أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st December,2001 العدد:10656الطبعةالاولـي السبت 16 ,رمضان 1422

محليــات

لما هو آت
اذبح .. ثم حقّق
د. خيرية إبراهيم السقاف
تُستقى الحكمةُ في كثير مما يحدث في حياة الإنسان من الأحداث والمواقف ما كان منها صغيراً أو كبيراً ..
وهناك خطوبٌ جلل، تحدث في الحياة تبدأ من صغير الشرر، وتنتهي إلى فادح الأمر .. ولا يحتاج الأمر إلى بسط المُثُل ، ولا عرض النماذج، ولا المرور بالمواقف .. فسجل الأيام يحدِّث ولا حرج..
غير أنّ الإنسان الذي جُبل على صناعة «الحدث» ، وعلى توليد السبب، وعلى بدء شحذ فتيل الانطلاق....، يتحرك دائماً من خلال «غرض» ، ويتحوَّل غرضه إلى هدف، ثمّ سبب، ثمّ حافز، ثمّ فعل ...
وهكذا تدور دولبة الأحداث، ودواليب الحياة، تطوِّح بالنفوس كما تفعل بالعقول، وتهدم قناعات بعد أن تبني أُخر، وتمحو أفكاراً بعد أن تستنبت سواها، وتخلط بين مفاهيم، وتقضي على قيم، وتنشىء أُخر ... ، وللإنسان أن يرى ، ويعتبر ، ويلتقط ، يأخذ وينتخب ثم يلقي ويتفرّد ، أو يجمع ويتوحّد ... ، أو يمتزج ويتمدَّد ...!!
ومن الحكم التي تستقى من الحياة الصاخبة بأحداثها الآن ... الراهنة في حدَّة ارتفاع صوت بل أصوات أفعال الإنسان فيها، ما ظهرت عليه أغراض الإنسان فيها تلك التي تحدد أهدافه، بل حدّدتها، بل جلّت عن أسلوبه في تنفيذها والوصول إليها ...
فقوَّةُ الإنسان التي تسمو في أجلِّها قوَّته الروحيَّة،
وقوَّةُ الإنسان التي تبدو في أقواها قوَّته الماديَّة،
والذكي من الإنسان من يستطيع أن يمزج التفاعل بين القُوَّتين، ولا يجعل إحداهما تطغى على الأخرى إلاّ في الجانب المضيء منها، وقد تجلّى ذلك عند بسط أهداف البناء الإنساني على الأرض، في تهيئة كل المقدرات البشرية والطبيعية للإنسان كي يحيا حياةً كريمةً ، هانئةً ، حرةً ، يسيرةً ...
وما كانت تظهر على أغراضه هذه الروح المدمِّرة بمثل ما تظهر بحدَّةٍ فائقةٍ في هذه الإنعطافة التأريخية في حياة البشريَّة كافَّة حيث غطَّت مظلَّة «الأغراض» كافَّة مساحة المشهد الأرضي ...
وكان الإنسان الذي يستلُّ حربته كي يجزَّ، ويلتهم ثم أن يراه أحد يتفرَّد بغرضه .. ، ويواجه بكوابحه.. إما في عقوبة ذاتيَّة، أو فرديَّة، أو جمعيَّة، تأخذ شكل الخصوصيَّة لا العلنيَّة... عند إقامة الضابط عليه في منظومة سلوك المجتمعات عند إقامة ضوابط السلوك غير المطلق للإنسان في سبيل استقرار الإنسان الآخر ...
ومنذ قابيل وهابيل كان الشعار، اذبح ثم عوقب، فتحوَّل الأمر إلى أن يسبق الفعل الغرض في موقفٍ ضميريٍّ لا يتخطاه الإنسان إلا عندما ينفلت ضابطه، وهو يدرك أن ثمّة ضوابط خارجيَّة سوف تلجم الغرض بعقوبةٍ ما ...
غير أنَّ ما يحدث في المشهد البشري العام عند تتبُّع ما يحدث من الإنسان في الحياة القائمة هو أنَّ الإنسان اتخذ من شعار: اذبح ثمّ حقِّق ذريعة لانطلاقة عاتبة لرغباته وأغراضه فتخفى النيَّة خلف الفعل، حتى إذا ما أبان الفعل عن النيَّة تحرَّك الإنسان صوريَّاً كي يدّعي من جديد سلامة هذه النيّة، وتُطوى الأوراق .. وتُهدر الدماء، ولا تزال التحقيقات الشعار السائد في تمرير المشهد البشري القائم ...
و ... الزميل في العمل يذبح بسكين الغدر ثم يبادر الآخر في التحقيق ...
و ... الصَّديق في الحياة يذبح بسكين الحسد ثمّ تأتي محاولات المفاوضات في التبرير ...
و ... الأفراد يذبحون في أعراض بعضهم ثمّ تنصب اجتماعات التحقيق في أهدافهم ونواياهم
و ... كلُّ ضابط غرض في نفس الفرد أو الجماعة... أو المجتمعات على اختلاف أدوارها في حياة الإنسان... وفي واقع البشر قد أخذت منحىً أخلاقيَّاً آخر ...
وهي تستقي من المشهد ما فيه من العلنيَّة السلوكيَّة التي كانت ذات يومٍ تختبئ تحت وخلف مسميَّات كثيرة ... ما لبثت أن رفعت عن «وجوهها» البراقع ... وأعلنت مبدأ «اذبح ثم حقِّق» كي يتخذه كلُّ الناس مبدأ حياة جديدة ... لم تعد لقوّته ضوابط السموِّ ولا لسموِّه حدود الضابط لاختلاط مفهوم الغرض ووزن صلاحه من فساده في دائرة البشرية الجديدة .


أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved