أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 7th December,2001 العدد:10662الطبعةالاولـي الجمعة 22 ,رمضان 1422

متابعة

بعد التوقيع على اتفاق بون:
هل تنجح الحكومة الانتقالية في تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان؟
الحكومة الجديدة تواجه خطر طالبان والخلافات الكامنة بين القبائل
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد حسن علي البلهاسي:
بعد تسعة أيام من الشد والجذب وقّعت الفصائل الأفغانية على الاتفاق النهائي بشأن تقسيم السلطة في إطار الحكومة الانتقالية التي تدير شؤون أفغانستان لحين عقد اجتماع للمجلس الأفغاني التقليدي «اللوياجيرغا» وإقرار دستور جديد بهدف إجراء انتخابات عامة واختيار حكومة موسعة للبلاد.
وجاء الاتفاق الذي أسفر عنه مؤتمر بون مرضيا لجميع الأطراف تقريبا وقضى الاتفاق بتولي حميد خرزاي رئاسة الحكومة الانتقالية الأفغانية المكونة من 29 عضواً بمشاركة تحالف الشمال الذي حصل على 16 مقعداً وزارياً في الحكومة وسيطر على الوزارات المهمة فيها وهي وزارات الداخلية والخارجية والدفاع في حين حصل أنصار الملك الأفغاني السابق ظاهر شاه على 9 مقاعد وزارية وحصل وفد مجموعة بيشاور الذي يمثل قبائل الباشتون على أربعة مقاعد وانسحب وفد مجموعة قبرص الذي يمثل الشيعة دون ان يحصل على أية مقاعد.
وتتولى الحكومة الانتقالية مقاليد السلطة في أفغانستان في 22 من الشهر الجاري ولمدة 6 أشهر، ولكن هل ستنجح هذه الحكومة في تحقيق الأمن والحفاظ على السلام في أفغانستان؟.. هذا ما يبحثه التقرير التالي:
تمثيل ناقص
بدأ مؤتمر بون للفصائل الأفغانية في أجواء تسودها الحرب ضد بقايا حركة طالبان المتمركزين في قندهار وفي ظل سيطرة تحالف الشمال على 80% من الأراضي الأفغانية، الأمر الذي شجع قائده رباني في البداية على رفض أي مؤتمر يناقش المسألة الأفغانية خارج كابول، لكن بات موقفه ضعيفاً مع ضغوط أمريكا وإيران وروسيا والهند وبعض قادة التحالف أمثال عبدالله عبدالله ويونس قانوني.
ضم المؤتمر أربعة فصائل أولها مجموعة الجبهة المتحدة التي تمثل تحالف الشمال بقيادة رباني وجاء تمثيلها قويا منذ البداية انطلاقا من سيطرتها العسكرية على كابول، هذا بجانب اعتراف الأمم المتحدة والدول الغربية برباني كرئيس لأفغانستان منذ ان خلعته حكومة طالبان وجاءت مجموعة روما بقيادة الملك السابق ظاهر شاه المخلوع منذ عام 1978م قبل الانقلاب الشيوعي في أفغانستان والذي يملك أنصاره تأييدا ملحوظا من الشعب الأفغاني وبعض قادة تحالف الشمال وثالث المجموعات متمثلة في مجموعة قبرص التي تمثل الشيعة وقبائل الهزارة واللاجئين الأفغان في الخارج وتملك تأييداً كاملاً من جانب إيران نتيجة الترابط العرقي والمذهبي بينهما، ورابع تلك المجموعات هي مجموعة بيشاور التي تمثل الأغلبية الباشتونية (أكثر من 50% من سكان أفغانستان) ويأتي على رأسهم حاجي عبدالقادر رئيس المنطقة الشرقية وحامد جيلاني وستة أعضاء آخرون هم الممثلون فقط لتلك الأغلبية العرقية التي جاء تمثيلها إرضاء لباكستان بالدرجة الأولى.
ولعل هذه المجموعات تعبر عن تمثيل غير موضوعي للشعب الأفغاني، فتحالف الشمال ممثلاً للطاجيك والأوزبك والهزارة وكلهم يمثلون مايقرب من 40% من سكان أفغانستان كان تمثيلهم في المؤتمر يفوق تمثيل الباشتون هذا بجانب السجل العسكري السيئ لتلك القوات تجاه المدنيين الأفغان وعلى طرف النقيض نجد مجموعة روما بقيادة الملك السابق ظاهر شاه الذي عاد بعد غياب أكثر من 20 عاماً أملاً في دور سياسي فعّال في الحياة الأفغانية حيث ظل بعيداً عن الشؤون الأفغانية وظهر جيل جديد من الأفغان لايتذكرون ما يراه الملك انجازاً سابقاً في حكومة البلاد مما يقلل من شعبيته هو وأنصاره بالرغم من التأييد الغربي الشديد له ووجود اتفاق على رجوعه كرمز للوحدة الوطنية في البلاد.
حتى مجموعة بيشاور التي من المفترض انها تمثل الأغلبية الباشتونية لا تلقى تأييداً كافياً من الباشتونيين أنفسهم وخاصة الموالين لطالبان مما يجعل هناك تمثيلا غير فعلي لتلك الفصائل التي لم تعبر تماما عن أغلبية الشعب الأفغاني.
حسابات الفصائل
شاركت تلك المجموعات الأربع وكل منها يضع في اعتباره خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها وأهدافا وطموحات ترغب في تحقيقها والحصول عليها فالتحالف الشمالي بات رافضاً التخلي عن رئاسة رباني ورافضا مبدأ توزيع السلطة على أساس التمثيل العرقي في أفغانستان اعتراضا على دخول الباشتون بقوة في الحياة المستقبلية لأفغانستان بجانب اعتراض رباني على أي دور فعال لظاهر شاه في شؤون البلاد وطمع تحالف الشمال في الاحتفاظ بالوزارات السيادية في الحكومة المقبلة وكذلك الاشراف الكلي على برامج إعمار أفغانستان والتي تدعمها الأمم المتحدة والدول المانحة وكانت هذه تقريبا هي أجندة الطلبات التي حملها يونس قانوني وزير داخلية التحالف الذي رأس الوفد، بعد ذلك ولاقت اعتراضاً شديداً وتفاوضاً ملحاً مع باقي الفصائل خلال جلسات المؤتمر.
وعلى العكس جاءت حسابات الملك ظاهر شاه وأنصاره الطامعين في لعب دور سياسي فعّال في أفغانستان وتبلورت آمالهم في اعتلاء ظاهر شاه للعرش مرة أخرى بالرغم من معرفتهم المسبقة باعتراض تحالف الشمال على هذا الاجراء.
وجاءت آمال مجموعة قبرص هزيلة متناسبة مع إمكانياتهم السياسية والعددية الضعيفة فأنصارها مزيج من ضباط سابقين ومثقفين موزعين بين قبرص وإيران وأوروبا ولايتمتعون بشعبية حتى داخل مجموعتهم العرقية وجاء تمثيلهم إرضاء لإيران بالدرجة الأولى، وعلى النقيض جاءت طموحات مجموعة بيشاور كبيرة لكن سرعان ما اهتزت مع أولى جلسات المؤتمر بعد ان اقتصر عدد الوفد على ثمانية أشخاص فقط وانسحب منهم الحاجي قادر زعيم المنطقة الشرقية بعد ان أحس أنصار تلك المجموعة أنهم يخضعون للتهميش خاصة مع إلغاء اللغة الباشتونية للحوار داخل قاعات المؤتمر مما أوجد شكوكاً لديهم في حصولهم على مناصب سياسية بارزة أو رئاسة الحكومة كما كانت تعدهم أمريكا قبل وأثناء الحرب باعتبارهم الأغلبية السكانية في أفغانستان لكن سرعان ما جاءت نتائج المؤتمر مرضية لهم تقريبا وبثت في نفوسهم الراحة والطمأنينة.
نتائج بون
جاءت نتائج مؤتمر بون مفاجئة للبعض ومتوافقة في رأي البعض الآخر مع الاتجاهات الدولية والجهود المبذولة للتوفيق بين الفصائل الأفغانية المشاركة وكانت أولى مفاجآت المؤتمر انسحاب وفد مجموعة قبرص وتنازلهم عن مقاعدهم في الإدارة الجديدة التي تم التوقيع على الاتفاق الذي يحدد ملامحها وفي حين أعلنت هذه المجموعة أنها انسحبت من أجل ان يتم التوصل إلى اتفاق وان تنجح المفاوضات ولا يأخذ العالم صورة سلبية عن أفغانستان وعدم قدرة فصائلها على الوصول إلى اتفاق إلا ان بعض المراقبين يرون ان قرار انسحاب الوفد لم يأت من قرارة نفسه فقد كان الوفد على اتصال دائم مع إيران وقد تكون هناك إيحاءات قد صدرت من إيران للوفد بالانسحاب إرضاء للأطراف الدولية ولكسب المزيد من تعاطفها مع إيران والشيعة الأفغان خاصة ان مقاعد هذه المجموعة التي كان يحتمل الحصول عليها غير مؤثرة إلى حد ما وقليلة مقارنة بالمقاعد الأخرى، ويؤكد المراقبون ان هذا الانسحاب جاء نتيجة للضغوط الدولية الكبيرة التي مورست على وفود المؤتمر من أجل التوصل إلى اتفاق.
وجاءت الحكومة الانتقالية التي تم التوقيع على الاتفاق بشأنها من كافة الفصائل الأفغانية المشاركة في مؤتمر بون مرضية إلى حد ما لجميع هذه الفصائل، فرئيس الحكومة الذي استقر الاتفاق عليه وهو حميد خرزاي هو من الموالين للملك ظاهر شاه وينتمي في الوقت نفسه لقبائل الباشتون وهو ما أوجد منطقة اتفاق وسط بين الطرفين عليه كما انه بالنسبة لباقي الفصائل الأفغانية ذو شعبية جيدة، فقد كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية في الحكومة السابقة التي شكلت عقب جلاء الاحتلال السوفييتي وظل باقياً في أفغانستان طوال العشرين عاما الماضية وكان دائم الاتصال بالشعب الأفغاني ولم ينخرط في الصراعات الداخلية التي نشبت بين القبائل المتصارعة.
في الوقت نفسه فإن خرزاي يحظى بتأييد التحالف الدولي حيث انه من المعارضين لحركة طالبان واشترك خلال الحرب في محاولة لتأليب قبائل الباشتون على الحركة، كما انه حاليا على رأس القوات الأفغانية التي تقاتل عناصر طالبان الموجودة في قندهار وهو مشهور بالاعتدال والميل للغرب نوعاً ما.
على أي حال فإن انتماء خرزاي لقبائل الباشتون لم يقض على مخاوف الباشتون من ضعف تمثيلهم في الحكومة الائتلافية، فقد حصلوا على أربعة مقاعد وزارية من أصل 29 مقعداً بنسبة أقل من 15% تقريبا وهي نسبة لاتتفق وتمثيلهم في عدد سكان أفغانستان علاوة على أن الوزارات التي بحوزة الباشتون غير ذات أهمية.
وإذا انتقلنا إلى أنصار الملك ظاهر شاه الذين حصلوا على تسعة مقاعد في الحكومة الانتقالية الجديدة فيبدو ان هذه النسبة وهي نسبة 30% من مقاعد الحكومة كانت مرضية لهم إلى حد كبير خاصة مع تولي خرازي الموالي للملك ظاهر شاه رئاسة الحكومة وعودة الملك نفسه إلى أفغانستان لرئاسة المجلس الأفغاني التقليدي «اللوياجيرغا».
من ناحية أخرى يرى المراقبون ان تحالف الشمال الذي حقق انتصارات واسعة على الأرض في الحرب ضد طالبان حقق انتصاراً أكبر في مؤتمر بون، حيث خرج التحالف بأكثر من نصف مقاعد الحكومة المقبلة (16 مقعداً) واحتفظ لنفسه بحقائب أهم وزاراتها وهي الدفاع والداخلية والخارجية، وهذا يمثل مكسباً كبيراً للتحالف وتحقيقاً للوعود الأمريكية التي أخذها أثناء الحرب على طالبان كما ان رباني الذي أجمعت الأطراف الدولية على عودته رئيساً للبلاد ينتمي إلى تحالف الشمال وقد أعلن قبل ذلك التزامه بما سيتوصل إليه المؤتمر من قرارات مهما كانت.
وخرجت المرأة الأفغانية بمكاسب لا تقل أهمية عن مكاسب غيرها من الأطراف حيث بدأت بشائر دور سياسي جديد للمرأة في الحياة الأفغانية مع حصولها على منصبين مهمين في الحكومة الأفغانية أحدهما ضمن الخمسة الذين يشغلون منصب نواب الرئيس والثاني ضمن مقاعد الحكومة كوزيرة.
وتشير النتائج كما يرى المراقبون إلى وجود تفاهم واتفاق ورضا بين الفصائل الأفغانية المختلفة التي التقت حول المصلحة الوطنية للبلاد خاصة وأنها وجدت نفسها أمام فرصة تاريخية لن تتكرر إذا ضاعت من أيديهم لإعادة بناء المجتمع الأفغاني على أسس من السلام والاستقرار ووجدت تلك الفصائل ان أمريكا والمجتمع الدولي قد يغيرون من سياستهم نحو أفغانستان إذا ما حققت قواتهم أهدافها في إسقاط آخر معاقل طالبان في قندهار ونجحت في القبض على أو التخلص من أسامة بن لادن وقيادات تنظيم القاعدة قبل ان تتوصل الفصائل الأفغانية إلى اتفاق.
ولعل هذا ما دفع بهذه الفصائل إلى تقديم بعض التنازلات والاستجابة للضغوط الدولية والتوقيع على اتفاقية بون، ولكن يبقى تساؤل مهم بعد النجاح الذي حققه هذا المؤتمر والذي قوبل بارتياح كبير في كابول.. هل ستنجح هذه الحكومة المقبلة في تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان؟ وهل سيلتزم المجتمع الدولي بتعهداته بإعمار أفغانستان وعدم نسيانها كما حدث بعد خروج السوفيت لعهود طويلة؟
الأمر يتوقف على أداء هذه الحكومة المؤقتة إذا لم تواجهها المعارضة والتحديات والصراعات وإذا نجحت في تحقيق الأمن وربما لو فعلت ذلك قد يكون أعضاؤها هم نفسهم أعضاء الحكومة المنتخبة المقبلة، والشهور الستة التي ستقضيها الحكومة المؤقتة في السلطة هي اختبار حقيقي لها وفرصة أخيرة لإعادة إعمار أفغانستان خاصة ان أمريكا ومن خلفها المجتمع الدولي والدول المانحة قد تعهدت بذلك بشرط التزام الفصائل الأفغانية بالاتفاق الذي تم التوقيع عليه.
ولا شك ان هذا الأمر متروك للمستقبل فما زالت تلك الحكومة تواجه العديد من التحديات أولها طالبان المتمركزة في معقلها بقندهار والتي من المتوقع ان تمارس ضد هذه الحكومة حرب العصابات. وثانيها الخلافات بين الفصائل الأفغانية والتي لا تزال قائمة رغم اتفاقها في بون.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved