أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 23rd November,2001 العدد:10648الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,رمضان 1422

الثقافية

إلى من يهمه الأمر
دقت الساعة السابعة بعد أن نام ابنها.. ذهبت وجلست على مكتبها لتعد المقال الذي ستنشره في الزاوية التي تكتب فيها أسبوعياً.. فهي الكاتبة المشهورة التي يشار إليها بالبنان.. كان زوجها في الصالون يرشف فنجان قهوته بهدوء أخذت تفكر وهي تنظر إليه بموضوع أو فكرة لمقالها القادم..
وعادت لذاكرتها أيام صباها.. حينما كان والدها يقول لها .. يابنيتي.. لقد وهبك الله نعمتي العلم والجمال.. فاحذري ان يصيبك الغرور لأنه يهد الجبال الشامخات.. ولا تأخذك العزة بالاثم فتقولي مالاتعلمي.. واكبري نفسك عن الدنايا ولا تكوني كالمصباح الذي تتهافت عليه الفراشات المتطفلة.. واصنعي نفسك.. فمازلت في بداية الطريق..
كانت قد وضعت كلمات والدها سراجاً في طريقها يحميها من الزيغ والضلال تذكرت كيف أنها كافحت ومشت على العوسج حافية القدمين كي تحقق أحلامها وتذكرت ذلك اليوم أيضاً.. حينما أتى ذلك المتأنق ليخطبها من أبيها.. كان فيه ماتتمنى كل فتاة.. متعلم، طموح، ذكي ووسيم.. لكنها لم تغفل عن ذلك الغموض الذي يحيط به.. ذلك الغموض الذي لم تستطع اقتحامه.. ولكنها وبعد مشورة والديها وافقت.. تذكرت ليلة الزفاف وهي ترفل بثوبها الأبيض..
أيقظها زوجها من أفكارها حينما قال «سأخرج الآن.. وقد أتأخر في العودة لا تقلقي عليّ..» ردت عليه بابتسامة حلوة .. وقالت في نفسها.. أين تلك الأفكار التي كانت تنهمر في رأسي كما السيل.. أفلا أجد واحدة منها الآن كي أكتب ذلك المقال..
وبدون أن تحس.. وكأنما هي في زمن غير زمنها.. رجعت ذاكرتها إلى الوراء مرة أخرى.. تذكرت ذلك اليوم .. بعد ان مر على زواجها مدة ليست بالطويلة عندما ضبطت زوجها يعبث بحوائجها الخاصة.. أوراقها.. مسودات كتاباتها لاقته بابتسامة صفراء قائلة «عماذا تبحث ياعزيزي»؟! وكأنما سحب الدم من وجهه إلى منطقة مجهولة.. وقال بارتباك ظاهر.. «لاشيء.. لاشيء وقتها فقط عرفت ذلك الجزء الغامض من شخصيته.. عرفت أنها تزوجت رجلاً مريضا بالشك والغيرة ولم يكتف الزوج بهذا.. بل لم تنس أيضا ذلك اليوم حينما دخلت الغرفة ووجدته يقلّب دفتر مذكراتها.. أيضاً لاقته بابتسامتها الصفراء عينها .. ولكنها لم تقل شيئاً في جلستها تلك .. تذكرت أشياء كثيرة جداً.. منها أنه اختلق سبباً للنقاش الفارغ حينما كتبت عن الحب.. ولكنها امتصت غضبه بعدة كلمات قالتها له.. قالت «لاتفسر كل شيء كما يحلو لك.. فأنا عندما كتبت عن الحب.. كنت أقصد أمي وأبي.. كنت أقصدك أنت.. أقصد ديني وربي.. أقصد وطني وأهلي.. فجميعكم أحبائي أرجوك قل لي أفي ذلك عيب؟!» بعدها خرج مطأطئ الرأس..
مرة أخرى أيقظها من أفكارها صوت جرس الهاتف.. ألقت نظرة سريعة على ساعة معصمها .. كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف.. نهضت لترد على المتصل وجاءها صوت المشرف على الجريدة التي تكتب فيها.. قال لها: «ماذا؟ هل ستتركي زاويتك خالية هذا الاسبوع فالعدد سيطبع غداً.. وأنت لم ترسلي مقالك بعد..» وأثناء حديثه دخل زوجها.. وعندما رآها تتحدث بالهاتف دخل بسرعة إلى حجرة النوم ورفع سماعة الهاتف ليسمعها وهي تقول «حسناً سأرسله بالفاكس قريباً» قال المشرف إلى اللقاء إذاً. وعندما سمع الزوج صوت رجل يتحدث إلى زوجته.. ذهب كالإعصار والدم يعربد في عروقه وقال لها.. «مع من كنت تتحدثين.. لاتحاولي الانكار..» قالت «لن أنكر شيئاً كنت أتحدث مع المشرف على الجريدة الذي طلب مني أن أرسل مقالي عاجلاً..!!».
ومرة أخرى.. وكما هي العادة.. ذهب ذلك الرجل المريض مطأطئ الرأس.. جلست على مكتبها.. وقد عثرت على فكرة لمقالها الآن..
تناولت القلم وكتبت..
«عام إلى كل القراء.. وخاص إلى من يهمه الأمر..
كيف يحقق كل منا كلمة الوفاء.. أو كيف يقنع بها الطرف الآخر؟!
هل بكونه لايقترب من أحد.. أو بكونه لايدع أحداً يقترب منه..؟!
هل يتمثل وفاء المرأة في أن تحبس نفسها في بيتها لكي ترضي جنون الشك المصاب به الرجل؟!
أو هل على الرجل أن يظل في بيته ليل نهار لايصاحب أحداً ولايخرج أبداً كي يرضي هوس المرأة..
من وجهة نظر شخصية.. الوفاء يتحقق بأمرين..
أولاً الصحة النفسية للطرفين..
ثانياً الثقة المتبادلة بينهما.
البندري يوسف الوتيد

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved