أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 28th December,2001 العدد:10683الطبعةالاولـي الجمعة 13 ,شوال 1422

الثقافية

الخطوة الأولى
البذرة القاتلة
ريم صالح الحميد
كان يسير في ظلمة الليل القاتمة أمام ذلك البحر الهادئ، وهو يبحر في التفكير بمستقبله المجهول وما يخفي له من صدمات مفرحة ومحزنة، ذلك الموظف البسيط الذي يحاول أن يؤمن لأسرته قدراً من متطلبات الحياة، أخذ خياله الواسع أكبر مما هو عليه يتجول في أرجاء المدينة بسيارته المتواضعة وعقله مشتت يخطط ويرسم ويبتكر وهكذا حتى وصل إلى فراشه بعد رحلة طويلة من التفكير لتأمين المستقبل ورمى جثته المنهكة المتعبة عليه ولم يستيقظ إلا مع اطلالة فجر جديد والتكبيرات تنادي للصلاة، نهض الأب والنوم يغالبه وتعوذ من الشيطان وذهب إلى المسجد ليصلي الفجر، ثم عاد لمنزله هادئاً مطمئناً ونام..
في صباح يوم شرق، وطيور تغرد،، وأشعة الشمس الدافئة تخترق أسطح السحب.. الكل في حالة نهوض من موتة صغرى.. الكبار إلى عمل والصغار إلى مدارس.. وكل بيت في هذا الوقت تعمه الضوضاء، ما أروع تلك الأم الحنون التي بجمال بسمتها جمال روحها وسعة قلبها الذي يحوي الكون بماحمل.. وما أروع من يحارب الحياة بالعزيمة والكفاح والجد والصبر ويضيء الظلام ويكسو اليأس، هو ذلك الأب الطموح الذي يسعى لارتقاء معيشته.. قد خرج يتفقد أحوال سيارته بينما الأطفال يتناولون الفطور.. وقد لاحظ أن «البنزين» قد انتهى حتى أنها لا تستطيع السير إلى أقرب محطة فذهب سيراً على الأقدام وأحضر «جالوناً» من البنزين.. وأخذ يملأ سيارته بينما يتساقط البنزين من السيارة على الأرض مرت سيارة بها انسان ضميره بارد، فتح نافذته ورمى في الأرض، سيجارته انفجزت السيارة والعائلة كل منهم في مكان.. هرب الرامي وما بقي إلا غباراً.. بعد اهتزاز المنزل من الانفجار خرجت الأم وهي تنظر إلى سور بيتها وأشجارها في احتراق يأكل بعضها بعض..
كيف تخرج كيف تنقذ نفسها وهي لو تعلم أن عائلتها ذهبت مع الريح لم تنقذ نفسها وأخذت الحيرة تلعب بعقلها وقلبها وهي تدور في المنزل ذهاباً واياباً وبينما هي تصعد درجات المنزل الخارجية التوت رجلها وسقطت خوفاً،، أغمي عليها.. وهنا قد بلغ الفزغ أهل الحي مهرولين إلى شارع المنزل ودبت فيهم شهامة العرب منهم من يحاول قتل النار واضغاف لهيبها ومنهم من غامر بنفسه لانقاذ من بداخل تلك النيران بينما تأتي سيارات الاطفاء.. أخرجت الأم وهي في حالة اغماء وبعد دقائق قليلة من غيبوبتها وقد سقطت عيناها على سيارة زوجها التي أكلتها النيران.. وقد أصابها الهلع.. فجلست أرملة وحيدة.. لا طفلاً يناديها ولا طفلة تناجيها ولا زوجاً يحميها.. ورضت بقضاد الله وقدره وتقبلت مفردات الواقع على أنها حقائق نهائية لا مفر منها..
تلك السيجارة دمرت صحة شاربها وأماتت عائلة بريئة من هذه السموم.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved