أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 15th November,2001 العدد:10640الطبعةالاولـي الخميس 30 ,شعبان 1422

الثقافية

نهار جديد
المجد للثبات والسكون
عبد الله سعد اللحيدان
ليس الثبات والسكون من صفات أو طبائع أو ماهية وجوهر وأهداف أي ثقافة أو فكر أو إبداع، وليسا من الصفات الأصيلة في الإنسان، بل ويتعارضان ويتناقضان مع تكوينه الروحي والمادي الذي يتململ دائما وفي استمرار وتحوّل دائمين بحثاً عن الجديد والتجديد وسعيا إلى الكمال الذي يلوح له دائما في أفق المستقبل وليس في أفق الماضي أو الحاضر المقيّد ورغبة في التغيير والاكتشاف وارتياد المجهول والمغامرة والابتكار وإبداع أشياء جديدة تضفي على حياته معنى لوجودها ومتعة وفائدة أيضا. وإذن، فالثبات والسكون عنصران طارئان على الإنسان ويتعالقان معاً ويؤثران في روحه وجسده وذوقه وقناعاته بقدر ما يستسلم لهما ويضعف أمام غزوهما السلبي لفضاءاته التي ينبغي أن تكون حرّة وان تتم حمايتها مما يمكن أن يغلق في وجه طيرانها الآفاق المفتوحة ويعوق انطلاق مركبة الحضارة الإنسانية في خطّها المتواصل إلى الأمام.
ولكن الغريب في الأمرأن هناك فئة لا تنقصها المعرفة ولا يعوزها الوعي ولا الإدراك وتجدها ساكنة ثابتة وتبحث عن السكون والثبات وتحرسهما وتدافع عنهما وتجعل من المساس بهما ولو تعريضا بالحديث مساساً إجرامياً بها واعتداء على حرماتها وهدماً لأسوارها التي بنتها وسهرت على صيانتها بما تملك من قدرات وإمكانيات وما تم تهيئته لها من ظروف وفرص، مما يجعل أول الأشياء تداعياً إلى الظنّ والاعتقاد أنها إنما تلجأ إلى مصالحها الشخصية وتدافع عنها وتحرسها وتقاتل بكل وحشية من يحاول الاقتراب من حمى هذه المصالح والمنافع التي تهيأت لها وتخشى أن تفقدها لأنها بفقدها ستفقد ما هي فيه من نعيم مادي تحسد عليه لأنها لا تستحقه ولأنها حصلت عليه في غفلة اجتماعية ثقافية حضارية إنسانية مما يجعل أي صحوة مقابلة تشمل خطراً عليها وتهديداً لكيانها ومما يجعلها تسارع إلى محاربة ووأد وتهميش وإلغاء كل من تسوّل له نفسه المساس بهذا الكيان الثقافي أو الفكري أو الإبداعي المكتسب بالقوة أو التدليس أو استغلال غفلة الآخرين أو ضحالة معرفتهم، وكأنهم يعتقدون أن غفلة الآخرين وضحالة معرفتهم شيء دائم وثابت وأن الآخرين لا يتطورون ولا يتغيّرون ولا يستيقظون لكي يقلبوا السحر على الساحر ويردوا كيده في نحره ويعملوا على استرداد المواقع التي سلبها منهم ظلماً وعدواناً.
هناك مفكرون ومثقفون ومبدعون يعانون من العجز ومن الإعاقة أيضا ولكن ظروفا طارئة في يوم ما سهّلت لهم احتلال مواقع متقدمة مما جعل وسائل الإعلام تستغل مراكزهم وانتشار أسمائهم «بحثا عن القارئ» وتجعلهم في واجهة المشهد الفكري أو الثقافي أو الإبداعي على الرغم من ضحالة ما يقدمون من فكر وثقافة وإبداع وعلى الرّغم من نفاذ ما عندهم من خبرات وقدرات متواضعة ومما جعل بعضهم ينخدع ويصدّق بأنه مفكر أومثقف أو مبدع ومما يجعل بعضهم ممن يهديهم ذكاؤهم إلى حقيقتهم يحاولون الاستمرار في التمويه والتمثيل والاستعراض، ويحرصون جميعا أكثر ما يحرصون على أن لا يكتشف الآخرون أمرهم وأن يبقى الآخرون مجرد عوام وأشباه متعلمين فقط لتبقى لهم المكانة المتقدمة والنجومية التي لم يصنعوها بجدارهم وإنما أهديت اليهم ذات يوم بحسن نيّة وبسوء نيّة أيضا.
هناك منهم من بنى مجده السابق على قصيدة قيلت في مناسبة ما، وأثارت المراحل اللاحقة شكوكاً حوله فيما إذا كان هو قائلها أم اشتراها بحرّ ماله ممن أدركهم فقر حرفة الأدب وألجأته الظروف إلى ذلك الوجيه. وهناك من كتب كتاباً أو قصة أو أطلق فكرة كانت مناسبة في وقتها وتمت الإشادة بها وبقي حريصا على بقائها واستمرار إعجاب الناس بها على الرغم من انتهاء صلاحيتها لأنها هي من حقق له هذه المكانة ويخشى إن فقدت قيمتها أن يفقد قيمته هو الآخر.
وهناك من حاز مكانة إعلامية لسبب ما وفي يوم ما جامله فيه الإعلام فصدّق نفسه بأنه شاعر كبير أو روائي عظيم أو عالم إدارة كبير أو هو يعرف حقيقته ولكنه حريص على استمرار تصديق الناس لهذه الأكاذيب فتجده يركض في كل الاتجاهات ومع كل التيارات والتوجهات سعياً إلى الحفاظ على ما تحقق له من شهرة وعلى الرغم من معرفته بأنه موضع سخرية المفكرين والمثقفين والمبدعين الحقيقيين.
هؤلاء وغيرهم كثيرون هم الذين يسهرون وينفقون وقتهم وجهدهم ومالهم في سبيل الحفاظ على الثبات والسكون لأنهما هما من يستران فضائحهم.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved