أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th December,2001 العدد:10668الطبعةالاولـي الخميس 28 ,رمضان 1422

مقـالات

هل يمكن أفغنة فلسطين؟
د. محمد شومان
العدوان الجديد، القديم الذي يشنه ارييل شارون على الشعب الفلسطيني ورموز السلطة بما في ذلك الرئيس عرفات يدفع المنطقة الى مرحلة نوعية جديدة من التصعيد العدواني الاسرائيلي ويضاعف من التحديات والخيارات الصعبة والمصيرية التي تجابه الرئيس ياسر عرفات.
فلأول مرة في سلسلة التصعيد العدواني لشارون على الشعب الفلسطيني تستهدف الآلة العسكرية الاسرائيلية شخص الرئيس عرفات، ويجري الافصاح عن وجود مخطط للتخلص منه وتقويض مؤسسات ورموز السلطة الفلسطينية ورغم الجهود الامريكية والدور المصري الا ان حكومة شارون واصلت مخطط التلويح بتصفية عرفات والسلطة الوطنية، وجرى التصريح عبر اكثر من قناة اسرائيلية وامريكية بامكانية تقسيم اراضي السلطة الفلسطينية في حال تصفية عرفات الى ثلاثة كانتوات صغيرة في غزة ونابلس واريحا تكون تابعة لسلطة الاحتلال، وتحقق في الوقت ذاته وجودا رمزياً للفلسطينيين ليس كدولة وانما كنوع من الحكم الذاتي محدود الصلاحيات.
لكن كل هذه الاشارات لا تعني ان شارون جاد بالفعل في التخلص من عرفات او اغتياله لان اي بديل مطروح، او خيار مستقبلي لا يضمن لشارون تحقيق اهدافه ممثلة في انهاء الانتفاضة الفلسطينية، وفرض شروطه على الشعب الفلسطيني، صحيح ان شارون قد استخدم خلال الاسبوع الماضي كل ما لديه من أدوات ضغط على الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية ونجح في استغلال ما يجري في افغانستان اعلاميا من زاوية وصم عرفات والسلطة الفلسطينية بالارهاب وادعاء ان عرفات هو بن لادن آخر، وهذا النجاح تواكب مع قصف وتدمير الطائرات الاسرائيلية لمقار ورموز السلطة الفلسطينية واجتياح الدبابات الاسرائيلية لمزيد من مناطق الحكم الذاتي، وفرض الحصار وشن حملات اعتقال واغتيال لنشطاء فلسطين.
غير ان النجاح في استخدام العنف والتدمير لم يحقق اي نجاح سياسي، وهنا تكمن ازمة سياسة ارييل شارون الذي لا يجيد سوى استخدام أدوات العنف، بينما يفشل دائما وعبر تاريخه الحافل بالعنف والارهاب في انجاز اهداف سياسية ذات بال.
ولا يعني ذلك ان شارون ليس لديه اهداف سياسية من وراء التصعيد الاخير ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، وانما القصد ان ما يسعى الى تحقيقه من اهداف غير واقعية اذ تتناقص والحد الادنى المتفق عليه بين الفصائل الفلسطينية، ولا يمكن لاي فصيل وطني فلسطيني او اي قائد فلسطيني التسليم بما يطرحه شارون، من هنا تبدو اهداف شارون غير واقعية، خاصة في ظل المكاسب السياسية والرمزية التي حققتها السلطة الفلسطينية عبر تاريخ طويل من النضال والتضحيات، ويدخل ضمن هذه المكاسب الاعتراف الدولي الواسع النطاق الذي حققته فضلا عن التأييد والدعم العربي والاسلامي غير المشروط والذي يبدو أحيانا أقل من المطلوب، غير انه يظل مؤثرا وفاعلا في اي حسابات سياسية.
وفي هذا السياق تبدو اهداف شارون غير واقعية، فهو يستخدم اقصى درجات العنف والارهاب ضد الشعب الفلسطيني ورموز سلطته الوطنية من اجل ان ينزع عن الرئيس عرفات وسلطته طابعها الوطني ويحولها الى مجرد اداة تابعة لأجهزة الامن الاسرائيلي في ملاحقة نشطاء الانتفاضة، وتصفية كل رموز النضال الوطني الفلسطيني التي يصورها شارون بدعم من الادارة الامريكية والاعلام الامريكي على انها نوع من الارهاب.
واستنادا الى هذا التصوير المفرض تمارس حكومة شارون والادارة الامريكية ضغوطا هائلة على الرئيس عرفات لاعتقال نشطاء الانتفاضة، وتصفية البنية التحتية والتنظيمية للقوى الوطنية الفلسطينية المشتركة في الانتفاضة ورغم ان الرئيس عرفات حاول احتواء هذه الضغوط، واتخذ مجموعة اجراءات ضد نشطاء فلسطينيين الا انه لم يسر الى نهاية الطريق، ولم ولن يحقق كل الشروط والمطالب الاسرائيلية، لانها مرفوضة من زاوية الكفاح الوطني الفلسطيني واولوياته اولا، كما انها تحرم الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية من بعض اهم عناصر قوتها في ادارة الصراع، فما هي عناصر القوى التي ستبقى في يد الرئيس الفلسطيني اذا قام بالفعل بتصفية حركة حماس والجهاد، وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، وماذا سيبقى لدى الشعب الفلسطيني اذا جرى تسليم ما يعرف بالاسلحة غير الشرعية؟
ولا يقتصر الأمر على حرمان الشعب الفلسطيني من الوسائل المشروعة للدفاع عن نفسه، وهي بالمناسبة اسلحة صغيرة ومتواضعة للغاية اذا ما قورنت بالترسانة العسكرية الاسرائيلية بل ان قيام الرئيس عرفات بتنفيذ مطالب شارون قد يعرض وحدة الصف الفلسطيني لمحنة خطيرة، فقد تندلع حرب اهلية فلسطينية بين قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية من جهة ثانية، من هنا فان حلم شارون او الادارة الامريكية بأفغنة الضفة الغربية والقطاع هو حلم مستحيل، ولاسيما ان كل القوى الفلسطينية تدرك خطورة سيناريو أفغنة فلسطين، كما ان التاريخ الطويل لنضال الشعب الفلسطيني، والدروس والخبرات العظيمة التي اكتسبها تحول دون اندلاع حرب اهلية على النمط الأفغاني.
ان الرئيس عرفات يدرك جيدا كل هذه الاعتبارات ويعرف جيدا انه في مواجهة موقف بالغ الصعوبة والتحقيق، فهو لا يستطيع قبول مطالب شارون والادارة الامريكية، لكنه يدرك ايضا انه لا يوجد بديل عن استمراره على رأس السلطة الفلسطينية، فالتخلص منه يعني بالنسبة الى اسرائيل مواجهة فوضى شاملة في الاراضي الفلسطينية، وبروز زعامات فلسطينية اكثر تشددا في مواجهة اسرائيل، ولا يمكن للقوات الاسرائيلية اعادة احتلال الضفة والقطاع كما كان الحال عليه قبل السلطة الفلسطينية لان التاريخ لا يعيد نفسه، كما ان هياكل الانتفاضة وقدرتها على توجيه ضربات موجهة الى قلب اسرائيل صارت اكبر، وبما لا يقارن بالانتفاضة الاولى التي انتهت بأوسلو.
في ضوء هذه المعطيات اعتقد ان عدوان شارون على الاراضي الفلسطينية ومطالبه بالقضاء على الانتفاضة او ما يسمى بالارهاب هي محاولة جديدة للتصعيد والضغط على عرفات لكن من دون العمل فعليا لتصفية او القضاء على السلطة الفلسطينية، وهو ما يدركه عرفات جيدا، ويسعى الى مقاومته والالتفات عليه، مع دعم وتأكيد صمود الشعب الفلسطيني، والحفاظ على وحدته فهل ينجح الرئيس عرفات؟ وهل بمقدوره الاتفاق على المطالب الاسرائيلية مع الابقاء على هياكل الانتفاضة .. هذا ما نأمل فيه.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved