أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st December,2001 العدد:10656الطبعةالاولـي السبت 16 ,رمضان 1422

مقـالات

الإيمان العلمي:من الإيمان العلمي بالواقع المغيَّب
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
من الايمان العلمي بالغيب الايمان بوجود الله بصفات الكمال، وللايمان بالله ثلاثة عناصر لا يكون المسلم مؤمنا بالله بدونها.
أولها: معرفة الله ربا: بأنه خالق الوجود، وان له الأمر لا معقب لحكمه، وان كل ما سوى الله مخلوق مربوب مفتقر الى ربه.
وثانيها: معرفة الله بتحقيق اسمائه وصفاته، وهذه المعرفة تفسر وتؤكد المعرفة السابقة، فمن نزه ربه من صفات النقص، وآمن بأن له الكمال المطلق في اسمائه وصفاته: فقد سهل عليه تصور توحيد الربوبية.. ويدخل في تحقيق اسماء الله وصفاته الايمان بكمال الشرع وعصمته وصدقه وعدالته وحكمته.. لأن من رد مسألة من مسائل الشرع اليقينية فقد ارتد في ايمانه بأسماء الله وصفاته.
وثالثها: معرفة الله إلها، وهذه المعرفة ثمرة للمعرفتين السابقتين، فمن علم بأن الله هو الرب لا رب غيره، وان له الكمال المطلق: توجب عليه بمقتضى المنطق والحس كما هو مقتضى الشرع ان يتعبد لله بكل ما يحبه الله من فعل وترك، وألا يصرف شيئا من عبادته لغير الله.. ان من عرف الله حق معرفته، وعرف نقص المخلوق ومحدوديته: آمن بالواقع المغيب، الموصوف بالخبر الشرعي، المغيب عن الحس البشري مثل الدجال.. وسيعلم بالبداهة حقيقة كل دجال : سواء أكان الدجال المعيّن الصفات الذي يخرج آخر الزمان، أم كان أي دجال بعموم المدلول اللغوي والشرعي الذي يوجد في كل عصر ومصر.. وكل شعار وراءه ايدلوجية فكرية، او محفل اجنبي، او سلطة دولة عظمى، او مغالطة بقضية وطنية او عرقية وهو ضد قيم الشرع متظاهرا بدعايات العدالة والمساواة والحرية: فهو من باب الدجل والشعوذة الذي يحذره المسلم، ويحذّر منه: ان خدش تصور المسلمين في توحيدي الربوبية والاسماء والصفات، او نال من سيرتهم بمقتضى توحيد الالوهية.. وكل ما صنفه مفكرو علماء المسلمين اليوم تحت باب الغارة على العالم الاسلامي فهو من باب التحذير من الدجل، ومن باب تذكيرهم بفتن آخر الزمان.
وثمة ملحظ ضروري آخر وهو ان الذكاء البشري وقوة الفكر: قد يكون فتنة ونقمة، وقد يكون نعمة ورحمة، فذكاء ابن الراوندي وابي العلاء وابراهيم النظام من باب الفتنة والنقمة، وذكاء محمد بن ادريس الشافعي وابي محمد ابن حزم وابي العباس ابن تيمية رحمهم الله من باب الرحمة والنعمة.. والفارق بين الامرين ان ذكاء ابن الراوندي وجماعته ذكاء من انبهر بحيوية العقل وجبروته، ونسي ان العقل مخلوق من مخلوقات الله «كالسمع والبصر» يدركه الكلال والنقص وفساد التقدير، فهؤلاء الّهوا عقولهم، واغتروا بها، ونسوا العناية الالهية التي تعصم العقل من الضياع.. اما ابن تيمية وجماعته فلم تبهرهم حيويتهم الفكرية، لعلمهم بأن عقولهم بضعة منهم مخلوقة مثلهم.. وايمانهم بالله «ربوبية وألوهية وأسماء وصفات» درب عقولهم على الاعتصام بهداية الشرع، ثم وجدوا في دين ربهم أن الله يحضهم على الانتفاع بعقولهم تفكرا وتدبرا وحكما وتمييزا، فاستعملوا عقولهم بتأمل فكري جبار منطلقين من ضرورات الدين ومسلماته، فرأوا في انكار الشرع محالا، ورأوا في الايمان ببعض مسائل الشرع محارا لا محالا، فأخذوا بحجز الملاحدة، وبينوا لهم محالات الالحاد.. كما جندوا عقولهم في كشف ما يحار فيه قاصر التفكير، فكانوا في ردهم على الملاحدة أعظم عبقرية وموهبة، وكانوا في فهمهم للدين أدق استنباطا وأحسن تأتيا، وكانوا في اذعانهم لحقائق الغيب الأنموذج الفذ للعبودية لله والاخبات له.. وهكذا يجب ان يكون دور العقل البشري في عصرنا الراهن الذي زاد فيه غرور العقل وتمرده.
وأسماء الله وصفاته توقيفية.. ومعنى توقيفية ان اطلاقها على الله موقوف على الاذن من الله بالنص الشرعي في القرآن الكريم والسنة المطهرة.. ونتيجة هذا المعنى ألا يسمى الله ولا يوصف الا بما سمى ووصف به نفسه، وما وُصِف به ربنا جل جلاله أو سُمي به مما لم يرد به نص فيُردّ اطلاق اللفظ، وأما معنى اللفظ فينظر فيه بمقتضى حكم الشرع.. مثال ذلك الجسم نمنع من وصف الله بأنه جسم من ناحية اطلاق لفظ الجسم.. أما المعنى فنسأل الذي أطلق لفظ الجسم عن المعنى الذي يريده؟.. فان أراد بمعنى الجسم ان الله فوق مخلوقاته، عال على عرشه، نتوجه اليه بدعائنا وفي قبلتنا : فهذا المعنى صحيح.. وان اراد تشبيه ربه بجسم مخلوق معروف فذلك المعنى باطل.
ويثبت أهل السنة والجماعة الاسماء والصفات بلا تشبيه بالمخلوقات، ولا يلغون معانيها، فيثبتون ألفاظا بدون معانيها، ولا يؤولون معانيها الى معان لا يدل عليها اللفظ في لغة العرب.. ومن خالف مذهب السلف يلزمه: اما ان يشبه ربه بالمخلوق الموجود اذا كيّف صفة ربه، ومثّل لها بادعاء شبيه.. واما ان يشبه ربه بالمعدوم كمن أثبت الاسماء والصفات لفظا ونفى المعنى وهذا هو التعطيل فقال: سميع بلا سمع، عليم بلا علم.. الخ ، فهذه صفة المعدوم.. واما ان يشبه ربه بالممتنع المستحيل، وذلك أسوأ من المعدوم القابل للامكان، بل هذا عدم غير قابل للامكان.. وهذا مذهب من نفى الاثبات ونفى نقيضه حينما يقول: الله غير موجود، وغير معدوم.. والنتيجة اذن الاحالة، لأن الجمع بين النقيضين محال، والوجود والعدم نقيضان .. واما ان يؤمن ببعض ويكفر ببعض كمن اثبت سبع صفات ونفى ما سواها.. وتلك الصفات السبع هي القدرة، والارادة، والعلم، والحياة والسمع، والبصر والكلام.
وأهل السنة والجماعة ليس مذهبهم التفويض باطلاق.. ومعنى التفويض التوقف عن فهم المراد، بل مذهبهم التفويض في الكيفية والكم والحد.. اما معنى الصفة فيفهمونه من لغة العرب، ويثبتون المعنى دون تكييف، ولهذا أثبت الامام مالك المعنى فقال: الاستواء معلوم.. وفوض الكيفية فقال: والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة.
وأسماء الله وصفاته مترادفة من ناحية دلالتها على الله جل جلاله، وانه يسمى بها، ويدعى بها.. وهي متباينة من ناحية دلالة كل اسم على معناه، فالعليم والحكيم اسمان لله يوصف الله بهما، فهما مترادفان.. ومعنى العلم غير معنى الحكمة في لغة العرب، فهما متباينان من هذه الناحية.
وتفصيل أسماء الله وصفاته من شأن الله جل جلاله، لأنه أعلم بنفسه، ولهذا قال أهل السنة والجماعة: أسماء الله وصفاته توقيفية، فأثنى الله على الوقّافين على اذنه الشرعي من السلف الصالح، وهم الانبياء عليهم السلام وورثتهم، وبين الله ان مذهبهم هو الحق.. قال تعالى: (سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين) «سورة الصافات/180 181».
وقال تعالى: (سبحان الله عما يصفون، إلا عباد الله المخلصين) «سورة الصافات 159 160».. ووجه الدلالة على مدح مذهبهم: ان الله قرن السلام عليهم بتنزيهه لنفسه، فذلك ايماء الى ان مذهبهم تنزيه الرب.
وخروج المسيح الدجال، وبيان صفاته، وحصول فتنته.. كل ذلك ثابت بالنصوص القطعية المتواترة، فأما من شك في خروج الدجال فليس الحوار معه حوار من التبس عليه معرفة حكم شرعي، بل الحوار معه كالحوار مع من كذب دين الله وماحك في صدقه وعدله وحكمته، فكل من شك في مسألة واحدة من مسائل الشرع ثبتت بنصوص قطعية فحكمه انه شاك في جميع الشرع.
وهناك فئة ثانية أرهفت اذنها لكل اكتشاف علمي حديث، فبادرت اليه تفسر به اخبار الدجال، فعلى سبيل المثال رأوا في بعض الطرق ان سرعة الدجال كسرعة الغيم، ثم رأوا بالمقاييس ان سرعة الطائرة النفاثة كسرعة الغيم، واذن فالدجال رجل عادي يأتي في طيارة نفاثة.. ومثل هذه التفسيرات من الافتيات على الله، والمسارعة في الفتوى بغير علم، بل حسب العبد المسلم ان يواظب على التعوذ من فتنة الدجال، لينال بذلك العصمة من شره، وليظل على ذكر من فتنته، ولتظل ذريته أيضا على ذكر من ذلك.. فان توفاه الله قبل خروج الدجال فقد أدرك أجرين:
أحدهما: أجر الدعاء، لأن الدعاء عبادة.
وثانيهما: أجر تعليم ولده وأهله وداخلته، واشاعة هذه العقيدة الاسلامية بينهم، وتحدي ومحادة كل استكبار عقلي «يظل ضعيفا» على الايمان بحقائق الشرع.. وان أدرك الدجال فقمين ان شاء الله ان يعصمه الله من فتنته، لأنه ترامى بين يدي ربه في كل صلاة مستعيذا بربه.
والدجال من علامات الساعة، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا بأن الساعة تأخذ الناس بغتة، وهذا يعني أنهم يغفلون عن أمارات الساعة وعلاماتها ولا يحققونها، وقد حرص حفاظ علماء المسلمين وأذكياؤهم على تحقيق النصوص الواردة في فتن آخر الزمان، لتظل العقيدة جزءا من حياة المسلمين، وليكونوا على حذر من الفتنة في الدين.
قال أبو عبد الرحمن: والحس البشري من سمع وبصر وذوق ولمس وشم، ومن احساس باطني يميز اللذة من الألم والرضى من الغضب.. كل ذلك خلق من خلق الله، فالله جل جلاله خلق الخلق وخلق عقولهم واحساسهم، وقد جعل الله الحس حجة على ابن آدم فيما علمه بحسه، أما ما لم يدركه المسلم بحسه فلا يجوز له انكاره أو اثباته بغير برهان.. انما عليه التوقف، وتوقع ذلك في حيز الامكان حتى يقوم له البرهان على حتمية الوجود او حتمية الامتناع، فيعمل بالبرهان.. هذا هو المعلم الشرعي الصحيح، وهو المعلم المنطقي الذي قام عليه العلم الحديث في اختراعاته واكتشافاته، فكل خطوات العلم قائمة على اعتبار غير المحسوس في حيز الامكان اذا لم يوجد المانع، وكل محسوس علمي فهو حقيقة وجودية مشاهدة، وكل غير محسوس مما قام البرهان على وجوده إنما هو حقيقة وجودية مغيبة، فالحس البشري ليس معيارا للحقيقة الوجودية، وانما هو معيار للمعرفة البشرية المخلوقة المحدودة.
والمسلم يؤمن بأن الملائكة الكرام: عباد الله، خلقهم من نور، يسبحون بحمد ربهم ويطيعونه ولا يعصونه، وقد جعلهم الله له جندا ورسلا ينفذون أوامره في خلقه.. ولا يحصي ملائكة الرحمن الا الرحمن، وقد ورد الخبر الشرعي بذكرهم اجمالا، وذكر بعضهم باسمه كجبريل وميكائيل، وذكر بعضهم بوظيفته كحملة العرش. وقد عصمهم الله جميعهم من المعصية.. قال تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) «سورة التحريم/6»، وقال تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) «سورة النحل/50»، وقال تعالى: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) «سورة الانبياء/20».. منهم كتبة أعمال بني آدم.. قال تعالى: (وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون) «سورة الانفطار/10 12»، وقال تعالى: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) «سورة ق/ 17 18».
ومنهم حفظة بني آدم من أمر الله وبأمر الله.. قال تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) «سورة الرعد/11»، ومنهم ملك الموت.. قال تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) «سورة السجدة/11»، ومنهم ملائكة الرحمة والعذاب يقبضون الأرواح من ملك الموت.. قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) «سورة الأنعام/61»، ومنهم منكر ونكير كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح ابن حبان وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.. وهكذا الاستدلال على حصول الايمان بالبعث بقياس الأولى بأي آية كقوله تعالى: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه).. «سورة يس/78».
وجميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أخبروا بالبعث، ولم ينفرد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم كقول ابراهيم الخليل عليه السلام: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) «سورة الشعراء/82»، والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved