أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th December,2001 العدد:10668الطبعةالاولـي الخميس 28 ,رمضان 1422

الثقافية

صَرخَة
لميس منصور
بسط الليل كف نفوذه على تلك المدينة الغافية بأحضان الشتاء.. ارسل انفاسه مبكراً ليدع من يبحث عن الدفء خلف النوافذ المغلقة والابواب الموصدة، يتوارى ويهجر الاماكن العامة التي كانت تزدحم بهم قبل قدومه.
الشوارع كئيبة بعد ما خلت من المارة!!
صخب الصيف.. وبهجة لياليه توارت بعدما أطل الشتاء بكل قسوة فارضاً سطوته!
تغفو العيون.. ويحلو الدثار.. ويطيب الدفء.
ولكن اين لعين سكنها الأرق.. ان يأتي لها النوم..
واين لنفس استوطنها القلق.. ان تسكن وتطمئن!؟
وقفت بالنافذة تراقب الشارع.. وقد ركزت نظرها على وريقة تعبث بها نسمة الهواء الباردة.. محدثة صوتاً وخشخشة، افزعت سكونها وسكون الرصيف المجاور لسكنها!
وريقة.. ألقى بها غصنها الى الرصيف.. فلم تجد مأوى واصبحت ككرة تتقاذفها اقدام الزمن.. وتركلها دون رحمة او شفقة غير عابئة بضعفها وعجزها.
انتفضت وقد تملكها الرعب.. وجحظت عيناها.. وزبد الصدمة يطفو فوق سطح وعيها.. وكأنها للتو.. أفاقت من غيبوبة طويلة.
خرجت من ذهولها.. وصمتها الطويل.. واستوعبت الحقيقة المذهلة التي لم تصدقها عندما أبلغت بها.. بل لم تستوعب تلك التفاصيل التي اوردت لها.. ظنتها في بداية الامر مزحة او ردة فعل غاضبة.. من شقيقتها .. ورفيقة غرفتها.. وصديقة بوحها!!
ألقت تلك الكرة المشتعلة التي ألهبت مسامعها.. أثناء مشاجرة حدثت بينهما عندما اصرت كل واحدة منهما ان تشاهد القناة المفضلة وتتابع نجمها اللامع. شدتها مع شعرها، وهي تصرخ بها وقد أسدل الغضب ستاره على عينيها بحيث لا ترى ولا تعي ما تقول.. لحظة غضب اشعلت فتيل النار بداخلها، وكبلت ارادة التحكم.. فانفلت الزمام .. وتطاير الشرر.
وكانت الحقيقة المفجعة تحملها نبرات صوتها المشحون بانفعال اللحظة المدمر.
اذهبي الى الجحيم.. الى الشارع انه مكانك الطبيعي انه مأوى المتشردين.. ومكان حثالة المجتمع.
اتسعت حدقة عينيها.. فاغرة فم الدهشة.. وقد تراخت يداها.. وتخلصت من بقايا شعيرات التفت حول اصابعها وشعرت كأنها تختنق.
شقيقتها تلف حبل النهاية حول عنقها.. فجرت براكين اللوعة والحسرة والألم.. سرت برودة بأطرافها امتدت الى جسمها.
ارتمت على اقرب اريكة .. احست انها تموج فيها.. كأنها على ارجوحة تهزها بعنف يد لا ترحم.
غيبتها الصدمة عن واقعها.. وغابت معها حيوية وانطلاق واشراقة زهرة في الثامنة عشرة من عمرها. فتحت عينيها.. وقد تمنت لو بقيت زمنا غائبة عن الوعي. كي لا تبصر واقعاً تمثل لها على هيئة شبح مخيف.
لقد غابت الابتسامات وبهجة الطفولة وفراشات الاحلام التي تحوم حول ضوء امانيها وتوقها لم يبق الا صدى كلمات طاعنة.. تنتفض كلما رنت بأذنها. انت.. كنت كتلة لا اسم لك ولا رسم.. جذورك مطموسة تحت تربة النسيان.. وسياج الكتمان.. اتيت لتقاسميني الاهتمام.. وتزاحميني قلباً مفعماً بالحنان.
ارتبك كل ما حولها.. خذلتها قدرتها على الصمود امام اجتياح عاصفة ثلجية لقواها المنهارة..
اتسعت مساحة الحزن داخل قلبها الصغير.. وامتلكها اليأس بأن تعيش مستقبلاً وردياً كما رسمته على لوحة شفافة.. قرمزية المنى.. مائية الحلم.
لن تحدق بضوء الشمس طويلاً لانها مجهولة الهوية.. فأشعتها ستنشر خبرها على صحائف الوجود!!
وترميها الامواج الهادرة.. الى الضفاف البعيدة.
وتأتيها أصوات من كل مكان.. صارخة:
لا وجود لك هنا.. مكانك الزوايا الخلفية!!
ما زال صدى الصوت يهدر بجنون!!
اذهبي الى من يشاركك الهم.. وانت وهو سواء.. فليكن سكنك حيث تقع الانفاق المعتمة.. والدروب الوعرة، فلن يداوي جراحك الا الهروب.. من نفسك.. عالمك.. ماضيك.
خرجت.. وقد طوقتها الحيرة.. وهي تتساءل:
أي الدروب تسلك؟
وبأي اتجاه تسير.. وعلى أي رصيف تلقي همها؟
ابتلعها الطريق الطويل.. ولم يبق لها أثر!!
lamesm@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved