أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 9th December,2001 العدد:10664الطبعةالاولـي الأحد 24 ,رمضان 1422

تحقيقات

في ظل المتغيرات المتلاحقة والثقافات المتناقضة.. « » تطرح السؤال على عدد من التربويين:
هل اختفى المعلم المربي.. أم ضاع دوره؟!
* تحقيق : منصور بن عبدالعزيز البراك
رغم ما تقوم به المدرسة من جهود تربوية مكثفة في سبيل إعداد الطلاب لمعترك الحياة مسلحين بكل القيم والمبادئ التي يؤمن بها المجتمع من خلال تعزيز السلوكيات المرغوبة والتوجيه والإرشاد بالأساليب التربوية المختلفة للابتعاد عن الممارسات الخاطئة إلا أننا نلحظ أن كثيراً من المخرجات السلوكية لدى أبنائنا لا تحقق تلك الأهداف وتقلل من الثمار الكبيرة لتلك الجهود التي تسعى للوصول للأهداف المنبثقة من السياسة العليا للتعليم في المملكة التي تعد أنموذجا رائعا يحتذى، فلماذا نرى تلك الممارسات والسلوكيات والعادات الغريبة لدى أبنائنا رغم معارضة ورفض جميع المناهج والمقررات التربوية في مدارسنا لها؟ أين دور المعلم المربي في ترسيخ الأخلاق والقيم النبيلة في نفوس أبنائنا؟ وهل يستطيع لوحده في خضم هذا السيل الهادر من المصادر المختلفة التي يتلقى أبناؤنا منها بوسائل تشويقية متنوعة أن يفعل شيئاً؟ ما صفات المعلم المربي؟ هذه المحاور طرحناها على عدد من التربويين لنخرج بهذه الحصيلة من خلال التحقيق التالي:
الأستاذ محمد بن عبدالله الخلف وكيل مدرسة صلاح الدين الأيوبي الابتدائية يؤكد أنه في ظل الظروف التي نعيشها الآن تظهر أهمية المعلم المربي جلية واضحة ومما يضخم مسؤلية المعلم المربي ذلك التطور والتغير السريع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية مما جعل المدرسة مركزاً هاما من مراكز الاصلاح والتوعية الاجتماعية في شتى المجالات وأصبح المعلم عاملا من عوامل النهضة تعتمد عليه الدول في تحقيق أهدافها.
لذلك تقاس جهود المعلم المربي بالرقي الاجتماعي الذي يسهم في تحقيقه لأن جهوده لا تقتصر على نقل وحفظ التراث بل تتعداه إلى تحسينه وتوجيهه نحو المثل العليا التي يتطلبها المجتمع.
وحيث أن غاية التعليم في بلادنا هي فهم الاسلام فهما متكاملا وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها وتزويد المتعلم بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا واكسابه المعارف والمهارات المختلفة وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة وتطوير المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتهيئة الفرد ليكون عضواً نافعا في بناء مجتمعه.
لذا تبرز أهمية وجود المعلم المربي الذي يأخذ على عاتقه تحقيق هذه الغاية السامية خصوصا واننا نعيش في عصر الثقافات المتناقضة والتربية المزدوجة من عوامل هدم وبناء كما ان انشغال وانصراف الأسرة عن أداء واجبها في تربية النشء زاد العبء على المدرسة والمربي لذا تبدو الحاجة ملحة لوجود المعلم المربي الذي يسد الفراغ الذي نتج عن انشغال الأسرة. كما ان اضمحلال دور المسجد في التربية كان له اثر كبير في الحاجة لوجود المعلم المربي.
ويمضي الخلف قائلا: وفي الميدان التربوي سعت الوزارة لتطبيق هذا النظام وتجسيد دور المعلم المربي وطبق في مدارس المملكة إلا ان الإعداد لم يكن في مستوى الاصرار على تطبيقه فبعد ان وضعت له الحوافز التشجيعية لحث المدرسين على القيام به وجد تنافسا كبيرا من كثير من المدرسين لنيل تلك الحوافز فقط فبعد أن كان القبول ضعيفا من المدرسين على العمل في المدارس كمربي فصل يجد كثير من مديري المدارس حرجاً في الحصول على مربي الفصل أصبح اليوم الكثير من المعلمين يرغب في هذه المهمة والهدف الأساسي تلك الميزات دون تحقق الأهداف المنشودة.
وكان حري بالوزارة أن تعد المعلم المربي إعداداً كاملاً وذلك عن طريق أقسام وتخصصات حديثة في كليات المعلمين تعد المربي إعداداً جيداً ليكون ملماً وعارفاً بسيكولوجية الطفل ومراحل نموه وحاجاته مع الأخذ في الاعتبار حسن الاختيار للمعلم وفق ضوابط ومعايير يحددها التربويون تعتمد على المقابلات الشخصية لمعرفة استعداد المعلم المربي للتعامل مع الأطفال.
وعن صفات المعلم المربي يقول الخلف هي:
أن يتحلى بالأخلاق والآداب الإسلامية والتمكن من المادة العلمية، والعدالة في معاملته للتلاميذ، والتواضع والشفقة والرحمة ولين الجانب والحلم والأناة والصبر والإخلاص في العمل والجد والاجتهاد في أداء الواجب، وأن تكون أعماله مطابقة لأقواله وأن يكون قدوة حسنة لتلاميذه وأن يكون على درجة كبيرة بمعرفة خصائص نمو تلك المرحلة وكذلك أن يكون متزناً وذا شخصية محبوبة لدى تلاميذه وأيضاً أن يكون صادقاً مع تلاميذه.
ويتناول الخلف تنمية هذه الجوانب لدى المعلم بالقول: نستطيع أن ننمي في المربي هذا الجانب التربوي بعدة جوانب تبدأ من حسن اختيار المعلم ليكون معلماً ومربياً ومؤدباً لأن مرحلة الاختيار مرحلة مهمة، ثم تأتي مرحلة الإعداد لمزاولة هذه المهنة وهي مرحلة لا تقل عن مرحلة الاختيار.
وهناك مرحلة التعهد والمتابعة للمعلم عن طريق الدورات التربوية المنتظمة والملزمة للمعلم لكي ينمي مهاراته لأن الحياة لا تتوقف والتطور العلمي مستمر ولا بد أن يساير المعلم هذه الثورة العلمية ولا يكتفي بخبراته ودراساته السابقة مهما كانت جودتها، فالتدريب أثناء الخدمة عامل مهم ورافد لا ينضب من المعرفة ومعرفة المستجدات الطارئة.
وكذلك تزويد المعلم بكل ما يستجد من أحداث وتغيرات عن طريق النشرات والتعاميم.
كما أن مطالبة المعلم بعمل دراسات وبحوث ومقالات تربوية في مجال عمله عامل مهم في تنمية المعلم المربي لأنه سيتابع كل ما يستجد في الساحة كما أن للمشرف التربوي الجيد دوراً كبيراً في نقل الخبرات وتزويد المعلم المربي بكل ما يفيده ونقل تجارب وطرق المعلمين بعضهم لبعض والاستفادة من المعلم المتميز بإلقاء دروس لزملائه المعلمين واشعار المعلم بمسؤوليته تجاه المادة التي يدرسها أو تجاه الإرشاد والتوجيه الذي يقوم به من خلال عمله اليومي لمن يقوم بتربيتهم أو تجاه الاهتمام بالصحة النفسية والتوافق النفسي لدى الطلاب والعمل على اتزان انفعالات الطالب وتهيئة الجو التعليمي الخالي من الانفعالات الضارة.
ومتى ما أدرك المعلم المربي أن وظيفته ليست تعليم التلاميذ أنواعاً من المعارف واكسابهم بعض العلوم والحقائق فحسب، بل أن وظيفته بالدرجة الأولى هي التعامل مع المتعلمين ومساعدتهم على تحقيق ذواتهم والعمل معهم وفق طبيعة كل تلميذ حسب حالته وتقديم العون له بما يصلح دينه ودنياه متى أدرك هذا فإنه يستطيع بإذن الله تحقيق الأهداف التي تسعى إليها الأمة في تربية أبنائها.
ضعف الإعداد
وعن أسباب تواري دور المعلم المربي يقول الأستاذ الخلف إن السبب هو ضعف الإعداد الجيد للمعلم المربي داخل الكليات والمؤسسات التربوية وعدم وجود القسم المخصص، وسرعة المتغيرات الاجتماعية وكذلك تداخل الثقافات في المجتمع الواحد، وأيضاً كثرة التيارات الوافدة التي تعمل على تربية الطفل بأي شكل والهوة الكبيرة بين المجتمع والمدرسة، وعدم مواكبة المناهج الدراسية لما يحدث في المجتمع من مستجدات وتغيرات سريعة.
وعزوف كثير من المربين عن تطوير أنفسهم أثناء الخدمة ودراسة المستجدات التي تعمل على تحقيق الأهداف التربوية وجفاف الجو المدرسي وشعور المربي والمتعلم بعدم الرضى لما يلقاه في المدرسة. ومنافسة البرامج التي تبث عبر كثير من القنوات الإعلامية وما يسايرها من تشويق وجذب واغراء.
وحول المستجدات والتحديات وكيفية مواجهتها يقول يستطيع المعلم المربي أن يؤدي دوره التربوي برغم ما يواجهه من بث مباشر وتيارات متضادة واغراءات إعلامية كاذبة بشرط أن يؤمن الإيمان الكامل بسمو دوره التعليمي التربوي ولن يتم له ذلك إلا عن طريق الوعي التام بما يدور في المجتمع من ثقافات متباينة ومعرفة حاجات التلاميذ وإشباعبها.
والتطوير المهني والتعليم الذاتي والوقوف على كل جديد في مجال عمله والإخلاص في العمل وابتغاء الأجر من الله والإيمان بالرسالة التي يحملها ودوره التربوي تجاه التلاميذ.
وكذلك كسب محبة تلاميذه وأيضا أن يكون قدوة حسنة في جميع أعماله داخل المدرسة وخارجها وأن يكون على دراية كاملة بمعرفة أهداف التعليم للمرحلة الابتدائية.
والصبر وعدم الاستعجال في الحصول على النتائج.
هنا الفرق
الاستاذ سالم بن هلال الزهراني رئيس قسم التعليم الأهلي بتعليم الرياض تحدث قائلاً لقد توسع دور المعلم في العصر الحديث ولم يعد قاصرا على مجرد تعليم المادة الدراسية كمحتوى فقط بل اصبح يتضمن ايضا العمل على تنمية شخصية الطالب من جميع النواحي الروحية والجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية عن طريق تنمية القيم والاتجاهات والعادات والتقاليد التي تتماشى مع قيم المجتمع وتدريبه على استخدامها في المواقف والحالات الجديدة والطارئة وتعويده على التفكير العلمي وتزويده بالمهارات العملية التي تمكنه من التكيف مع مجتمعه وظروف الحياة المختلفة.
والحقيقة ان قيام المعلم بالدور المأمول منه على الوجه الاكمل يعد هدفا تسعى اليه مختلف الجهات التعليمية في المملكة عند اسنادها مسؤولية التعليم الى اي معلم الا ان ذلك لا يتحقق احيانا لاسباب مختلفة يرتبط بعضها في الغالب بالمعلم نفسه ولذا نجد في الميدان التربوي انماطاً متعددة من المعلمين لعل ابرزها المعلم والمعلم المربي ويمكن ان يتضح الفرق بين النمطين السابقين من خلال الدور الذي يؤديه كل منهما. فالدور التقليدي والاساسي للمعلم هو نقل المعرفة الى المتعلمين ولذا يعرف التعليم بانه نقل المعلومات من المعلم الى المتعلم بقصد اكسابه المعرفة.
واضاف اما المعلم المربي فان دوره يتضمن عملية التربية في اطارها الاعم والاشمل التي تعني في الواقع عملية المساعدة على النمو بما يتضمنه ذلك في جوانب الشخصية. ويمكن ان ندرك الفرق بين النموذجين من خلال مقارنة التعليم والتربية حيث يرى الدكتور ابراهيم ناصر ان كثيرا من الناس يظنون ان التربية هي التعليم او العكس الا ان ذلك غير صحيح وهما يختلفان تماما في بعض النواحي ويرتبطان في نواح اخرى ولعل ذلك يظهر من خلال التربية وهي ايقاظ قوى الانسان المختلفة الكامنة في نفس المتعلم ويكون ذاتيا في اغلب الاحوال واما التعليم فهو ايصال المعلومات الى الذهن عن طريق معلم في اكثر الاحوال.
كما ان التربية تهدف دائما لغرض سام يرضى عنه المجتمع اما التعليم فقد يهدف لغرض سام او لغرض غير سام.
وكذلك التربية عملية مستمرة من المهد الى اللحد هدفها تطبيع الانسان ليعيش حياته والتعليم قد يقف عند حد معين وهو يعد الانسان لمهنة او حرفه معينة.
كما ان التربية تعد غاية في ذاتها يتم تحقيق اعلى مراتبها واهدافها عن طريق التعليم والتعلم اما التعلم فانه يعد وسيلة من وسائل التربية.
وبين الزهراني ان ميدان عمل المعلم هو التعليم اما التربية بمعناها الضيق تعني غرس المعلومات والمهارات المعرفية من خلال مؤسسات معينة انشئت لهذا الغرض كالمدارس وهي بهذا المعنى تصبح مرادفة للتعليم الذي يشكل جانبا جزئيا من جوانب التربية حيث يقتصر على تنمية الجانب العقلي المعرفي.
اما ميدان عمل المربي فهو التربية بمعناها الواسع والذي ينص على انها «كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وخلقه وجسمه باستثناء ما قد يتدخل في هذا التشكيل من عمليات تكوينية او وراثية اي انها التنشئة الاجتماعية المتكاملة للفرد.
وأكد أننا في التعليم بحاجة الى المعلم المربي الذي يجمع بين التربية والتعليم لان اهمية وجوده تنبع من اهتمام الدولة بالتعليم ورعايتها له وتوفيرها لكافة الامكانات البشرية والمادية من اجل تطويره على اعتبار أنه استثمار لرأس المال البشري يتضح ذلك من سياسة التعليم في المملكة والتي نصت على ان غاية التعليم هي «فهم الاسلام فهما صحيحا متكاملا وغرس العقيدة الاسلامية ونشرها وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الاسلامية والمثل العليا واكسابه المعارف والمهارات المختلفة وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة وتطوير المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتهيئة الفرد ليكون عضوا نافعا في بناء مجتمعه».
وتتحقق هذه الغاية من خلال اهداف عامة تعتمد على اهداف تفصيلية خاصة بالمراحل الدراسية تحقق من خلال اهداف اكثر تفصيلا خاصة بالمواد الدراسية المختلفة التي تسند الى معلمين متخصصين يتحملون بصورة مباشرة مسئوولية تحقيق اهداف المواد الدراسية التي تعد الخطوة الاولى في الطريق الى تحقيق اهداف التعليم وغايته.
لهذا تتضح اهمية ومدى الحاجة الى المعلم المربي الذي يبذل اهتماما شاملا بالطالب من جميع النواحي يتحقق عن طريقه نمو شخصية الطالب نموا متكاملا وتتحقق معه اولى اهداف التعليم. والحقيقة ان هذاالنوع من المعلمين يعد عملة نادرة ان صح التعبير وليس من السهل صناعته او اعداده لان هذاالنوع يتطلب وجود استعدادات وقدرات شخصية في المعلم نفسه تطور بالتعليم وتصقل بالتدريب وتنضج من خلال الممارسة والخبرة العملية.
وحول الصفات التي ينبغي ان يتحلى بها المعلم المربي يقول الزهراني ينبغي ان يكون المعلم المربي مؤمنا ايمانا راسخا بالعقيدة الاسلامية افكاره منطلقة من هذه العقيدة يؤدي عمله في ضوئها ويعمل على تمكينها في نفوس طلابه من جهة اخرى، وهو قدوة حسنة لطلابه في عمله وتعامله وتصرفاته واقواله وافعاله وهندامه يتصف بالعدل والنزاهة والصدق والاخلاص والامانة وقول الحق، صلته بطلابه حسنة مبنية على الود والاحترام المتبادل والتوجيه بالحسنى يتمتع بالحلم والاناة والصبر والحكمة في التصرف وسرعة البديهة والتنظيم يشعر بالواجب تجاه مجتمعه.
والمعلم المربي يجب ان يكون متصلا بالحياة بنواحيها المختلفة من علم واختراعات وثقافة وادب واقتصاد..الخ ومتصلا بالعالم في ضوء القيم والعادات والتقاليد، يتمتع بقدر من الثقافة العامة في شتى مجالات المعرفة عارفا بمصادر المعرفة المختلفة وكيفية الحصول عليها والاستفادة منها.
هو ما نحتاجه
من جانبه يؤكد مدير متوسطة السمح بن مالك الأستاذ شبيب بن عبدالرحمن المطلق ان وجود المعلم المربي متفق على أهميته وضرورته في الميدان، وذلك لأن بوجوده تتحقق الأهداف التي من أجلها اقيمت المؤسسات التربوية، فبه يقوم السلوك، وتنشر الفضائل، وتعالج السلبيات والانحرافات لدى الأجيال الناشئة.
وتكمن أهميته في أنه مثال وقدوة لدى الطلاب فهو قدوة في مظهره وسلوكه وكلامه وتصرفاته. وهذا ما نحن بحاجة اليه.
أما مدى تحقق ذلك فإنه يوجد ولله الحمد في مؤسساتنا التعليمية أمثلة صالحة لمن يقوم بدور المعلم المربي، وتمثل نسبة لا بأس بها من المعلمين.
ويضيف قائلا:ان صفات المعلم المربي كغيره منها استشعاره المسؤولية والصبر والحلم على الناشئة، وكذلك الخبرة الطويلة وإحساس الأبوّة الحانية على طلابه. وان يجعل طلب الأجر من الله هدفاً من أهدافه حتى يقوم بالأمانة الملقاة على عاتقه.
وحول سبل تنمية الاهتمام بالجوانب التربوية لدى المعلم يقول المطلق: يمكن ان ننمي في المعلم هذا الجانب في خمسة محاور:
أولها: اشعاره أنه يؤدي عملا وأمانة عظيمة يجب عليه ان يراقب الله في تأديتها ويخافه في حال تقصيره فيها. لأن الذي لا يراقب الله لا يمكن ان يكون مربيا.
ثانيها: عدم اشعاره بأنه يؤدي وظيفة فقط يجني من ورائها المال في آخر كل شهر. بل إنه يؤدي رسالة الأنبياء والرسل.
ثالثها: عدم الاكثار عليه من الأعباء التي تضعف لديه الجانب التربوي وتفقده دوره مثل: كثرة الحصص، والاشراف، والمراقبة، والأنشطة والأعمال الكتابية، لأن هذه الأعباء تحول المعلم الى آلة تنفيذية يمارس بسببها أعمالا روتينية تتكرر عليه كل يوم.
رابعها: بالتثقيف والتوعية لأنه يوجد عدد من المعلمين يجهلون دورهم وأهمية تربية طلابهم، ويظنون ان عملهم مقتصر على التعليم فقط.
وخامسها: منوط بالجهات العليا في الوزارة وهو إعطاء المعلمين بعض الصلاحيات التي تشعرهم بالدور التربوي مثلما كنا نراه في المربين السابقين مثل حق تأديب المخطىء وتوفير الحماية المعنوية لهم مما يتعرضون له سواء من أولياء الأمور أو الاعلام في حال الخطأ أو التقصير.
ويشير الأستاذ شبيب الى ان العمل الروتيني اليومي سبب من أسباب فقدان المعلم لدوره التربوي، وكذلك قلة الخبرة أو عدم اختيار المناسبين للعمل في المجال التربوي وكذلك قلة التدريب في الجوانب التربوية.
وحول صعوبة دور المعلم في ظل الانفتاح الاعلامي يتابع قائلا: لا شك أن البث المباشر وغيره يؤدي الى اضعاف المعلم المربي، لكن هذا لا يعفي المعلم من مسؤولياته في ان يقوم بدوره ولا يستسلم للعوامل التي قد تضعفه، بل يجب عليه ان يحاول ويجتهد لكي يفيد أبناء أمته وأن يقوم برسالته التي هي أحد العوامل المهمة لصد أي هجمة قد تؤثر على الجيل من بث مباشر وغيره.
دوره كمعلم ومربٍ
من جهته يشير الأستاذ خالد فهد البراك مشرف مادة العلوم بمدارس الرياض قائلا: إن المعلم المربي عبارة عن مصطلح من شقين، ليشمل مفهوم دور المعلم كمهنة يقوم بها المعلم من أجل تحقيق مستوى الأهداف المعرفية.
أما دور المربي فهو يشمل عدة عناصر تتمثل في مراعاة تنمية الطالب بحيث تشمل الجوانب الخمس من شعور واتجاه وميول ورغبات وانتماء.. فكما يلاحظ ان جل هذه الجوانب لا تحقق إلا من خلال المعلم المربي حتى يستطيع ان يؤدي دوره. ويضيف قائلا: تكمن أهمية المعلم المربي في أنه يتعرف على حاجات التلاميذ من خلال معرفة خصائص المرحلة، وبذلك يستطيع ان يقوم بدوره كمعلم مربٍ.
أما مدى تحقق ذلك في الميدان التربوي، فأعتقد ان هناك تفاوتاً في مدى تحقق ذلك حسب فهم المعلمين لمهمتهم الأساسية المناطة بهم، ومدى ما لديهم من مهام تعليمية وادارية.
وعن صفات المعلم التربوي فيذكر البراك منها:
أن يكون المعلم محبا لمهنته، وأن يكون متمكنا من مادته العلمية ولديه فهم كاف للطرائق التدريسية المختلفة، وفهم خصائص المرحلة التي يقوم بتدريسها، وأن يتسم بالمرونة والتفهم والعمق للمواقف السلوكية المختلفة التي تحدث في المدرسة، وأن يكون قدوة في سلوكه وتعامله مع الآخرين.
وعن سبل تنمية الاهتمام بالجوانب التربوية لدى المعلم يمضي الأستاذ خالد قائلا:
يمكن ان ننمي لدى المعلم في كونه معلماً مربياً من خلال استخدام أساليب التعزيز وتشجيع المعلم في كل ما يقوم به من جوانب ذات علاقة بالعملية التربوية والتعليمية.
وأن يقال للمعلم الجيد الذي يقوم بدوره التربوي أحسنت كما يتحتم ان يقال للمعلم المقصر ما يناسب تقصيره، بمعنى يكون هناك عدل في النظرة للمعلمين.
والوقوف مع المعلم المربي في كل ما يعترض طريقه من عقبات تحول بينه وما يقوم به من أدوار. وأن يكون هناك تكريم للمعلمين المربين المتميزين منهم أمام تلاميذهم، وكذلك إلحاقهم بالدورات التدريبية التي تنمي لديهم هذا الجانب.
وعن أسباب تواري دور المعلم المربي يوضح مشرف العلوم ان اللوائح والأنظمة قد يساء فهمها من قبل المعلمين وذلك بشكل عائق أمام الكثير منهم وكذلك اختفاء جوانب التحفيز والتشجيع وكثرة الأعباء على المعلم من أحقية تدريسية ومهام اشرافية وبالذات معلم المرحلة الثانوية وكذلك الاقتداء بالمعلمين المقصرين من قبل المعلمين الجدد حيث يكون له دور تثبيطي.
ويتابع قائلا:يمكن ان ينجح المعلم في ظل ما يواجهه من ندرة هائلة عن طريق شبكات الانترنت أو الفضائيات وهو أن يعترف المعلم ان العالم أصبح كالقرية الصغيرة وذلك يتطلب أن يكون دور المعلم المربي هو غرس أسس الحصانة الذاتية لتلاميذه من خلال جانب التوعية والتذكير وتبصير التلاميذ بالجوانب الايجابية من هذه الثورة الهائلة وطرق ذلك، وتحذيرهم من الجوانب السلبية.
عوامل النجاح:
من جانبه يقول مشرف الادارة المدرسية الاستاذ حمد بن محمد المنيع: يتوقف نجاح التربية في اي مجتمع من المجتمعات على مجموعة من العوامل التي تتضمنها عمليتا التعليم والتعلم، وبالرغم من اهمية الادارة المدرسية والكتب الدراسية والوسائل المعنية والمباني والتجهيزات، الا انها لا تعادل عند كثير من المختصين في مجال التربية والتعليم دور المعلم الجيد المخلص القادر على القيام بوظيفته بطريقة فعالة.
ولذا فان جميع العوامل المؤثرة في نجاح العملية التربوية لا تعطي ثمارها اذا لم توضع في يد معلم كفء، فالمعلم هو صاحب الدور الاساس في العمل المدرسي لانه اكثر العاملين في المدرسة احتكاكا بالطالب واكثرهم تفاعلا معه. ومن خلال هذا الاحتكاك والتفاعل يتم التأثير في الناشئة سلبا او ايجابا، ومن المسلم به انه ليس هناك مدرسة خير من معلميها وليس هناك منهج يمكن ان يرتفع فوق مستوى معلميه.
ومهما سعى المخطط التربوي للرقي بالعملية التربوية والنهوض بها من خلال برامج تطويرية وخطط شاملة فانها تظل عاجزة ولن تحقق الاهداف المنشودة منها اذا لم يتوفر فيها المعلم القادر على تنفيذ هذه الخطط وتفعيل هذه البرامج.
والمتأمل في الدراسات التربوية المختصة يجد ان الكثير منها ينصب على المعلم وطرق إعداده، وتدريبه، والرفع من كفاءته مهنيا وتربويا كل ذلك يؤكد الدور الكبير للمعلم بوصفه العنصر الفعال في الموقف التعليمي والتربوي.
وفيما يتعلق بصفات المعلم المربي يقول:
أن يكون قدوة حسنة لطلابه في أقواله وافعاله وسلوكه وذلك ان الأثر التربوي للمعلم على الطلاب اشد تأثيرا واكثر ثباتا اذ رأى فيه الطلاب القدوة الحسنة، الامر الذي يؤدي الى انتقال الاثر التعليمي من المعلم الى الطالب بكل سهولة ويسر، على العكس تماما، اذا كان المعلم لا يمثل القدوة الحسنة لطلابه فمهما بلغ من الناحية العلمية فان الاثر التعليمي لا ينتقل الى الطالب كما في الحالة الاولى.
ولذا فعلى المعلم ان يعي هذا الامر جيدا فيجعل من نفسه قدوة لطلابه في كل اموره سواء داخل المدرسة او خارجها.
وعلى المعلم ان يدرك ان عملية التعليم ليست وظيفة بقدر ماهي رسالة وانها وظيفة الانبياء والمرسلين وانه في مدرسته يصنع مستقبل أمته من خلاله تلك العقول التي يتعامل معها ويؤثر فيها.
وكذلك اهمية استشعار المعلم المسؤوليات وواجباته التربوية التي ينبغي عليه اداؤها والقيام بها ومن اهمها:
تشكيل تفكير الطلاب، وتعويدهم التفكير العلمي، وارشادهم الى كيفية الحصول على المعلومات واستخدامها.
وتوجيه الطلاب علميا ونفسيا، واجتماعيا فكرا وسلوكا.
وكذلك تنفيذ السياسة التعليمية من خلال دراسة الاهداف التعليمية وجودة تنفيذ المناهج وتنظيم النشاطات التربوية الصيفية وغير الصيفية المتصلة بها.
تجسيد قيم المجتمع، وتأدية الانماط السلوكية المرغوب فيها وتوطيد التعاون بين المدرسة والبيئة المحلية والمؤسسات المجتمعية الاخرى ومساهمته في احداث التغير الاجتماعي المرغوب وتطوير المجتمع، والالمام بخصائص الطلاب وسماتهم وميولهم واحتياجاتهم عقليا وجسميا ونفسيا ومن ثم التعامل مع الطلاب في ضوء ذلك.
كما يجب على المعلم المربي ان يكون متابعا لما يستجد من حوله من تطورات فكرية ومعرفية او مبتكرات تقنية، وان يحسن التعامل معها، فيبين الجوانب الايجابية فيها لطلابه ويدفعهم نحو الاستفادة منها، ويتعرف على الجوانب السلبية ويحذرهم منها ويوجههم ويرشدهم بما يجنبهم الزور والفتن، ويجعلهم يسيرون وفق مبادىء ثابتة ومناهج راسخة مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية تمكنهم فيما بعد من التمييز بين الخير والشر.
كما يجب ان يتوفر في المعلم عدد من الصفات والسمات الشخصية التي تؤهله لموقع القيادة في العملية التعليمية ومن اهم هذه السمات:
القدرة على تحمل المسؤولية، والقدرة على التأثير، والحلم والافادة، والامانة والصبر.
أما دور المعلم المربي فيشير المنيع في هذا المجال الى وظيفة المدرسة في المجتمع مع التطور الذي مرت بها المجتمعات فلم تعد وظيفة المدرسة تقتصر على نقل التراث الثقافي لابناء المجتمع، واعدادهم لحياة الكبار بتلقينهم المعارف والعلوم ومن ثم استظهارها بل ان وظيفة المدرسة اليوم ترتكز على ضرورة كفايتها بدراسة المجتمع والمساهمة في حل مشكلاته وتحقيق اهدافه الامر الذي ادى الى زيادة التقارب والاتصال والمشاركة بين المدرسة والمجتمع، فقامت المدرسة من خلال معلميها بدراسة مشكلات المجتمع ومحاولة تحسين الحياة فيه.
ولذا فعلى المعلم ادراك هذه الوظيفة وتفهم الدور الذي يجب عليه القيام به في ضوء تلك الوظيفة، فاليوم ليس دور المعلم مقتصراً على تزويد الطلاب بالمعارف والعلوم وتلقينها لهم ومن ثم طلب حفظها واستظهارها في وقت آخر، بل عليه ان يقوم بتربية النشء وتوجيهه وارشاده ليصبح عضوا فاعلا متفاعلا مع مجتمعه وان يؤهله التأهيل الفكري والعقلي والمعرفي والاجتماعي اللازم ليصنع بذلك مستقبل امته من خلال هذه الناشئة.
وحقيقة فان بعضا من المعلمين ما زال فهمه لعملية التعليم فهما ناقصا اذ يظن ان دوره كمعلم لا يتعدى القيام لشرح المقرر الدراسي في حجرات الدراسة، وتصحيح واجبات الطلاب واجراء الاختبارات لهم وعندما تناقشه عن دوره التربوي في ارشاد الطلاب وتوجيههم والاهتمام باحتياجاتهم وميولهم وانه يجب عليه ان يستغل دخوله المستمر على الطلاب واحتكاكه المباشر بهم ومحاولة القرب منهم يأتي الرد الذي يؤكد قصر نظره وعدم فهمه لدوره بأن هذا الامر لا يعنيه فهو مسؤولية المرشد الطلابي او وكيل المدرسة او المدير او غيره لكنه وحتما من وجهة نظره ليس المسؤول عن ذلك.
ويمضي الأستاذ حمد قائلاً: وللوقوف على أسباب ضعف دور المعلم التربوياً إن برامج إعداد المعلمين في الجامعات والكليات ركزت بشكل مباشر على الجوانب العلمية للتخصص اذ تصل نسبة الساعات المخصصة للاعداد التخصصي في جامعة الملك سعود على سبيل المثال إلى أكثر من 64% من اجمالي عدد الساعات وهذه الزيادة في ظني جاءت على حساب الاهتمام بالاعداد التربوي.
والتطور السريع والمتزايد والنهضة الشاملة في كل القطاعات أدت إلى التغير في المجتمع، وصاحب هذا التغير دخول بعض المستجدات التي أثرت بشكل مباشر على أسلوب التنشئة والتربية، وأمام هذا التقدم التقني والمعلوماتي ظلت حركة التطوير والتجديد في برامج إعداد المعلمين دون المستوى المأمول الذي يحقق الانسجام والتناسق بين الجانبين، الأمر الذي أوجد فجوة بين ما يعيشه الفرد في حياته اليومية وما يتعلمه في الجامعات والكليات، وهذا بدوره أفقد المعلم القدرة على التعامل مع الطلاب تربوياً وتوجيههم وارشادهم، وحل مشكلاتهم.
وضعف إحاطة بعض المعلمين بأهداف التربية والتعليم، فبعضهم لا يعرف أهداف المرحلة التي يدرسها، بل ان بعضهم لا يدرك أهداف ا لمقرر الدراسي الذي يعلِّمه للطلاب، ولا شك ان عدم ادراك الأهداف التعليمية يجعل من الأعمال التي يمارسها بعض المعلمين أعمال عشوائية وغير مخطط لها التخطيط الجيد، وفي أحيان كثيرة يدرك المعلمون الأهداف ولكنهم لا يملكون القدر الكافي من الحماسة والمبادرة اللازم لتحقيق هذه الأهداف والغايات.
وكذلك ضعف متابعة المديرين للمعلمين فيما يتعلق بمهامهم التربوية، فبعض المديرين يركز في متابعته للمعلم على الحضور والانصراف ودخول الحصص والخروج منها، ولكنه يغفل دوره الاشرافي على المعلمين يحفزهم نحو ممارسة مهامهم التربوية في توجيه الطلاب وارشادهم وحل مشكلاتهم، وضرورة تفعيل المعلم لدوره التربوي سواء داخل الفصول أو خارجها.
كما أن المشرفين التربويين أثناء زياراتهم للمدارس والالتقاء بالمعلمين يركزون في لقاءاتهم واجتماعاتهم على الجوانب الفنية البحتة، كاستخدام الوسائل المعينة، أو طريقة التحضير وأسلوبه، أو أهمية استخدام السبورة أو غير ذلك من الجوانب.
ولا شك أن ما سبق من الأهمية بمكان، ولكن ذلك يجب أن لا يصرفنا عن دور المعلم التربوي تجاه الطالب في الارشاد والتوجيه والعناية بسلوكه وميوله لأن له من الأهمية القدر الكبير، ذلك أن الطالب هو المستهدف من العملية التربوية بالقيام على تنشئته والاهتمام به في كل الجوانب السلوكية والفكرية.
وضعف التواصل بين المدرسة والبيت أدى إلى أن كلاً من المدرسة والبيت يلقي باللائمة على الآخر، فالمعلمون يرون أن عدم تعاون البيت في متابعة الطالب أحد الأسباب الرئيسية في بروز بعض المشكلات عند الطالب لأنه يقضي الوقت الأكثر خارج المدرسة.
وفي ذات الوقت يرى أولياء الأمور أن دور المدرسة ضعيف الأمر الذي يؤدي الى حدوث بعض المشكلات لدى الطلاب وتفاقمها داخل نطاق المدرسة دون القيام بعلاجها.ويلخص المنيع وسائل العلاج فيما يلي: أولاً:
على الجهات المختصة باعداد المعلمين ضرورة اعادة صياغة برامج اعداد المعلمين في ضوء الاحتياجات الفعلية، والمستجدات العصرية، ووضع الخطط اللازمة لعلاج هذه المشكلة من خلال ادخال تخصصات جديدة في الكليات والجامعات تتناسب مع ما يشهده المجتمع من تغيرات وتطورات.
ثانياً: الاهتمام بالتدريب على رأس العمل، بطرح برامج ولقاءات تتضمن تفعيلاً لدور المعلم التربوي تجاه الطلاب.
ثالثا: تفعيل دور مدير المدرسة بوصفه مشرفاً تربوياً على العملية التعليمية داخل المدرسة بما يعزز دور المعلم تربوياً.
رابعاً: ضرورة تفعيل المشرف التربوي لأدوار المعلم التربوية، وتحفيزه نحو القيام بهذه المهام، واثارة دافعيته نحو تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية بوصفه المباشر لعملية التعليم.
خامساً: نشر الوعي بين أولياء الأمور سواء من خلال المدرسة، أو وسائل الاعلام المختلفة بأهمية التواصل بين المدرسة والبيت وأن التربية مسؤولية الجميع فيجب أن تتضافر الجهود نحو تربية أفضل للناشئة، وأن يتكامل دور المدرسة مع البيت للوصول إلى أهدافنا التربوية.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved