أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th November,2001 العدد:10655الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,رمضان 1422

الثقافية

قصة قصيرة
بعيد عن العين.. قريب من القلب
بهدوء انساب بسيارته الى داخل المقبرة..
فتح نافذة السيارة فلفحه هواء ساخن، لم يكن الظلام دامسا، هذا الامر سمح لعينيه الحمراوين ان تتابعا ارقام صفوف القبور ببرود..
عندما وصل الى جهة القبور الجديدة أوقف السيارة، وفور نزوله شد انتباهه قبر معين، اقترب منه وهو يتأكد من الارقام فاذا هو القبر الذي يبحث عنه.. عندما وصل الى القبر أغمض عينيه وشرع في الصلاة على الميت، وما ان انتهى وكشخص قد خطط لما يفعله، ادخل بسرعة يده الى جيبه واخرج ورقة كان قد كتب فيها بعض الأدعية وبدأ في قراءتها.
بعد أن انتهى ووفقا لما خطط له كان يفترض منه ان يغادر المكان ولكن جوارحه خانته..
أخذت عيناه تحدق في القبر الذي تجنب النظر اليه، اما قدماه فتسمرتا في الأرض رافضتين المسير، وعندما ارتسمت صورة معينة على القبر كان هذا اكبر من مقاومة لسانه.
«بصوت مبحوح ومنخفض»: أبو حميد.
يسكت..
إن شاء الله يكون هذا مكانك.
يداه ترتعشان..
أنا أخذت الوصف من فهد، وأنت عارف فهد «نكبه».
يبتسم ابتسامة صفراء لم يتعود على استخدام لغة الحوار الجادة ومع احمد بالذات أخذ يتلفت كشخص غير راغب في متابعة الحوار..
«معليش ما حضرت الجنازة، أنا قلت أجي بعدين عشان ناخذ راحتنا في الكلام».
فرت دمعة من عينه، ولكنه ما زال مبتسما.
«ايه وش فيه اخبار».
«أنا من جهتي ما عندي شي جديد، بصراحة لي كم يوم ما شفت أحد».
بدأت قدماه بالارتجاف، احس انه اقترب من الانهيار، اراد ان يفعل اي شيء او يقول اي شيء ليخرج من هذا الموقف.
«بكرا الهلال بيلعب النهائي، طبعا عندك فكرة بما ان حنا شايفين مباراة دور الاربعة سوا».
ضحك ضحكة سريعة.
وقال بصوت متهدج.
«وعلى فكرة، ترى ما اقدر اشوف المباراة عندك لاني مرتبط».
وما أن نطق بآخر حرف حتى خارت قواه وجثا على الأرض، أخذت يداه تمسكان بالحجارة الصغيرة التي فوق الأرض بعنف، وأخذ يبكي كالأطفال.. كان هذا الموقف أقوى من صموده الذي تمسك به، ومن الأغلال التي قيد بها مشاعره، ومن هدوئه الذي اشتهر به.
أخذ يصيح:
ليه يا احمد:
ليه يا احمد.
ليه.
سمع بعض الجلبة خلفه وصوت باب يفتح، فالتفت فإذا بشخص قادم، يبدو ان صراخه ايقظ الحارس.
انتصب واقفا واخذ يرتب ملابسه وقال معلقا على إيقاظه للحارس:
«الظاهر اني أسأت الأدب».
يمسح دموعه بكمه ويستطرد:
كالعادة.
يضحك.
الحارس يقترب أكثر، اراد ان ينهي اللقاء قبل وصوله.
ولكن ماذا يقول: كل العبارات والجمل التي يعرفها كانت اقل من ان يختم بها لقاء كهذا.. وبحركة لا ارادية نظر الى القبر، بدأ يتراجع ولكنه لم يبعد نظره عن القبر.. أغمض عينيه كي لا ينظر الى القبر ثم اشاح بوجهه واسرع الخطى الى سيارته ولم يلتفت الى الخلف ابدا.
سمع الحارس يصرخ ببعض الكلمات الا انه لم يهتم، ركب سيارته وانطلق خارجا من المقبرة.
بعد خروجه، وتحت أنوار الشوارع لاحظ بقعا من الدم على يديه وثوبه، نظر الى يديه فإذا بجرح في احداها جراء احتكاكها بالحجارة، التفت الى الخلف ليأخذ علبة المناديل، لكنه لم يفعل، رفع يديه الى وجهه ونظر الى الجرح بتمعن، وضع يديه على المقود واكمل المسير.
زياد
www.sabborat.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved