أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 21st December,2001 العدد:10676الطبعةالاولـي الجمعة 6 ,شوال 1422

عزيزتـي الجزيرة

الراحة والاطمئنان في قبول الواقع
عزيزتي الجزيرة..
تحية خالصة وبعد:
انقطعت الصلات بيني وبينه، وتوارت ذكراه عني شيئاً فشيئاً وكنت أجد من الحب له ما يغريني بتذكره فلا أكاد أذكر منه غير نفس سمحة، وروح فرحة مرحة، ومرت الأيام، بعضها مرّ على عجل، وبعضها مرّ السحاب لا ريث ولا عجل، ثم وجدته صدفة ورب صدفة خير من ميعاد ولكن كيف حاله حينما وجدته؟
وجدته حزيناً حزناً موحشاً كأنه الفقير الذي نغّص عليه حياته صياح عياله وهم من الجوع يتضورون، ومنظر زوجه التعس البئيس التي لا تجود إلا بالدمع الغزيز، وكأن ذلك الحزن لم يخطر على نفس بشر، فذاك الوجه الصبوح قد انقلب إلى وجه بشع قبيح كالح مظلم، وأحسب أن الجو المحيط فيه قد استحال إلى قطعة ليل مظلمة، زادت ظلمتها ظلمة تلك السحب الكثيفة السود التي تراكم بعضها فوق بعضها، وأكبر ظني أنه كان يحب أن يعقر نفسه كعقر البعير، ثم لو استطاع بعد ذلك لمثل بجثته أي تمثيل، ولمزقها شر ممزق.
ماذا جرى لك أيها الصاحب الغائب؟
فزفز زفرة مروعة كادت أن تجعل صدره ينفجر عن قلبه انفجاراً وفي عينيه دمعتان غزيرتان أوشكتا على السقوط ثم قال لي بصوت تحطمه العبرة، ثم يا للعبرة التي لا تخف، ثم يا للدمعة التي لا تجف، ثم يا للوعة التي لا لوعة بعدها!
ثم هدأ وقال: أنا مصاب بداء العقم، والأطباء عجزوا عني مجتمعين ومفترقين.
فقلت له: دفع الله عنك ما كان عظيماً، هذا لا يجعلك تفعل بنفسك هذه الأفاعيل المنكرة، وتظهر بهذه الصورة المزرية التي لا تسر الناظرين، عد إلى رشدك وسّهل على نفسك، وثق الثقة كلها أن هذه الطريقة ستضرك ولن تسرك، ألم تعلم بأن الحياة مزيج من الشدة واللين، وخليط من الفرحة والترحة، وها نحن أولاء أنا وأنت وهو بين هذه وهذه، ثم من يدري؟
فرب قلة خير من كثرة، ثم ألم تعلم بأن الصبر صفة عظيمة يحبها الصادقون الطامحون إلى رحمة الله عز وجل فاصبر واحتسب عسى أن تكون من أولئك.
وكان حقاً على الذي يريد صحته وسلامته أن يقهر الأزمات هنالك يثبت للخطب، ويتقن النفوذ منه،كلاعب كرة قدم ماهر يمر بين خصومه مروراً لطيفاً، يحاور هذا ويراوغ هذا ويقهر ذاك، وإلا فالخطب حري أن يتغلغل داخل نفسه حتى يستقر، وإذا استقر أنجب له الوسواس القهري الذي يعبث بنفسه أي عبث، ويدمر صحته أي تدمير، وربما طال شره فروّع الآمنين العزل، بل قد يُزهق أنفسهم وهم غافلون.
وكان حديثي إزاءه بمنزلة المطر من الصحراء الصفراء التي لا تجد للماء ريحاً، فعاد إليه هدوء بعد اضطرابات، وفرج بعد حرج، واطمئنان بعد قلق، وإذا باله المنكوب يؤوب إلى بعض الرضا، وإذا نفسه المسحوقة تعود إلى بعض السعة، وإذا قلبه المفجوع يرجع إلى بعض الدعة.
عبدالله منور الحربي

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved