أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th November,2001 العدد:10655الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,رمضان 1422

مقـالات

ندين للطفولة فيجب ألا تدان حقوقهم
جانبي قروقة
نص ميثاق حقوق الأطفال عام 1924م «على أن الجنس البشري يدين للطفولة بمنحها أفضل ما يملك».
لكن وفي ظل التطور السريع الخطى لعالم معاصر وفي لهيب الصراعات الاقتصادية والسياسية ونيرانها من حروب وويلات تاهت سفينة حقوق الأطفال في يم العولمة وطوفان الصراعات والحروب وانتهكت حرماتها.
وصيحة نيلسون مانديلا وجراسا ماتشيل «لا يمكن أن نبدد حياة أطفالنا الغاليين. لا أي طفل آخر، ولا في أي يوم آخر». ما زالت تدوي في عالم تسيره قواه الاقتصادية مستجدية البشر أن يوقفوا تقديم القرابين البشرية ولا سيما من الأطفال إلى هياكل المعابد الرأسمالية وما رد العنف بطاحونة حروبه.
بعد تبني منظمة العمل الدولية لقضية عمالة الأطفال بإجماع 174 دولة في يونيو 1999م تم في منتصف عام 2000م إقرار معاهدة ميثاق جديد للحد من إساءة استخدام الأطفال في الأعمال الشاقة. وفي أواخر شهر سبتمبر من نفس العام صادقت على المعاهدة 37 دولة والتي دخلت حيز التنفيذ في 19 نوفمبر عام 2000م. وكانت المعاهدة تمثل إجماعا عالميا لوضع حد للممارسات غير المشروعة بحق الاستغلال المقيت للطفولة في العمل وأخذ الإجراءات المناسبة لوقف ممارسات عبودية الأطفال والمتاجرة بهم وزجهم في غياهب الإباحية والتجنيد القسري للأطفال وطحنهم في أتون العنف الملتهب بالصراعات الدموية.
يعتبر ميثاق حقوق الأطفال أول وثيقة ارتباط عالمية وقانونية للمساهمة الفعالة في إحقاق حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتقول كارول بيلامي «المديرة التنفيذية لليونيسيف» «إن القرار ليس رؤية حالمة فقط. نحن نذكر يوميا أنها وثيقة عمل فعالة ويمكن رصد منفعتها في استعمالها اليومي التي يمكنني أن أراها في تطبيقها المتزايد في السياسة والواقع العملي والقانون لكل دولة تلو الآخر».
هناك اهتمام عالمي متزايد بالنسبة لحقوق الأطفال وخير دليل ضلوع 90 دولة في البرنامج العالمي لإلغاء عمالة القاصرين «IPEC» . «INTERNATINAL PROGRAMME ON THE ELIMINATION OF CHILD LABOR» التابع لمنظمة العمل الدولية.
فمن دولة متبرعة واحدة ومساهمة 6 دول في عام 1992م في التمويل للبرنامج ارتفع العدد في عام 2000م ليصبح 25 دولة متبرعة وأكثر من 65 دولة مساهمة وبالتنسيق مع اليونيسيف ومنظمات العمل والمنظمات غير الدولية طرحت ال IPEC العديد من البرامج لمنع استغلال الأطفال في العمل وإعادة التأهيل للأطفال وتدريسهم وتثقيفهم وتوفير الحياة اللائقة لذويهم ورفع مستوى معيشتهم.
فقد رفعت الولايات المتحدة الامريكية مساهمتها بال IPEC من 3 ملايين دولار أمريكي سنويا إلى 30 مليون دولار.
وبالرغم من التبرعات المتزايدة والالتزامات المقطوعة تبقى مشكلة الاستغلال السيء للطفولة في العمل، والاتجار بهم مشكلة خطيرة طافية على سطح أمواج العولمة التي تتقاذفها والتي لا يتوانى مناصرو العولمة عن تبشير العالم بأنه إذا كان الزيغ على شطآن العولمة كاما فالإبحار في عبابها سيصل بهم إلى الأمان المطمئن في أعماقها.
والسؤال الكبير يكمن في ضمان وجود سفن الإنقاذ في الأعماق في حال فشل الإبحار والعوم؟
تقدر منظمة العمل الدولية وجود أكثر من 250 مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة والرابعة عشر خريفا «وليس ربيعا» يعملون من أجل كسب لقمة العيش كما يقدر وجود أكثر من 50 مليون طفل تحت سن الثانية عشرة يعملون في ظروف خطيرة في أعماق المناجم ومكبات النفايات وفي مصانع صهر الزجاج والاسفلت كادحين ساعات طويلة كعمال راشدين. ويعمل في الولايات المتحدة الامريكية وحدها أكثر من 300 ألف طفل في مجال الزراعة الذي يعد مجالا خصبا لاستغلال الطفولة في ظروف خطرة ومرهقة ومواد سامة وبأجور زهيدة.
صراع الطفولة في أحضان القانون
يلقى الكثير من الأطفال الإساءة في المعاملة أثناء فترات الاعتقال والاستجواب العشوائي التي يتخللها التعذيب والحجز في أماكن غير صحية ونكران الذات الطفولية من قبل الكثير من الحكومات حول العالم في تجاوزات خطيرة للحقوق والمعايير العالمية.
ومن المشاهدات العالمية على سبيل الذكر لا الحصر تورد اللجنة الروسية للحقوق المدنية في إحدى تقاريرها أن ثلث اليافعين المتهمين بجرائم يتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي خلال فترات التحقيق والاستجواب وأن واحدا من أربعة من اليافعين تحت سن الخامسة عشرة في الشوارع يتعرضون للعنف من قبل الشرطة. وإحدى المشاهدات من قبل لجنة مراقبة حقوق الإنسان تروي مقابلة صبي في الرابعة عشره تم احتجازه العديد من المرات من قبل الشرطة ويقول انه في إحدى هذه الاحتجازات تم رش غاز المسيل للدموع عليه وعلى أصدقائه.. وتؤكد والدة الطفل أنه قد تعرض للضرب المبرح باستخدام العصي وأن علامات ذلك واضحة على جسد طفلها وأن عيني طفلها كانتا محمرتين وكان يتقيأ عند إطلاق سراحه.
وإذا ما تطرقنا لملف القضية الفلسطينية وانتفاضتها المستعرة بوقودها من الأطفال والحجارة للمسنا الحرج الأليم الكبير، ففي تحد سافر لكل معايير الإنسانية وشرائعها نجد الحكومية العسكرية الإسرائيلية تسن القرار رقم 132 في عام 1999م الذي يجيز لقواتها اعتقال الأطفال الفلسطينيين في سن الثانية عشرة والذين تعرضوا للتعذيب المهين خلال فترات الاعتقال والاستجواب.
وفي محاولات الحكومة الاسرائيلية لقمع الانتفاضة تمتد يد الغدر والقتل لتنال الأطفال، والميديا أصدق أنباء من الكتب، ونقلها لصورة اغتيال محمد الدرة في حضن أبيه ما زالت تدق نواقيس الضمائر، معلنة أن اغتيال الطفولة من أكبر الكبائر. وصورة الطفلة إيمان ذات الأربعة شهور أدمت في القلوب جرحا ينزف وفي المآقي دمعا يذرف.
إن القانون الدولي يكفل حقوق الأطفال الأساسية ولكن في عالم مزدوج المعايير يتم نكران أبسط الحقوق والوضع المزري للأطفال اللاجئين والمهجرين الذين لا يحملون جنسيات خير شاهد على ذلك والذي يحرمهم أيضا من حقهم في التعلم والرعاية الصحية وحقوق المواطنة العادية.
ففي ماليزيا قامت لجان متابعة حقوق الإنسان برصد احتجاز مهاجرين أولاد بمفردهم مع بالغين لا يمتون بصلة لهم وقد تعرض هؤلاء الفتية للضرب والسرقة والإهمال وتم أيضا في معسكرات اللاجئين التحرش الجنسي بالبنات.
وفي القارة الأفريقية نجد الأطفال يشكلون 65% من ال 300 ألف لاجئ سيراليوني في غينيا والذين تم فصلهم عن ذويهم وتم إهمالهم وحتى المتاجرة بهم.. حيث تقول إحصائيات الأمم المتحدة بأن حجم الإتجار غير المشروع بالبراعم الأفريقية في غرب القارة يصل إلى أكثر من 200 ألف طفل.
تجنيد الأطفال
فواتير الحروب يدفعها دوما الأبرياء ولا سيما الأطفال منهم الذين لا ذنب لهم ولا حول إلا حظهم السيء في وجودهم ضمن نطاق بؤر الصراع وانتمائهم لدول تتقاذفها رياح وأعاصير التشدد والتطرف وتشتعل فيها نيران حروب من وقودها المدنيين ومنهم الأطفال. وما يحدث الآن في أفغانستان خير دليل على الوضع المزري لأطفال المساكين.
يمنح القانون الجديد الذي وقع في عام 2000م أي استغلال للطفولة وزج الأطفال في النزاعات المسلحة والحروب وفي الأعمال الشاقة الأمل لأطفال العالم.
يقدر «اتحاد وقف استغلال تجنيد الأطفال» بأن هناك ما يقرب من 300 ألف طفل تحت سن الثامنة عشرة قد زجوا في صراعات مسلحة حول العالم .
وقد تم اعتماد بروتوكول «تجنيد الأطفال» من قبل الأمانة العامة في الأمم المتحدة في 25 مايو 2000م وفي نهاية سبتمبر تم توقيع 70 دولة على ثلاث معاهدات لتدخل حيز التنفيذ في بداية 2001م.
ويمثل البروتوكول الجديد خطوة متقدمة على المعايير الدولية السابقة التي كانت تسمح باستغلال الأطفال في سن الخامسة عشرة في الصراعات المسلحة.
وعلى الصعيد الدولي تم رصد تطورات إيجابية في كولومبيا والكونغو. ففي كولومبيا تم في 23 ديسمبر 1999م إصدار مرسوم تشريعي يقضي برفع سن التكليف للخدمة في صفوف القوات الحكومية المسلحة الى سن الثامنة عشرة. وفي نفس العام أعلنت القوات الكولومبية تسريح 980 طفل من هم دون الثامنة عشرة.
وفي الكونغو وقع الرئيس كابيلا بتاريخ 9 يونيو مرسوما يقضي بتشكيل مفوضية وطنية بالتعاون مع لجنة وزارية داخلية لمراقبة ومتابعة تسريح الجنود الأطفال من صفوف القوات المسلحة وإعادة تكامل الجيش الوطني.
نعم .. لحقوق الأطفال:
تحاول «الحركة العالمية لحماية الأطفال» أن تلقي أضواء وليس ظلالا على حقوق الأطفال. وتمثل الحركة مجموعة من القوى العالمية والأشخاص والمنظمات وتقوم بالتفاني وتكريس جهودها لإنشاء عالم يتمتع فيه كل الأطفال بممارسة حقهم والأمان والتحقيق الذاتي.
وتحاول الحركة توحيد وتكاتف الجهود الدولية لتفعيل الوعي تجاه الحقوق للأطفال ويمثل الحركة كل من نيلسون مانديلا وجراسا ماتشيل وهما المتحدثان الرئيسيان للحركة، وهما قائدان ملهمان، ويحاولان قيادة المجتمعات المدنية والشباب والقادة الدينيين والآخرين لتحسين أحوال المعيشة للأطفال في جميع أنحاء العالم وقد بنيت الحركة على أساس المبدأ القائل «بأن الوقت الحالي هو أكثر الأوقات ملاءمة للعمل من أجل الأطفال وأن رفاهية الأطفال والشباب هي أمر أساسي وجوهري ضروري لنمو وتطور الإنسانية». تعقب كارول بيلامي «المديرة التنفيذية لليونيسيف» بنظرة تفاؤلية عن صيرورة حقوق الأطفال قائلة «إن قرنا يبدأ بأطفال لا يتمتعون فعليا بحقوقهم سوف ينتهي بأطفال يملكون الأدوات الفعالة والقانونية والتي لا تنصفهم حقوقهم الإنسانية فقد بل وتصونها».
قامت الحركة في أول خطوة هامة بمناشدة العالم بدعوتهم الى كلمة سواء، كلمة «نعم» من أجل الأطفال، والتوقيع على دعوة التضافر. وهذه الدعوة تتلخص في أنه «مع مولد كل طفل جديد، تتجدد آمال وأحلام الجنس البشري» والترجمة العملية للدعوة تكون ب :
أن تشمل جميع الأطفال بنين وبناتاً ولا تستثني منهم أحدا، وتضع حدا لمظاهر التمييز الممارس ضدهم. وهنا لا بد أن ننوه الى ضرورة الحفاظ على خصوصية كل ثقافة ودين على حدة حيث انه من المتفق عليه أن كل الشرائع السماوية هي خزنة الحقوق على أتم وجها.
وضع الأطفال موضع الأولوية في السياسات الداخلية والخارجية لكل دولة والتأكيد على احترام حقوقهم.
تقديم الرعاية لجميع الأطفال وضمان حسن تمتعهم بأفضل مستويات الصحة التي يمكن الوصول اليها من خلال برامج التطعيم والتغذية وتأمين السكن والمرافق الصحية الملائمة.
مكافحة مرض الإيدز وحماية الأطفال والشباب من الآثار الاجتماعية والصحية المدمرة لهذا المرض.
التوقف عن إيذاء الأطفال واستغلالهم على جميع الأصعدة ووقف العنف والامتهان الممارس ضدهم والاستغلال الجنسي والاتجار بهم.
الاستماع للأطفال والعمل معهم واحترام رأيهم ولا سيما في اتخاذ القرارات التي لها تأثير عليهم وتتماشى مع قدراتهم المتطورة.
توفير التعليم لجميع الأطفال ولا سيما أن يكون التعليم الأولي على الأقل مجانياً وإلزامياً وذا نوعية جيدة.
حماية الأطفال من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة وأهوالها.
حماية الكرة الأرضية من أجل أطفالنا، وحث السياسة الكونية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لصون البيئة وتأمين الأمن للأجيال القادمة.
مكافحة الفقر ووضع استثماراتنا في أطفالنا لضمان غد مشرق وذلك بتفعيل البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي تنتشل الأطفال من هاوية الفقر التي تقوض كل أركان البناء السليم لشباب المستقبل.
وتؤكد كارول بيلامي في دبلن 1997م قائلة «الاستثمار في الأطفال والأمهات هو الكفيل لرفاهية وبناء مستقبل الأجيال القادمة . في الحقيقة الأطفال هم مقياسنا الدقيق للتطور».
ورد في عام 1948م في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان «كل الناس ولدوا أحرارا ومتساوون في الكرامة والحقوق» كما أكد الميثاق على صون الأمومة والطفولة.. وفي الدين الإسلامي الحنيف سمعنا هذه الصرخة تطلق من عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قبل ألف وأربعمائة عام في مقولته الشهيرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».
ذكرت ماري روبنسون «رئيسة المفوضة العليا لحقوق الإنسان» مرة أن «حقوق الإنسان محفورة في قلوب الناس، وهي كائنة هناك قبل أن يخط المشرعون بيانهم الأول عنها».
كما عقب كوفي عنان «سكرتير الأمم المتحدة» على نفس الموضوع قائلا: حقوق الإنسان هي ما يقضي به «يتطلبه» العقل ويطلبه الضمير. هي نحن ونحن هي. حقوق الإنسان هي حقوق يملكها كل كائن بشري.
ونحن كلنا كائنات بشرية : نحن كلنا نستحق حقوق الإنسان بدون هذه الثنيوية لا يمكن لهذه الحقيقة أن تكون». أطفالنا فلذات أكبادنا ونحن ندين للطفولة ولا يجب أن تدان حقوقهم ولنغير العالم والأطفال معنا.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved