أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 16th November,2001 العدد:10641الطبعةالاولـي الجمعة 1 ,رمضان 1422

مقـالات

نعم للعمل... لا لسؤال الناس
عبدالعزيز إسماعيل داغستاني
خطبتا الجمعة.. نهج إسلامي متفرد يجسد روح التناصح والتفاكر في المجتمع الإسلامي السليم ويثري تفاعله مع المتغيرات التي تحيط به من الداخل والخارج. خطبتا الجمعة.. نهج علمي للتعامل الإيجابي مع تطورات الحياة وتقلباتها.. وفيهما يرجع الإمام تلك المتغيرات والتطورات إلى أصلها الشرعي ويؤطرها في حدود تعاليم الإسلام وأسسه، وينصح الناس بما يعينهم على التعامل معها وفق شرع الله وسعياً لرضاه ورضوانه.
هذا هو ما خلصت إليه بعد سماعي لخطبتي الجمعة في جامع صلاح الدين بالرياض. كان الإمام خالد عبدالله الروقي موفقاً في طرح مسألة سؤال الناس وتكففهم، وأسهب في طرح الكثير من الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة وأكد أن الإسلام «غرس في نفس المسلم كراهة السؤال للناس، وربَّاه على علو الهمة، وعزة النفس والترفع عن الدنايا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليضع ذلك في صف المبادئ التي يبايع عليها أصحابه رضوان الله عليهم، ويخصها بالذكر ضمن أركان البيعة». وقد أعجبني الأسلوب العلمي المؤدب الذي اتبعه إمام الجامع في تناول مسألة سؤال الناس وتكففهم، وحرصت على الحصول على نسخة من خطبته لتكون مصدر مقالي هذا تأميناً على ما ذكره وتذكيراً للناس بمنهج الإسلام في الحث على العمل والكسب الحلال، كما جاء في قوله تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، والدعوة إلى العمل هي أساس بناء الاقتصاد، لأن العمل هو العنصر الرئيس الذي يمكنه أن يفعِّل عناصر الإنتاج الأخرى في الاقتصاد ويصهرها في بوتقة تؤدي إلى نمو الاقتصاد وازدهاره، وهذا ما أكده الإمام في خطبته بقوله: إن العمل هو أساس رئيس للكسب، وإن على المسلم أن يمشي في مناكب الأرض ويبتغي من فضل الله عز وجل. والعمل أفضل من تكفف الناس وإراقة ماء الوجه بالسؤال. قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه البخاري «لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة من الحطب فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه». وأضاف بأن الأصل في سؤال الناس وتكففهم هو الحرمة لما فيه من تعريض النفس للهوان. ونقل عن أبي حامد الغزالي قوله في تحريم سؤال الناس وتكففهم لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة.
الأولى: إظهار الشكوى من الله تعالى، إذ السؤال إظهار للنقص وذكر لقصور نعمة الله تعالى وهو عين الشكوى.
الثاني: أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى، وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله تعالى، بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزة. فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله.
الثالث: أنه لا ينفك عن إيذاء المسؤول غالباً، لأنه ربما لا تسمح له نفسه بالبذل عن طيب قلب منه، فإن بذل حياء من السائل أو رياء فهو حرام على الآخذ، وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع. والسائل هو السبب في الإيذاء.
وأشار الإمام في خطبته إلى أسلوب الإسلام في علاج هذه المسألة وبداية ذلك تهيئة العمل لمن يريده ويقدر عليه ليكسب منه مالا حلالا يعفيه عن سؤال الناس وتكففهم. وأشار إلى أن هذا هو واجب الدولة الإسلامية.
وأوصى رجال الأعمال بتهيئة فرص العمل للشباب الباحثين عن عمل.. وأشار إلى قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري التي رواها عنه أنس من مالك رضي الله عنه إذ اشترى قدوماً واحتطب به فأصابه الخير.. وأكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعالج حاجة هذا الأنصاري بالمعونة المالية الوقتية، أو بالوعظ المجرد، ولكنه أخذ بيده في حل مشكلته وعالجها بطريقة ناجحة ووفر له سبل العمل والكسب الحلال. وكان تصرف المصطفى صلى الله عليه وسلم دليلاً على أن في الإنسان طاقات وقدرات تكتشف بالتوجيه والتعليم. وأن عمل الإنسان بيده هو عمل شريف وهو خير من سؤال الناس وتكففهم وإراقة ماء الوجه.
وأكمل الإمام أوجه علاج هذه المسألة بالإشارة إلى مسائل أخرى مثل الزكاة والضمان.
إن تأكيد الإسلام على العمل هو تأصيل شرعي سبَّاق لمبدأ اقتصادي ارتكزت عليه النظريات الاقتصادية الحديثة وأشارت من خلالها إلى الدور الأساسي الذي يلعبه العمل كأحد أهم عناصر الإنتاج في الاقتصاد. إن في الفكر الإسلامي معين لا ينضب من المبادئ الاقتصادية التي تستحق هذا الطرح في مثل هذه المنابر التي فرضها الله علينا لتكون ساحة واسعة للفكر ومجالا رحبا للتفكير. ولعل في هذه السانحة ما يشجع علماءنا الأفاضل بسبر غور هذا المعين الإسلامي الطيب لنخرج منه برؤية اقتصادية إسلامية تعالج قضايا مجتمعنا بمثل هذا الطرح العلمي.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved