أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 21st December,2001 العدد:10676الطبعةالاولـي الجمعة 6 ,شوال 1422

الاخيــرة

دوافع النوازع
الوزارة
د. محمد بن عبدالرحمن البشر
كتاب الوزارة لأبي الحسن الماوردي كتاب دوّن فيه كاتبه خلاصة فكره وتجربته السياسية، وكتاب الوزارة هذا واحد من عدة كتب قام الكاتب بتأليفها وأشهرها كتاب (الأحكام السلطانية) ومن كتبه: العيون في تأويل القرآن الكريم، وكتاب الحاوي الكبير، وكتاب الإقناع، وكتاب أعلام النبوة، وكتاب تسهيل النظر وتعجيل الظفر، وكتاب نصيحة الملوك، وكتاب العيون في اللغة، وكتاب الأمثال والحكم،وكتاب أدب الدنيا والدين.
ودعونا نقطف تلك الزهور البهية التي حواها الكتاب بما يحلو ويستساغ، ففي حديثه عن الجد والحق والصدق قال: «واعلم أن الجد والهزل ضدان متنافران، لأن الجد من قواعد الحق الباعث على الإصلاح، والهزل من مرح الباطل الداعي إلى الفساد، فصار فرق ما بين الجد والهزل هو فرق ما بين الحق والباطل، وتنافر الأضداد يمنع من الجمع بينهما، فإذا انغمرت بأحدهما كنت للآخر تاركاً، وقد قيل: «الحق مفروض والباطل مرفوض» وقال علي كرم الله وجهه: «العقل حسام قاطع، والحلم غطاء سابغ» فقاتل هواك بعقلك، واستر خلل خلقك بحلمك واستعمل الجد ينفذ إليك الحق ويفارقك الباطل» انتهى.
وليس ما قاله الماوردي عين الصواب فقد يجتمع الضدان دون ضير أو ضرر بل قد يكون اجتماع الضدين زيادة في الحسن والقدرة، وها هو الشاعر يقول:


ضدان لما استجمعا حسنا
والحسن يظهر حسنه الضد

والجد في موقف الجد ضرورة حتمية، وقوة فاعلة للتأثير على غيرنا ومهابة للجاد الحاذق، لكن النفس تحتاج إلى شيء من المرح في موضعه، كما أن المرح الخفيف في موقف الجد يرفع الملل ويحد من التضجر.
والكبر والعنف ليسا جداً، كما أن التواضع واللطف ليسا هزلاً، وربما تدلست هذه الأخلاق بغلبة الهوى ونازع الفطرة، فمزح صاحبها بالجد كبراً، وعنفاً، ليكون بهيبة الجد أحق، ومن سخف الهزل أبعد، وهذا غير محسوس، لأن الكبر والتواضع من شيم النفوس، كما أن السخاء والبخل والجد والهزل من أفعالها فتباعدا في السبب واختلفا في المسبب.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه» وقيل في منثور الحكم: «إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك».
وأعتقد أن الاستراحة ببعض الهزل تعين على مصابرة الجد، وقد قيل: «الهم قيد الحواس».
وفي موضع آخر من الكتاب حذَّر من أهل الزمان، لأن الإنسان محسود بالنعمة ومغبوط بالسلامة والناس على أربعة أطوار متباينة:
أحدها: خير عاقل يسالم بخيره ويساعد بعقله، فالظفر به سعادة والاستعانة به توفيق، فاجتهد الا يفوتك وإن كان قليل الوجود لتحظى بخيره وتسعد بفعله، وقد روي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: «استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوا فتندموا» وقال بعض الحكماء: من خير الاختيار صحبة الاخيار، ومن شر الاختيار صحبة الاشرار، وقل أن يكون العاقل الخير إلا متحلياً بالعلم متزينا بالأدب، وقد قال بعض الحكماء: لا أدب إلا بعقل ولا عقل إلا بأدب، ومثلها كمثل الروح للجسد، فالجسد بغير روح صورة، والروح بغير جسد ريح، فإذا اجتمعا قويا ونهضا وأنهضا فإذا أظفرك الزمان بمن تكاملت فضائله وتهذبت خصائله فاتخذه ذخيرة نوائبك، وعدة شدائدك، تجد كفيل صلاحها وزعيم نجاحها.
وثانيها: شرير جاهل يضر بشره ويضل بجهله فاحذر مخالطته فهو أعم من السم، وأنفذ من سهم. فشره بجهله منتشر يضعف إن ترك، ويقوى إن شرك، فاكفف شره بالإبعاد ولا تسعره بالتقريب فيلحقك بضرر شره وجهله، وقال أحد الحكماء:
ابعد عن الجاهل لتجد الراحة، فإن حمل الرمل والملح والحديد أسهل من المثوى مع الرجل الجاهل.
ثالثها: خير جاهل يسالم بخيره ويضل بجهله، فقارنه إن شئت لخيره، ولا تستعمله لجهله، لتكون بخيره مرسوماً ومن شره سليما. وقال عبدالحميد: لكل شيء لباب ولباب النفوس الألباب.
ورابعها: شرير عاقل، وهو الداهية الماكر، يستعمل في الكروب إذا حزبت على حذر من مكروه، ويتارك في الدعة على استدفاع لشره، وقال حذيفة بن اليمان لرجل: أيسرك أن تغلب شر الناس؟ قال: نعم، قال: إنك لن تغلبه حتى تكون شرا منه، فتعده لخطوب الشر إذا طرقت فإنه بها أخبر، وعلى دفعها أقدر، ولأهلها أقهر. وقال بعض الحكماء:مخالطة الأشرار خطر والبعد على صحبتهم كركوب البحر الذي من سلم ببدنه من التلف فيه، لم يسلم بقلبه من الحذر منه.
وفي موضع آخر تحدث المؤلف عن العدل في الأقوال وذكر أن من العدل في الأقوال ألا تخاطب الفاضل بخطاب المفضول، ولا العالم بخطاب الجهول، وتقف في الحمد والذم على حسب الإحسان والإساءة، ليكون إرامك وإرغابك على وفق أسبابها من غير سرف ولا تقصير، فلسانك ميزانك فاحفظه من رجحان ونقصان.
وقد قيل:« أول العي الاختلاط، وأسوأ القول الإفراط» انتهى.
وكم من ينتظر المتحدث أملاً أن ينتهي من حديثه ليقف على حقيقة ما يريد. وبعد ذلك الانتظار نجده ممكن الاختصار في بضع كلمات تؤدي الغرض دون تطويل ممل أو اختصار مخل، وهذا ما يواجهه المرء في حياته اليومية وما يسمعه عبر المذياع أو يسمعه ويراه عبر التلفاز.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved