أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th November,2001 العدد:10655الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,رمضان 1422

مقـالات

اضحك مع شارون
في زمن البكاء (1 - 2)
رضا محمد العراقي
(إرهابيات) برنامج اثار حفيظة الإسرائيليين وخصوصاً النخبة الحاكمة فيهم.. وهو برنامج يستحق منا التقدير والتوقف قليلاً أمام ما أثاره من ردود فعل غاضبة من النخبة الإسرائيلية.
فهذا البرنامج أخرج وزير خارجية إسرائيل عن دبلوماسيته وراح يهدد ويتوعد قناة أبوظبي الفضائية بل تمادى في وصف المسلسل وقال عنه: انه يحتوي على «تحريض فظيع ولا سامية بغيضة وتشويه متعمد لسيرة شارون، حيث عرض المسلسل بوضعه مصاص دماء الأطفال».
يقوم ببطولة هذا البرنامج «إرهابيات» الفنان الكويتي داود حسين وكتبه الناقد المصري يوسف معاطي، وهو يبحث في الشخصية اليهودية ويفتش في ماضيها وحاضرها وحبها المتعطش لهضم الحقوق واستغلال المواقف دائما لصالحها مهما كانت الوسيلة، وقد سلط البرنامج الضوء على شارون باعتباره أخطر القادة اليهود تعطشاً لسفك الدماء وقتل الضحايا بدماء باردة. حيث صوره في عدد من المواقف التي يشتهر بها اليهود في قالب فكاهي سلب منا الابتسامة على قدر وقاحته وثقل دمه ومواقفه الدموية حيالها.
وفي الحقيقة لسنا هنا بصدد عرض تفصيلي للبرنامج ومحتوياته التي افتعلت جوانب فكاهية في شخصية شارون وأضحكت شعوب المنطقة بأسرها، ولذلك كان الرد اليهودي عليها شديد الغضب والتأثر، وهذا سر نجاح البرنامج والقائمين عليه.
إلا أن بث هذا البرنامج في هذا التوقيت بالتحديد وسط مجريات أحداث الحرب في أفغانستان التي خطفت عقل ولب العالم وأنظاره قد أعاد إلى الأذهان قضية محاكمة شارون ببلجيكا وما تخللها من أحداث جسام!!
ففي جديدها أن القضاء البليجكي قد أصدر مذكرة مثول أمام القاضي موجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيرييل شارون من أجل الحضور إلى بروكسل في 28 نوفمبر الحالي في إطار الدعوى المقامة ضده من قبل 23 شخصاً نجوا من مذابح المخيمين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا بضواحي بيروت.. وسوف تتخذ الغرفة الاتهامية في 28 نوفمبر قراراً حول صلاحيتها للنظر في الدعوى المقامة على شارون بموجب قانون صادر في عام 1993م يعطي المحاكم البلجيكية صلاحية النظر في دعاوي جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية أينما وقعت وأياً كان القائم بها.
في نفس الوقت أقام ستة فلسطينيين آخرين دعوى جماعية بالحق المدني ضد 15 شخصية إسرائيلية من بينها رئيس الوزراء شارون وسلفه ايهود باراك ووزير الدفاع الحالي بنيامين بن اليعازر وقائد الجيش شاوول موفاز قتل أطفالهم أثناء الانتفاضة برصاص الجيش الإسرائيلي وقد أسسوا جمعية (العدل والسلام للشعب الفلسطيني) وقد سبق هذه الدعاوى أن قامت لجنة تحقيق دولية تشكلت عام 1982 للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي إبان غزوها للبنان (وهي لجنة مستقلة شكلها رجال قانون بارزون من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا برئاسة المحامي والسياسي الايرلندي البارز شون ماك برايد الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1974) وبينما تعمل اللجنة في تقصيها للحقائق وقعت أحداث صبرا وشاتيلا فقررت اللجنة اعتبار هذه المذابح ضمن عملها وخصصت لذلك فصلا كاملا لهذه المذبحة في تقريرها النهائي عام 1983م حيث أكدت اللجنة في تقريرها بأن إسرائيل تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانوية عن مذابح صبرا وشاتيلا، وذلك لأن إسرائيل كقوة احتلال كانت تسيطر على منطقة المذابح وبالتالي فهي مسؤولة عن حماية السكان طبقا لاتفاقية جنيف لعام 1949م التي وقعت عليها إسرائيل وأصبحت ملزمة لها.
واستخلصت اللجنة بناء على الحقائق المقدمة إليها والشهود الذين استمعت إليهم في كل من لبنان وإسرائيل وسوريا والأردن وبريطانيا والنرويج بأن إسرائيل ساهمت في التخطيط والتحضير للمذابح ولعبت دوراً في تسهيل عمليات القتل من الناحية الفعلية في الفترة من 16 18 سبتمبر 1982م.
وصنفت اللجنة مذابح صابرا وشاتيلا على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة، وأن مرتكبيها أو المساهمين فيها بأي طريقة من الطرق يتحملون مسؤوليتها فردياً.
مبادئ محاكمات نورمبورغ ..ولعلنا نشير هنا إلى المبادئ القانونية التي تبلورت أثناء محاكمات نورمبورغ للنازيين بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أصبحت بعد ذلك جزءاً من القانون الدولي العرفي التي تنص بأن «القادة والمنظمات والمحرضين والمشاركين الذين يساهمون في صياغة أو تنفيذ خطة مشتركة أو مؤامرة لارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يكونون مسؤولين عن كل الأعمال التي يؤدونها أي أشخاص آخرين تنفيذاً للخطة المذكورة.
وكذلك نضيف إلى ذلك تجربة حادث لوكربي الذي أدى إلى مقتل 276 شخصاً.. واعتبرته بريطانيا وأمريكا كارثة وشكلت لجنة من أقارب الضحايا للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الانفجار وتقديم تعويض لأقارب الضحايا.. وتجدر الاشارة هنا إلى ان ضحايا صبرا وشاتيلا بلغ حوالي 4 آلاف فلسطيني بالاضافة إلى الجرحى الذين مازالوا يعانون من عاهات نفسية وجسدية حتى الآن.
كما نشير إلى تجربة ملاحقة الرئيس التشيلي السابق بينوشيه (الذي كان حليفاً للغرب في مواجهة الشيوعية أثناء الحرب الباردة) بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان ابان فترة حكمه مما أسفر عن اعتقاله في بريطانيا بعد مطالبة اسبانيا
وتجربة الرئيس اليوغوسلافي السابق ميلوسوفيتش وتسليمه للمحاكمة في لاهاي.
إضافة إلى تشكيل محاكم دولية خاصة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في كل من رواندا ويوغوسلافيا.
***
إن ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة لبرنامج (إرهابيات) هي توصيف للحالة التي باتت عليها إسرائيل من أنها ترتكب الجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية بدم بارد وبضمير تعطلت أجهزته.
هذا الشارون فقد إنسانيته وتبلدت بشريته وتحجر قلبه وراح يقتل بشهوانية محبة للقتل وعيون عطشى لدماء الضحايا.. فسلك هذا الطريق وهو في العسكرية وانتهجه وهو في السياسة وتساوى معه الأمرين فلا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة الرصاص ولا يرضيه إلا منظر واحد دماء ضحاياه.. هذا الشارون أقل ما يفعل به هي محاكمته بجرائمه التي اقترفها وستكون وحدها سبب الخلاص البشرية منه ومن أمثاله مثل ما تخلص العالم من قبل من هتلر وموسيليني وغيرهما!!
فقط نحتاج إلى تفعيل هذه القضايا التي رفعها الناجون من مذابحه وعلى المحامين العرب والمنظمات غير الحكومية في كل أنحاء الوطن العربي أن تساهم بدورها في تسيير إجراءات المحاكمة والوصول بها إلى نهايتها إن شاء الله.
كلمة أخيرة: شكراً لقناة «أبو ظبي» الفضائية التي استفزت هذا الارهابي وأخرجته من بروده المعهود، كما حققت معنا ان نجمع النقيضين بأن نشاهد البرنامج فنضحك على شارون وننظر لنشرة الأخبار بعدها فنبكي على أفعال شارون وجرائمه.. فهذا الضحك جاء في زمن البكاء!!

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved