أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 6th December,2001 العدد:10661الطبعةالاولـي الخميس 21 ,رمضان 1422

الثقافية

ليس إلا
قراءة في وجه الشمس 3
خالد العوض
عندما تمر فتاة جميلة في عرض الشارع فإنك قد تسمع عبارة «تشيكي تشيكي checky checky» تنطلق من افواه بعض المراهقين اليابانيين. هذه العبارة ظهرت حديثا، اي هذا العام فقط، وتعني ببساطة «انظر، هناك شيء يستحق المشاهدة» وقد اشتقت هذه الكلمة من اللغة الانجليزية وبالتحديد check it up والتي تعني تفحص او انظر مليّا.
هذا مثال بسيط لمدى تغلغل الثقافة الامريكية في اذهان الشباب الذين يندفعون نحو تعلم اللغة الانجليزية بشكل كبير، الامر الذي ادى الى قلق بعض اليابانيين على هويتهم الحضارية واستقلالهم الثقافي.
لكن، هل للامر علاقة باللغة اليابانية نفسها، ام ان الامر كله يتعلق بالفلسفة اليابانية والتي تحدثنا عنها في الحلقتين الماضيتين؟ يصعب الفصل بين هذه وتلك لكن الشيء الواضح بالفعل هو ان اللغة اليابانية صعبة ومعقدة التركيب، فعلماء اللغة لم يستطيعوا حتى اللحظة تحديد اصل هذه اللغة وإلى اي لغة من لغات العالم تنتمي.
يعرف الكثيرون ان اللغة اليابانية تكتب رأسيا من اعلى الى اسفل بدءا من اليمين الى اليسار، لكن الشيء الذي يجهله الكثيرون انها تكتب ايضا من اليسار الى اليمين افقيا مثل اللغة الانجليزية، واليابانيون يفضلون الطريقة الاولى وهو المتبع حاليا في الجرائد والمجلات والكتب.
الحقيقة المرة ايضا ان اليابانيين يجدون صعوبة في فهم لغتهم لأن اكثر من ستة آلاف كلمة جديدة تضاف الى المعجم اللفظي كل عام، كما ان معظم هذه الكلمات تأتي من اللغة الانجليزية كما اوردنا في المثال اعلاه، وهذا يقودنا الى نفس الحلقة المفرغة وازمة الهوية التي تحدثنا عنها سابقا.
هذه الكلمات الجديدة يخترعها الشباب والمراهقون بينما يجد الكبار صعوبة في متابعة ما يجري. هذا الامر ادى الى ازدهار حركة النشر لدى المكتبات التي تطبع ما لا يقل عن ثلاثة قواميس كبيرة كل سنة لمتابعة هذا التجديد المستمر في اللغة بل ان هذا الامر، اي طباعة المعاجم واقتناءها، اصبح عادة لدى اليابانيين قلّ ان تجده في دول اخرى من العالم. ايضا هذه الظاهرة خلقت هوة ثقافية كبيرة بين الجيل الجديد والذي يسعى نحو التغرب وبين الكبار الذين ما زالوا يتشبثون في الجانب الصيني في لغتهم وهو ما يعرف بالكانجي Kanji.
تتألف اللغة اليابانية من حيث كتابتها من ثلاثة اشكال اولها ما يعرف بالكانجي وهو المقاطع الصينية، حيث يوضح كل مقطع فكرة معينة وله اكثر من معنى، اما النوع الثاني فهو الهيراقانا الذي يساعد على تصريف الافعال والصفات، اما الثالث فهو الكاتاكانا الذي يستخدم لملاحقة المصطلحات الاجنبية التي تطرأ على اللغة والتي تأتي عادة من اللغة الانجليزية لذلك تجد في السطر الواحد هذه الاشكال الثلاثة مجتمعة.
هذا المزيج من الاشكال يشكل عقبة كبيرة لدى الياباني نفسه قبل ان يكون عقبة لدى المتعلم الجديد للغة الذي بحاجة الى ان يحفظ اكثر من 2000 شكل او حرف من الكانجي حتى يستطيع ان يقرأ جريدة يابانية مثلا.
اذن اللغة تشكل حاجزا كبيرا وقف في طريق اليابانيين نحو السير قدما في احتلال مكانة متقدمة في هذا العالم، بل انها عزلت اليابان عن العالم، تماما مثل البحر الذي يحيط بها.
يتضح ان اليابان تعاني من مشاكل مركبة على المستوى الاجتماعي تتعلق بالهوية والثقافة وتحتاج الى كثير من الجهد المنظم والعمل المتواصل لتجاوز هذا المزلق الصعب والخطير الذي تنبأ به احد العلماء المعروفين قبل ثلاثين سنة مضت، حيث حذر ماساتاكا كوساكا اليابان من انها ستعاني من ازمة هوية identity crisis ستعصف بها اذا لم تتخلص من قيد الثقافتين الامريكية والصينية، فاليابان ليست امريكا وليست الصين، بل ان عليها ان تجاهد وتعمل على تأكيد هويتها واستقلالها التام سياسيا وثقافيا وعسكريا بعيدا عن معسكري امريكا والصين. لكن كيف سيستقبل ماساتاكا كوساكا الخبر الذي يقول ان اليابان تسعى الى اتخاذ اللغة الانجليزية اللغة الرسمية الثانية في اليابان في القرن الحادي والعشرين؟ بالتأكيد ستتضاعف مخاوفه وستشتد الازمة.
في النهاية، يكفي ان تراقب احد شوارع الرياض لتقتنع بالتواجد الياباني الصارخ، لكن في المقابل هل هناك من يعرف حرفا واحدا او لنقل مقطعا صينيا واحدا باللغة اليابانية؟ هل هو التواضع او البساطة اللذان يختلف بهما اليابانيون عن غطرسة الغربيين في تقديم ثقافتهم؟ ام ان الاجابة لا يمتلكها حتى اليابانيون انفسهم؟ ذاك سؤال للتأمل فقط، ليس إلا!

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved