أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 19th November,2001 العدد:10644الطبعةالاولـي الأثنين 4 ,رمضان 1422

الثقافية

سطور
بلاغة الصمت
عبدالرحمن بن محمد السدحان
لي صديق متوسط الباع ثقافة وادراكا، ورغم ذلك، يصر في كل مرة يجمعنا خلالها ظرف زمان أو مكان على امتطاء صهوة «التنظير» في كل شأن تقذف به أمواج الكلام على برّ الجدل، ليخوض فيه بما يعرف وما لا يعرف، ويجادل حوله بما يفقه وما لا يفقه، ويتبنى لنفسه مواقف تتكئ في الغالب على انطباعات شخصية أو مقتطفات مما سمع أو قرأ هنا وهناك، بعضها قديم موغل في القدم، وبعضها معاصر، ولكنه يشكو محنة الربط بين القديم والجديد!.
* *
جمعتني بهذا الصديق دعوة عشاء ذات مساء، وكان كعادته متحفّزا لاقتحام حلبة الكلام، وكنت أجاوره في المجلس حين أخذ يحاورني حول مصنّف قديم لأحد ملاحدة العرب لا أذكر له الآن اسما ولا عنوانا، ولما أوجس مني نفورا من حديثه حين لم أُحر جوابا على ما قال ولا تعليقا، ازداد هو حماسا الى حماسه، وازددت أنا صمتاً!
* *
أخرستني الدهشة وأنا أتلقّى رذاذ هُرائه، وددت لحظتئذ، لو أفقد حلمي، فأكمم فاه بكلتا يديّ، اشفاقا عليه، ودرءاً لشماتة الآخرين به! وصاحبنا هذا، المشهود له بشهوة الكلام، واحد من الأجرام البشرية العجيبة التي تعاني فتنة الاستلاب بكل ما هو غَربيّ ثقافة وسلوكا، لدرجة يبدو معها ممزّق الذات بين «الانتماء» هنا و«التبعية» هناك، بل انه قد لا يتردد في التلميح بما يحجبه التصريح انه يتوق للهجرة الى قوم آخرين يصطفيهم، ورغم ذلك يزعم انّه مشدود الى هذه الأرض جذوراً وعقيدةً ولساناً، وهذا هو سر انقسام ذهنه وشرود خاطره!، وهو بعد كل شيء ممن يستمعون الى القول فيتبعون أسوأه، لا اقتناعاً منه بما سمع، ولكن حبا في «اتّباع» الآخرين، كي لا يصفه واصف بأنه متخلّف!.
* *
كنت أحسب أن الذي بيني وبين هذا الآدمي حوار يسيّره العقل، لا سجال توجهه غريزة كسب الجولة بالضربة القاضية، ألفيتُه يحوّل «الحوار» بيننا الى «دروس» من التلقين لمواقفه، فلمّا أنس مني رفضا لبعضها، وتحفظا على البعض الآخر، هزّ رأسه حسرة عليّ وعلى السنين التي انفقتها في التعليم الجامعي بالولايات المتحدة الأمريكية، وعجب كيف لم تغيّرني أمريكا وفق «المواصفات» التي يراها!.
* *
والأغربُ من هذا وذاك أن صاحبنا يحيل أحيانا بعض «طروحاته» إلى مصنّفات لمفكرين نادري الذِّكر من الشرق والغرب، زاعما ان ما يقوله هو أو قاله صاحب المصنَّف حق، وأنّ ما خلاه باطل، وكلما هممت بالردِّ عليه، احتقنت وجنتاه غيظاً وراح يُمطرني بنعوتٍِ تشكّك في تربيتي وهويتي بل وأخلاقي!.
* *
لم أجد بعد ذلك كله خيراً من ان اصطفي الحلم مخرجاً لأنهي به «معركة» ما كادت تبدأ حتى انتهت، وأجدني في الختام ألوذُ بالصمت، لأنه أبلغ رد!.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved