أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st December,2001 العدد:10656الطبعةالاولـي السبت 16 ,رمضان 1422

مقـالات

كيف نصحح النظرة إلى الإسلام والمسلمين «2»
د. عبد الله بن سالم الزهراني
كنت قد أشرت في الجزء الأول من هذه المقالة إلى تسامح الإسلام ورغم ذلك فقد تعرض الإسلام والمسلمون إلى نوع من الهجوم ومحاولة التشويه للإسلام ومعتنقيه بعد الهجوم الإرهابي على أمريكا، وكيف أن طالبان اسهموا بتصرفاتهم وغلوهم وتشددهم وتعنت آرائهم في ذلك التشويه وكيف أن الغرب لا يصرحون في صلواتهم ولا يظهرون بشكل علني الكراهية للمسلمين.
إن هذا لا ينفي عدم الكراهية من البعض وربما من الكثيرين منهم سواء أكانوا ساسة أو شعوباً، للمسلمين والإسلام ولكن في نفس الوقت لا يثبت عليهم الكراهية للمسلمين ودينهم ولكن هذه الكراهية من النادر أن تلحظها بالتصريح العلني إلا عند تأزم المواقف وبالذات المواقف الكبيرة مثل الهجوم الإرهابي على أمريكا حيث تعالت الأصوات المعادية ضد الإسلام والمسلمين في محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب. إلا أن تلك العاصفة هدأت وبدأ التوازن يعود وبدأت التصريحات تتغير وتنفي ذلك الربط.
وحتى لو كان ذلك التراجع ظاهريا فإنه من الطرق السياسية التي لا بد من ممارستها في مثل تلك الظروف والنظر إلى المصالح العليا التي لا تفيدها العداوة العقدية والتصريح بها.
إنه من الصعب أن تجد ممسكاً على الغرب في عمومه بممارسات أو قوانين علنية معادية للمسلمين والإسلام ولكن من السهل على العديد من المسلمين وبالذات الشعوب وصف مواقف الغرب تجاه قضايا تهم العرب والمسلمين بأنها مواقف عدائية مسيحية.
إن عدم وصف أنفسهم بالمسيحية لا يعني التخلي عنها، فالكنائس منتشرة والدين المسيحي يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأتباع.
إن على مفكري العالم الإسلامي ومن أعطاهم الله التمكن من ناصية التفقه في الدين أن يكون لديهم سعة أفق وحكمة في كيفية التعامل مع غير المسلمين. أعتقد أن هذه الحكمة تعني ممارسة الجانب السياسي الذي يجذب ولا ينفر ويقرب ولا يبعد وذلك بعيداً عن الغلو والتشنج والعداوة العلنية بالسباب والدعاء عليهم بشكل علني ومكشوف.
إن ذكري للدعاء على النصارى واليهود جاء من خلال قراءتي لما نشر في جريدة الواشنطن بوست قبل أسابيع من أن الأئمة في المساجد يدعون على المنابر على اليهود والنصارى بالهلاك وبالتحريض على العداوة ضد المسيحيين واليهود وقد يكون ذلك موجوداً في دول إسلامية عديدة. على كل حال الدعاء والتضرع لله سنة ولكنني لا أعرف مدى السنية في الدعاء على اليهود والنصارى فهذا لا يفتي فيه إلا الراسخون في علم الدين الإسلامي.
الذي أعرفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عندما اشتد به الأذى والكرب من كفار قريش لم يدعُ عليهم وإنما قال: (اللهم اهدِ قومي)، إن اليهود والنصارى ليسوا قومنا ولكن بالإمكان أن يصبح منهم مسلمون ويجوز للمسلم أن يتزوج منهم ويجوز أن يأكل من أكلهم ويشرب من شربهم إلا ما حرم الله وكل يوم نسمع عن إسلام العديد منهم.
فهل من الممكن أن يكون هناك دعاء يقول: اللهم اهد المسيحيين واليهود إلى الإسلام بدلا من الدعاء عليهم؟ هل من الممكن الدعاء بأن يكونوا سنداً للمسلمين وليس عوناً عليهم؟ ألا يكفي القول والدعاء بهلاك أعداء الإسلام والمسلمين دون ذكر لديانات معينة؟.
إنني منذ الصغر كنت أسمع الأئمة يدعون ويقولون: «اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين». ثلاث مرات متتالية أثناء خطبة الجمعة وهذا دعاء جيد أعتقد أنه يغني عن الدعاء بهلاك اليهود والنصارى لأن مثل هذا الدعاء على الأعداء بشكل عام فيه دبلوماسية شديدة وفيه شمولية أيضا وليس فيه ممسك ولا يتيح للواشنطن بوست ولا غيرها الصيد في الماء العكر واستغلال مثل ذلك الدعاء في التحريض ضد المسلمين والإسلام.
لم تكتف الواشنطن بوست بذلك بل ذكرت أن هناك كتيبات توزع في البقالات وفي كل مكان تدعو إلى عدم السفر إلى غير ديار المسلمين إلا لحاجة ملحة وضرورية وبالتالي فإن السفر إلى تلك البلدان حرام.
لقد استغل الحاقدون على الإسلام والمسلمين ذلك القول وفسروه بأنه موقف عدائي ولم يفسروه بأن مثل تلك الكتيبات هي من باب التحذير مما قد يواجهونه من مشاكل أمنية أو مالية.
أعتقد أن فقهاءنا في العالم الإسلامي بإمكانهم إيصال هذه الرسالة لمن يرغب السفر بطرق أخرى أو على الأقل بالتوجيه للمسافر بأن يكون سفيراً وداعية للإسلام بقدر استطاعته.
إنه من الصعب تصنيف ضرورات السفر وتحديد مفاهيم لها وفي نفس الوقت من المفترض ألا يصدر فتوى دون أن يكون لها متابعة وتطبيق وإجراء دراسات.
الحقيقة أنني لم أطلع على مثل هذه الفتوى إذا كانت موجودة ولا الكتيبات الموجودة فيها وفي نفس الوقت لم أسافر إلى بلد غير مسلم إلا لضرورة وأحسب أن الكثيرين مثلي في هذه الحالة.
إن السفر قضية في حد ذاته وأهدافه وأغراضه تختلف ويحتاج الأمر إلى دراسة وإلى مؤلفات وإلى مواقع على الشبكة الإلكترونية لتوضيح كثير من الأمور ولكن ليس بشكل يؤخذ فيه على الإسلام والمسلمين.
إن علماء الدين بحاجة إلى التحرك في هذه الأيام وفي كل الاتجاهات للدفاع عن الإسلام وإبراز الجوانب المشرقة عبر تاريخه الطويل وهذا التحرك لا يتحقق بالانكفاء على الذات وإصدار النشرات والكتيبات في الداخل. إن سكان الداخل من السهل عليهم تلقي المعارف الدينية في المدارس والجامعات، لأن المناهج الدينية تشكل صلب المناهج في التعليم العام في المملكة وهي متطلبات جامعية حيث لا بد للطالب أن يدرس الثقافة الإسلامية في أي جامعة سعودية يدخل إليها ولا بد أن يجتاز تلك المواد بالإضافة إلى المحاضرات والندوات والدراسات الشرعية المتخصصة الجامعية والعليا.
نحن بحاجة إلى التوجه بشكل كبير تجاه البلدان غير الإسلامية خاصة بعد أن استغل البعض الحوادث الإرهابية الأخيرة في الولايات المتحدة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين والربط بين الإسلام والإرهاب. لا يكفي أن نستنكر ونشجب وننفي ما يقال عن الإسلام من أقاويل تشويهية بل لا بد من توضيح ذلك بالفعل والعمل الدؤوب وذلك من خلال زيارة الجامعات وإلقاء المحاضرات وتفعيل دور المراكز الإسلامية التي كلفت مئات الملايين من الدولارات لا لتكون فقط لأداء الشعائر التي هي شيء أساسي وإنما لتكون أيضاً منابر للدعوة إلى الإسلام وموضحة الشكوك والشبهات التي تدور حول الإسلام وتفنيدها ودحضها.
يجب ألا نرسخ فكرة كراهية اتباع الأديان لبعضها دون أن نبدي سماحة الإسلام وحسن تعاون وتعامل اتباعه مع الأجناس البشرية بمختلف أعراقها وألوانها ليس فقط فيما بين معتنقيه وإنما مع غير معتنقيه.
ولابد أن يقترن ذلك بالفعل من خلال الدعوة والقدوة في التعامل.
أحسب أن الدعوة إلى الدين الإسلامي تحتاج إلى تدريس ليس فقط في التفقه في الدين والتعمق في فهم أحكامه وإنما في طريقة الإقناع والتخاطب. إن طريقة الإقناع والتخاطب فن رفيع وخطوة أساسية لتحقيق الاتصال الإيجابي والنتائج التي يسعى إليها الداعية.
قد يكون لدينا فقهاء وعلماء كثر في الدين الإسلامي في كل دولة من الدول الإسلامية ولكنني اعتقد ومن وجهة النظر الشخصية البحتة أن العالم الإسلامي يفتقر بشكل عام إلى الدعاة المتمكنين والقادرين على إرسال رسائلهم عن الإسلام وإيصالها بطريقة مفهومة ومقنعة.
إنه وكما لا يستطيع أحد أن يترجم من لغة إلى أخرى إلا بفهم اللغتين المترجم منها والمترجم إليها. فإن أحدا لا يستطيع أن يقنع أحدا بالتحول عن دينه إلا بفهم الدينين وفهم بلاغة اللغة للجانب الآخر ليتم طرح وعرض الأفكار عن الدين الإسلامي بشكل منطقي وفي سياق مقنع خاصة عند محاورة المثقفين وذوي الشأن في البلدان.
إن الدين الإسلامي ليس فقط ديناً يعرض على المسحوقين والفقراء والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة كما أن الدين الإسلامي هو للناس جميعاً، ولو تم عمل إحصائية عمّن تم إسلامهم خارج البلدان الإسلامية لوجد أن أغلبهم ليس لهم ذلك التأثير الكبير في مجتمعاتهم سياسياً أو اقتصادياً.
ورغم أنه لا ضير في ذلك وأن الإسلام يتسع للجميع إلا أن الدعوة للإسلام لا بد أن تستهدف كل شرائح المجتمعات ولكن لا بد من امتلاك أدوات نشر الدعوة الإسلامية لغير المسلمين.
إن الدور في توضيح تسامح الإسلام ودوره الحضاري ليس قاصراً فقط على الدعاة كما أن هذا التوضيح ليس بالضرورة أن يكون مقروناً بالدعوة إلى الإسلام للغير ولكن يمكن توضيح ذلك للمجتمعات من خلال المثقفين بوسائل عديدة مختلفة وبالذات من خلال وسائل الإعلام المختلفة والدفع على ذلك بسخاء وكذلك من خلال اللقاءات والمؤتمرات والندوات في الجامعات والمنتديات المختلفة.
كما أن الدعوة إلى الإسلام وتوضيح دور الإسلام وبأنه دين حضارة وبناء ليس مسؤولية بلد إسلامي واحد ولكن مسؤولية كل بلد إسلامي.
إن في كل بلد أوربي آلاف المسلمين بل يصلون أحياناً إلى الملايين قدموا من دول إسلامية عديدة كما أن الكثيرين منهم من المتمسكين بدينهم الإسلامي والفخورين به.
وجسدوا ذلك ببناء المساجد والظهور بالمظهر الإسلامي في لبسهم وانتشار مطاعمهم ومحلاتهم التجارية التي تشير إلى وجود الأكل الحلال.
صحيح أن المسلمين بشكل عام يواجهون إشكالية وجود أماكن في العديد من المدن لبناء المساجد وذلك من بلديات تلك المدن التي تمنع بناء مساجد إلا بشروط معينة في تصاميم البناء وفي المساحة وفي المكان مما يدفع بالمسلمين إلى استئجار منازل أحيانا وتحويلها إلى مساجد أو شراء منازل وتحويلها بصورتها التي هي عليها إلى مساجد ولكنها ليست مهيأة ولا مرضية ولكن للضرورة أحكام.
وقد أسهمت المملكة العربية السعودية بشكل خاص وبدعم وتوجيه من خادم الحرمين ببناء المراكز الإسلامية والمساجد في العديد من المدن في الدول الغربية التي تستوعب الآلاف من المصلين.
ولا شك أن ذلك أسهم في حل الكثير من الإشكاليات المتعلقة بأماكن بناء المساجد.
ورغم وجود بعض من تلك الصعوبات في الأماكن المهيأة للصلاة إلا أنه ومن خلال تجربتي الشخصية ليس هناك في الدول الأوروبية ما يعيق عن ممارسة الشعائر الإسلامية حتى في الجامعات.
عندما يطلب الطلبة المسلمون مكانا لأداء صلاة الجمعة فيها فإن كثيرا من الجامعات لا تمانع رغم انها تستخدمه لأغراض أخرى في الأيام الأخرى وهذا في اعتقادي عمل جيد.
لكن الملاحظ أن هناك إشكاليات ذاتية في المسلمين أنفسهم حيث إن هناك انقسامات بين المسلمين داخل تلك البلدان وكأنهم بذلك ينقلون تلك الانقسامات الحاصلة بين بعض البلدان الإسلامية.
ولعل الوقت قد حان لمحاولة تلافي تلك الانقسامات بين المسلمين في البلدان الأوربية ومحاولة التوحد حتى وإن اختلفت وجهات النظر في معالجة بعض القضايا.
إن ما حدث من مواقف تجاه المسلمين بعد حوادث الإرهاب على الولايات المتحدة لم يفرق بين المسلمين حسب انقساماتهم وإنما كان التعامل على أساس أنهم مسلمون بغض النظر عن تلك الانقسامات فلماذا لا تكون هذه الكلمة التي هي الإسلام موحدة بمعناها الحقيقي والسعي إلى الربط بين الجماعات والتجمعات الإسلامية في تلك البلدان وتوحيد الكلمة في توضيح دور الإسلام والذود عنه ودحض الافتراءات التي ظهرت وراجت خلال الأسابيع الماضية؟
zahi2000@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved