أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th November,2001 العدد:10655الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,رمضان 1422

شرفات

جنون الاستهلاك.. خطأ الآباء أم جور الأبناء
* استطلاع سلمان العواد:
في السنوات التي شهدتها المملكة خلال وبعد الطفرة التنموية.. ساد سلوك استهلاكي عام في كافة مناطق المملكة ومن مختلف الفئات العمرية وفي جميع المجالات.. فيما مرد ذلك؟
هل يعود ذلك لطبيعة التركيبة الاجتماعية التي تجد جذورها في خصلة الكرم وحب التحلي او التظاهر بها.. وأن النزعة الاستهلاكية تناغم مع هذا الموروث؟
هل يعود الى العكس من ذلك، أي الى حالة تعويضية عن المعاناة النفسية التي عايشناها او عاشها الآباء أيام الندرة وشح الموارد وضيق ذات الحال؟
هل يعود ذلك الى استنساخ السلوك العصري وتقليد أعمى وحسب؟
أم يعود الى غير ذلك؟
هذه الأسئلة وسواها بحثناها وتأملناها ثم وجهناها الى عدد من الأساتذة والشباب..
وكانت البداية مع..
الدكتور حمد التويجري عضو هيئة تدريس كلية العلوم الإدارية جامعة الملك سعود قسم اقتصاد، حيث أجاب قائلاً: يمكن تفسير السلوك الاستهلاكي العام في المملكة العربية السعودية الذي يتسم بالمغالاة في الاستهلاك بعدة عوامل أهمها المحاكاة حيث انه جرت العادة عند البعض على الانفاق بصورة كبيرة خلال المناسبات مثل الأعياد او خلال شهر رمضان او في الاجازات الرسمية. ويؤثر هذا السلوك على الكثير من المواطنين الذين يسعون الى تقليد الآخرين في سلوكهم الانفاقي خوفاً من نظرة الآخرين التي لا تفرق بين البخل وعدم الإسراف.
كذلك فإن هناك تأثيرا اجتماعيا حول ثقافة الادخار حيث يرى الكثير من الناس بان الادخار يعني البخل وهو عادة مذمومة بينما يرتبط الإسراف في الانفاق بخصلة الكرم وهي عادة حميدة يتفاخر بها العرب منذ زمن قديم. وقد يرجع النمط الاستهلاكي السائد الذي يعتبر نتاجا من نتائج الطفرة التنموية وارتفاع الدخل في المملكة العربية السعودية الى الشعور بان الدخل دائم وانه على الانسان ان ينفق ما بيديه وعلم الغيب عند الله. وأخيراً لا ننسى تأثير أفراد العائلة على قرارات رب العائلة عند القيام بالاستهلاك.
ثم أضاف الدكتور التويجري الأثر السيىء لهذا السلوك على الاقتصاد الوطني اذ يرى ان ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك «نسبة الاستهلاك من الدخل» يعني انخفاض الميل الحدي للادخار الذي يعتبر ركيزة تعتمد عليها الاستثمارات المستقبلية مما يعني استمرار اعتماد الاقتصاد الوطني على الانفاق الحكومي الذي يتأثر كثيراً بما يحدث في الأسواق النفطية. كذلك فإن جزءاً كبيراً من الاستهلاك هو استهلاك للسلع الأجنبية مما يعني زيادة في حجم الواردات وبالتالي خروج العملات الصعبة الى الخارج ومن ثم التأثير السلبي على ميزات المدفوعات. ويمكن رؤية هذه الزيادة في الواردات من خلال البيانات الرسمية التي توضح النمو الكبير في حجم الواردات.
في حين ترى الاستاذة هيا اليحيى استاذة علم الاجتماع في كلية الآداب، ان هذه الظاهرة تعود الى عدة أسباب:
أولاً: الطفرة.. فلقد كان الناس عندما جاءت الطفرة يستهلكون بكل اتجاه لكي يعوضوا النقص والحرمان الذي كانوا عليه، ومن ثم زالت هذه الطفرة ولكن للأسف زاد الاستهلاك حتى اصبح الفرد منا لا يستطيع ان يتحكم بعملية استهلاكه. التي ترتب عليها عدة مشاكل منها «كثرة الديون، الأقساط»، وذلك من أجل ان يبقى الحال كما هو عليه، ناهيك عن الانفتاح الذي حصل للمجتمع إثر الطفرة.
ثانياً: الأسرة.. وهو أهم سبب في هذه الظاهرة لأنه عندما نرى الوالدين يجلبون أكثر من الحد المستهلك حقيقياً، ويقدمون لأبنائهم أكثر مما يحتاجونه وبخاصة الكماليات.. فهم بذلك يزرعون فيهم نزعة اللامبالاة بالصرف التي تؤدي الى اللامبالاة في الاستهلاك.
ثالثاً: المدرسة.. التي لا نرى لها أي دور الآن في عملية التوجيه والتربية، واكتفت بالجانب التعليمي فقط.
رابعاً: الإعلام.. وللأسف اعتقد ان الإعلام قد زاد من هذه العلة لأنه انشغل بالإعلانات وبرامج الشعر والغناء والحفلات والسمرات والرياضة، التي لا تسمن ولا تغني، متناسياً دوره التربوي.
خامساً: الدين.. وهذا سبب في غاية الأهمية.. فالبعد عن مثل احكام وتوجيه القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم. التي تحثنا على عدم الاسراف وعدم الانغماس في مغريات الدنيا وغيره من النظم والقيم الدينية الثمينة، له الاثر العظيم فيما يحدث من مبالغة في الاستهلاك.
سادساً: الطبيعة.. حيث طبيعة سكان المملكة التي تتميز بحب الظهور والتفاخر بأي طريقة كانت.
أما الأستاذة لولوة السديري محاضرة في جامعة الملك سعود قسم الاقتصاد، فإنها ترى ان السلوك الاستهلاكي العام الذي نشاهده الآن في كافة مناطق المملكة وللأسف ليس في فئة معينة بالذات بل في مختلف الفئات العمرية ويكاد يكون في كل المجالات. لا يمكن ان نرجعه او ننسبه الى حالة تعويضية من المعاناة النفسية التي عانى منها الاجداد ايام الندرة وشح الموارد، لان الطفرة التنموية السابقة بما عكسته من رخاء وسعة عيش اشبعت هذا الخواء النفسي السابق في نفوس الجميع تقريباً بحيث لم يعد هناك مجال للعقد النفسية او لعملية التفريغ النفسي من خلال الاستهلاك.
وتضيف الأستاذة لولوة: في الحقيقة نحن نرجع هذا السلوك الى طبيعة التركيبة الاجتماعية التي فرضت على الكثير حب التظاهر او مجاراة السلوك الاجتماعي السائد بحيث لم يعد ينظر الفرد الى ما يستهلكه بقدر ما ينظر الى الناحية المظهرية المرضية له اجتماعياً الى درجة اختلط فيها الكرم الأصيل بهذه النزعة فلم نعد نفرق بينهما بوضوح.
خوف الآباء من الماضي
أما الأستاذة فوزية الفيفي، معلمة حاسب آلي.. ترى ان الله سبحانه وتعالى قد منّ علينا بهذه النعم العظيمة والجليلة التي لا يستحق جزاءها إلا الشكر والثناء، ولكننا لم نعط هذه النعم حقها من العون والحفظ بل استهلكت بكل المجالات وبصورة شدت الانظار اذا كان فيها الاستهلاك بوجهه المشروع المطلوب حيناً او إفراط بغير أهداف موضوعة في أغلب الأحيان، فالاستهلاك هنا سواء في «ملبس، غذاء، بناء، ترفيه» أصبح فوق ما يجب ان يكون عليه ولعل هذا نشأ من تقصير في توجيه الآباء الذين عاشوا فترة من الزمن في الفقر وعانوا من ألوانه ووطأته الكثير ثم جاءت الطفرة التي دفعتهم حباً بأن ينسوا ذلك الماضي وان ينشئوا ابناءهم على أحدث ما يكون عليه الزمن من تكنولوجيا وتطور حتى تعدوا في ذلك الحدود فلم يحفظوا الحقوق ورفضوا كل الرفض ان يشعر ابناؤهم ولو بقليل مما عاشوا، فأصبحوا ينفقون الأموال على كل ما هو جديد في مساوئه ومحاسنه الذي أدى الى جور في الاستهلاك من دون أي حساب أو رقابة حتى افقدوا ابناءهم الشخصية والاستقلالية وانتقل بهم الحال الى التقليد الأعمى، الذي نرتبه كسبب آخر لشدة الاستهلاك.
غياب الوازع الديني
في حين علق الأستاذ سعود العصيمي موظف في مركز التأهيل المهني للمعاقين وطالب علم اجتماع جامعة الملك سعود.. على هذه الظاهرة حيث قال: إنني اشفق على ان ذلك يعود الى الاسباب السابقة، أي الى انها حالة تعويضية لأيام الفقر والجوع وتناغم مع خصلة الكرم وحب الظهور وتقليد أعمى ولكنه اضاف ايضاً: ان غياب الوازع الديني له أثره الواضح في هذه الاشكالية.
مسايرة المجتمع
أما الطالب عبدالعزيز الشدوخي.. معهد الإدارة العامة عقب قائلاً: لا اعتقد ان لخصلة الكرم دورا في هذه الظاهرة ولكن هناك من يستخدم هذه الخصلة لتبرير ما يفعله من استهلاك. ويرى أن السبب في هذه الظاهرة يعود الى الطفرة التي جاءت للمجتمع بعد أيام الفقر والجوع، وان ما نراه اليوم من استهلاك في جميع المجالات ما هو إلا تبعات تلك الطفرة ومخلفاتها التي ندفع نحن ثمنها تحت مظلة مسايرة المجتمع، ومواكبة العصر ومتطلبات الحياة.
وللحد من هذه الظاهرة يرى الأستاذ عبدالعزيز.. انه يجب تكاتف المجتمع بدءاً بالأسر مروراً بالمدارس والجامعات في ظل وجود أعلام واعٍ بهذه الظاهرة.
الدلع والتمرد
وعلق الطالب محمد الدخيل في المرحلة الثانوية.. قائلاً: ان الآباء الذين حالتهم المادية جيدة هم السبب في ذلك لأنه عندما يوفر لابنه جميع ما يحتاجه من أساسيات وبشكل كبير جداً فهو يزرع فيه التدليل والدلع الذي يدفعه الى التمرد على هذه النعمة ولا يصبح أي شيء يملأ عينه، وبالتالي يجعل الأبناء التي حالة أسرهم «المادية» متدنية ان يفعلوا أي شيء حتى يكملوا هذا النقص الذي يشعرون به، وهكذا.. هذا يزيد بالدلع والتمرد، وذاك يزيد شعوره بالنقص محاولاً التغلب عليه بأي وسيلة.. ثم علق قائلاً: ان هذه المشكلة كبيرة وطبيعية ولا يمكن حلها. هذه بعض ملامح ظاهرة الاستهلاك التي بدأت تزيد وتتفرع و بدأت ترهقنا وتدمرنا ولم نحسم أمرها فتعددت الأسباب من محاكاة وطفرة وتربية وإعلام ودلع ومواكبة للعصر ومتطلباته وعدم مراعاة الدين، كما أرجعها أولئك الذين استطلعنا آراءهم ومع هذا فمازالت الظاهرة طاغية الوضوح ومتعددة الأسباب ربما لكي نجعلك عزيزي القارئ تشاركنا في همومنا ومشاكلنا التي هي همومك ومشاكلك قبل ان تشاركنا في استطلاعنا.. منتظرين منك تعقيباً او اضافة مستعدين لسماعه ونشره.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved