أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 9th December,2001 العدد:10664الطبعةالاولـي الأحد 24 ,رمضان 1422

مقـالات

مع التربويين
العيد وأثره التربوي
د. عبدالحليم العبداللطيف
قال العلماء العيد كلمة تستعمل بمعنى الفرح والسرور، والعيد اسم ليوم معين يعود سنة إثر أخرى لنعمة حدثت أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار قال السدي في تفسير آية «تكون لنا عيدنا» أي نتخذ ذلك اليوم الذي وقعت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا وقال سفيان الثوري بمعنى يوماً نصلي فيه، وقال قتادة أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم وقال سلمان الفارسي عظة لنا ولمن بعدنا وقال العلماء ويصح ان يسمى طعام العيد عيداً على سبيل المجاز، وقد ورد ذكره كثيرا في كلام العرب ويقولون أشهر ما كانت الأعياد في العرب عند النصارى منهم قال قائلهم:


كما يعود العيد نصرانيُ
ويقول النابغة في ذلك

يُحيون بالريحان يومَ السباسِبِ
والعيد واحد الأعياد وانما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد وقد عيدوا أي شهدوا العيد قاله الجوهري، وقيل أصله من عاد يعود أي رجع فهو عِوْدٌ بالواو فقلبت ياءً لانكسار ما قبلها مثل الميزان والميقات فقيل ليوم الفطر والاضحى عيداً لأنهما يعودان كل سنة وقال الخليل: العيد كل يوم يجمع كأنهم عادوا اليه، وقال ابن الأنباري سمي عيداً للعود في المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم، وقيل سمي عيداً لأن كل إنسان يعوده على حسب منزلته ألا ترى الى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يضيف ومنهم من يضاف ومنهم من يَرْحم ومنهم من يُرْحَم وقيل سمي بذلك لأنه يوم شريف تشبيهاً بالعيد وهو فَحْلٌ كريم مشهور عند العرب وينسبون اليه فيقال إبل عيدية قال قائلهم:
عِيِدْيةٌ أُرْهِنتْ فيها الدنانير.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر عيداً في قوله لأبي بكر رضي الله عنه لما نهى الجواري اللائي كن يغنين عند عائشة: إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا وسمي ايضاً يوم النحر عيداً في قوله: «شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة».
وسمي عيداً لعود الله فيه على عباده بالخير والبر والمعروف والإحسان، وأعياد المسلمين تتميز بميزة خاصة حيث يحس المسلمون بفرحة وبهجة ونكهة مميزة تملأ عليهم جوانبهم وجوانحهم فهي ليست فرحة مادية أرضية إنها فرحة سماوية ونفحة إلهية يحس المسلم بعد انقضاء العبادة دوماً بالأنس والفرح والدفء والملاذ الأمين ما يفتح الله للناس «من رحمة فلا ممسك لها»، هذه الفرحة وهذه السعادة الخاصة بأمة محمد بعد الطاعة بحثَ ويبحثُ عنها الكثير وأنى لهم بذلك بغير شروطها ومقوماتها فليست السعادة بجمع المال ولا بالمتاع والعيال «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام»، وهذه بالذات من أهم أزمات العصر والتي فقدها الكثير من غير المسلمين والإيمان الصحيح وأداء العبادات على وجهها هو الحل الوحيد لهذه الأزمات وعلى آثارها المدمرة في حياة الناس، ومن أجل العيش السعيد والرغيد في الآخرة والأولى وهذا الإيمان الصحيح هو المصدر والمنبع لكل الكمالات والتوجهات الصحيحة وهو المنبع العذب للضمير الإنساني ولكل القيم الصحيحة والأخلاق السامية النبيلة، والعيد الإسلامي بنفحاته وتجلياته يدعم هذا الاتجاه ويوجهه ويضبط مساره ويجعل للعيد بين المسلمين طعماً وذوقاً وحلاوةً خاصة ويعالج ضمن تشريعات الإسلام الأزمة المادية التي أذلت الرقاب وطأطأت الرؤوس وهي أكثر الأزمات التي جابهها الإسلام قديماً وحديثاً وسيظل يجابهها الى ما شاء الله، لقد عالج الإسلام في العديد من تشريعاته ومناسباته مشكلة العوز والفقر والجوع والحرمان بما شرعه من صنوف التكافل والتعاون والتراحم والتقارب والتواد ودعا خاصة في مثل هذه المناسبات الى الإيثار والاخوة الصادقة فجعل للجار حقوقاً وشرع صلة الرحم، ورعاية المرأة بنتاً وزوجة وقريبة، والإحسان الى العامل والخادم والمسكين وابن السبيل والمريض والعاجز، والاسير والضعيف والقريب والمسافر، يقول أحد مفكري الغرب وهو جاك استروي: إن الإسلام يتمتع بإمكانات هائلة، وإذا ما وجد الطريق الصحيح مفتوحة أمامه فإن كثيراً من الصعوبات الاقتصادية سوف يحلها هو وحده وهو أقدر على ذلك من غيره، وفي أعياد المسلمين تتجلى بوضوح حضارة الإسلام قوية بهية فهي حضارة أصيلة تؤمن بالقيم والمثل والأخلاق العالية والصفات الحميدة، وحضارة غيرهم حضارة أرضية لا تؤمن إلا بالقوة والثروة والجنس، وأعياد المسلمين مناسبة خيرة يتجلى فيها منطق الخير والنور والهداية والصلاح والإصلاح يتجلى فيها الطهر والعفاف والإنصاف والائتلاف والطمأنينة والالتزام بالمسؤولية الصحيحة والأمانة التي لا حدود لها إلا وفق ما نزل من الحق. «تنزيل من حكيم حميد».
وأعياد المسلمين ليست للهو واللعب وقتل الأوقات ولا مباهج فارغة ولا مظاهر جوفاء بل العيد شكر للمنعم عز وجل واعتراف بفضله واظهار لنعمته واستدامة لشكره وذكره وانظر الى هذا الحوار القرآني العظيم بين عيسى عليه السلام وبين حوارييه فإنهم لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضاً فقدموا ذكر الأكل فقالوا نريد أن نأكل منها وأخروا الأغراض الدينية وهي الأهم فأما عيسى عليه السلام فإنه لما طلب المائدة وذكر أغراضه منها قدم الأغراض الدينية وأخر غرض الأكل حيث قال وارزقنا وهذا كما قال العلماء يرتب درجات الناس والمطالب فبعضها سماوي وبعضها ارضي بعضها عالٍ وبعضها أقل ثم إن عيسى عليه الصلاة والسلام لشدة إيمانه وصفاء دينه وقوة يقينه وإشراق روحه فقد اطلق لروحه اشواقها بحق، لما ذكر الرزق بقوله «وارزقنا»، لم يقف عليه بل انتقل من الرزق الى الرزاق فقال: «وأنت خير الرازقين»، فقوله ربنا ابتداء منه بذكر المنعم بذكر الحق سبحانه وهذا هو الأدب مع الله هو واجب النعمة وهو الواجب تجاه واهب النعمة وهو واجب المسلمين في أعيادهم ذكر مقرون بالشكر، وقوله: «تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا» اشارة الى ابتهاج الروح والنفس بالنعمة من حيث هي بل حيث انها صادرة عن المنعم المكرم «وآية منك» فالنعمة بمفهومها الواسع وتتجلى في أعياد المسلمين بوضوح من أقوى الأدلة لأصحاب النظر الصحيح والإيمان الصادق على شكر الله واستدامة ذكره كما تتجلى فيه الأفراح الإيمانية الصادقة المنضبطة بضابط الشرع والعقل والعرف الصحيح ولا ينافي ذلك البسمة الحانية والنزهة المباحة والمزاح الوقور حيث ان العيد في الإسلام غبطة وبهجة وفرحة بانتصار الإرادة الصادقة ومناسبة عظيمة لإطلاق السجايا والصفات الخيرة من تنفيس كربة وملاطفة مسكين أو يتيم ممن رزق قلباً كبيراً قلباً رقيقاً وصدراً حنوناً يشعر بالإخاء قوياً في أيام العيد، يفتش عن الحاجات ويسأل عن الأقارب والجيران والأصدقاء والخلان والمحاويج من المسلمين يدخل السرور والحبور عليهم لا ينشغل بلذته ومتعته وحاجته وحاجة أهله وأولاده أو مظاهره، يذكر ويتذكر يتامى وأرامل وشيوخاً ومرضى لا يجدون صبيحة العيد ابتسامة الأب كما يذكر ويتذكر أيامى وأرامل لا يجدن حنان وأمان الزوج يذكر ويتذكر جموعاً فرقها ريب المنون وحوادث الزمان وفواجع الأيام فقدوا جميعاً طعم الراحة والأمن والاستقرار، والمسلم في جميع أوقاته وأيام العيد خاصة عندما يساعد او يساند او يأسو الجراح فإنما يساعد ويساند نفسه «إنما المؤمنون إخوة» وقال جل ذكره «وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، من عمل صالحاً فلنفسه»، وفي الحديث من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم، من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، «الحاكم» «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، رواه مسلم، ما أعظم هذه النصوص وما أعظم أثرها في حياة الناس، وإنها لتدع القلب الواعي المدرك في عجب ودهشة كما تدعه في أنس ورَوْح ولا تبلغ كلماتنا نحن البشر تصويره، وهي تصوير جميل لما ينبغي ان يكون عليه حال المسلمين خاصة في أعيادهم تصوير جميل مطمئن ودود لطيف ان الشعور الصادق بهذه الحقيقة ليسكب في قلب المؤمن الطمأنينة الى ربه ثم الانطلاق الى فعل الخيرات في مواسم المبرات وهذه الطمأنينة تملأ القلب بالبر والمعروف والإحسان وبالرخاء والأمل ثم العمل في النفع العام ثم المسلم مع اخوانه في اعيادهم يحس بالهدوء والراحة فهو في كنف ودود يستروح دوماً ظلاله، وشعور المسلم في أيام العيد بهذه الحقيقة يتجيش في حسه ووجدانه الحياء من الله كيف يسعد ويشقى إخوانه وهو يستطيع مواساتهم هذه هي التربية الصحيحة لأمة الإسلام كلها تكافل وتعاون وتراحم بين المسلمين ثم هو يناديهم في كل مناسبة والأعياد من تلك المناسبات الخيرة يناديهم لترتفع أقدامهم من الوحل وتتطلع نفوسهم الى الطريق السليم وتسمع بصدق نداء هذا الدين الذي تفيض به نصوصه ذات التصوير والتعبير الموجز المعجز «فهل من مدكر» «يا ليت قومي يعلمون» «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد».

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved