباء التي يفرضها انفجار الصراع الفلسطيني / الاسرائيلي، والاسناد المتجسد ماديا وسياسيا للنضالات الفلسيطينية لتمكينها من الصمود والتواصل وقطع اشواط مديدة في مشروعها التحرري.
الاحتفاظ برصيد من العلاقات الدولية، تتم فيه مراعاة معطيات النظام الدولي الجديد بثوابته ومتغيراته، وحشد الصداقات والعلاقات الودية مع دول العالم لصالح القضايا العربية / الاسلامية العادلة، مع الاهتمام بعنصر التوازن بين القوى العالمية.
عدم الإنجرار الى معارك هامشية او تناقضات ثانوية، ورفض خوض معركة عسكرية مع إسرائيل نتيجتها الهزيمة العربية، على أرضية اختلال موازين القوى لصالحها.
الاندفاع المتسارع في التصدي لمهمات البناء والتنمية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كحاضنة لا غنى عنها لتبني استراتيجية فاعلة في مجال الامن القومي بمعناه الشامل.
يدرس الإسرائيليون هذه الخصائص ويرون فيها خطرا كبيرا على مصيرهم، اذا يعتبرونها كفيلة بتوليد قوة تغيير جذري واعد في مدى (زمن المجتمعات)، ويلاحظون ان القيادة العربية التي لا تكتفي بالتخطيط والفعل في (زمن الافراد) إنما تضيف باعثا للقلق الاسرائيلي من المستقبل.
موقع القيادة السعودية
على خلفية التأصيل النظري لمواصفات الزعامة والقيادات العربية، المستحسنة أو المزعجة، تنظر إسرائيل للقيادة السعودية من زاوية انتماء قيادتها للنوعية الثانية، بفعل المواقف العملية التي تتخذها هذه القيادة محليا وإقليميا ودوليا. وبالاقتصار على مجال الصراع العربي/ الاسرائيلي، يزخر الملف الاسرائيلي بوثائق هذه المواقف التي يعتبر فيها العداء مع إسرائيل قاعدة سائدة وقانونا أثبتته الأزمات.
فقد شاركت السعودية في الجهد العربي العام ابان مواجهة الدولة الصهيونية في مرحلتها الجنينية، واستمرت هذه المشاركة في جميع المعارك والحروب التي نشبت على الجبهات العربية، ولم تظهر لإسرائيل اي دلائل على انسحاب السعودية من خندق الصراع معها، ولا أي مؤشرات على تشجيع عملية التطبيع في المفاوضات متعددة الاطراف.
وعلى الصعيد السياسي، يعترف المؤرخون الاسرائيليون ان الطرح السعودي الخاص بضرورة دعم الشعب الفلسطيني لمقاومة قيام الدولة اليهودية، دون دخول الجيوش العربية الى فلسطين عام 1948، لو تحقق في حينه لغير معادلات الصراع ولأعطاه دينامية اخرى تختلف عن طبيعته الراهنة. وتعتقد الاوساط الإسرائيلية المهتمة بشؤون البحث والتحليل ان المبادرات السياسية السعودية وتوجهاتها على الصعد الاقليمية والدولية، تشكل قوى إعاقة مهمة للمخططات او الممارسات الاسرائيلية.
وحاليا، تشن الاوساط الصهيونية حملة مركزة على الدعم السعودي للانتفاضة الفلسطينية، وإظهاره بمثابة تغذية للارهاب الاسلامي، وتشجيع على قتل المدنيين الإسرائيليين، وفي الوقت ذاته، تنشط تلك الاوساط باتجاه تحييد الفعل السعودي الذي يمنع الاستفراد الاسرائيلي بالفلسطينيين، سواء بالعمل المباشر الموجه ضد نشاط السعودية على الساحة الدولية، أو محاولة استعداء الولايات المتحدة والغرب على هذا النشاط.
وهكذا تحتل السعودية وقياداتها في الإدراك الاسرائيلي موقعا يتكامل مع القوى المناهضة للمشروع الصهيوني، داخل فلسطين وخارجها عربيا واسلاميا. من وجهة نظر عربية، انه موقع مكلف بالحسابات الضيقة، لكنه في حسابات المبادىء والمصير يعتبر استحقاقا لدواعي حماية المنطقة والأمة من الاخطار الجسيمة التي تتهددها بفعل المخططات الصهيونية والنهج العدواني الاسرائيلي.
وبتناول عهد الملك فهد، في نطاق الاداء الاجمالي المتواصل للقيادات السعودية، يقف المهتمون الاسرائيليون مطولا امام كل موقف او تصريح يصدر عن المملكة، ويعج المكتوب الاسرائيلي بالمؤشرات التي تعكس التحسب الشديد للتأثيرات المتوقعة للنهج السعودي إزاء اسرائيل.
وفي قراءة إجمالية لطبيعة هذا العهد وهويته، تبرز للمحللين ثنائية من الخصائص لصيقة به، وجهها الأول الالتزام بالمنطلقات الفكرية والعقيدية والسياسية لجيل التأسيس والمتابعة، ووجهها الآخر تكييف اساليب عمل المؤسسة الحاكمة بما يتيح معالجة المشكلات والتطورات المستجدة وفق منظور إستراتيجي عصري. وهما وجهان تنتمي إليهما المكونات النظرية والعملية للعهد، ويشكلان إطارا ثابتا لحركية السياسة السعودية بشتى محاورها.
باحث ورئيس تحرير مجلة الارض مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية دمشق

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved