| الفنيــة
فوجئت بوفاة الصديق الفنان الأستاذ محمد العلي كما فوجئ بها كل الناس من الأهل والأصدقاء والمعجبين.
لكن الموت لا يعرف المواعيد، والقضاء نازل ربما على الصحيح قبل المريض، ولا نملك إلا أن نسلِّم بقضاء الله وقدره، رحمه الله.
سبحان الله.. يجري الانسان في بحر دنياه لا يشعر بمرور الموت من حوله إلا عندما يمس عزيزاً عليه، فيقف متأملاً ومسترجعاً وواجماً ثم لا يملك إلا أن يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون».
وقد تذكرت لحظة علمت بموته المفاجئ رحمه الله ان كنا يوما في بيت صديق مشترك، وكان بيته يطل على مقبرة، ولم أكن اعرف ذلك. فسألت الصديق: ما ذلك؟ فقال: مقبرة. ولاحظت ان الاخ محمد العلي سرح بنظرة حزينة وقال بفلسفة الفنان: يا ترى كم واحد من هؤلاء الاموات مات وقد فرغ من كل أعماله؟! ولما لم نجب عليه اردف قائلاً بجد: انهم جميعاً ماتوا قبل الانتهاء من اعمالهم وقبل اكمال مشاريعهم، وقبل تحقيق كل ما يريدون من الدنيا.
فقلت له: هذا أمر معلوم. فقال: ولكننا لا نشعر به.
ثم أضاف بضيف : ولا شك اننا سنموت مثلهم.. إن مشروعاتنا أكبر من أعمارنا!!
رحمه الله، لم اكن اتوقع ان يرحل عنا محمد العلي بهذه السرعة، ولا بالصورة نفسها التي تحدث عنها.
في آخر لقاء بيني وبينه تحدثنا عن مشروعات سنشترك فيها، وقال لي سنبدأ ذلك فور الانتهاء مما في يدي ثم اردف ساخراً: ولكن هل سينتهي ما في يدي؟!!
وسمعته يتحدث كثيراً عن مشروعاته وعن توجيه الفن لخدمة المجتمع، ورسالة هذا الوطن، فلهذا الوطن رسالة مميزة، ومسؤولية كبيرة أمام عالمه العربي والاسلامي.
وقبل أيام من وفاته تحدثت معه على الهاتف. وسألني متى نلتقي؟ فقلت له: انت تعرف مجلسي دائماً في البيت فأهلاً بك. فقال: لا بدأن أزورك.. أريد ان ارتاح قليلاً، والجلسة معك مريحة يا حسن ونبدأ في التخطيط لمشروعنا المشترك.
ووضعت السماعة على موعد اللقاء وبعد يومين مات محمد العلي، وارتاح قبل ان اراه وقبل ان ينهي مشروعاته، وقبل ان يبدأ في مشروعه معي.
رحمه الله، فقد كان فناناً في كل شيء، وقدم اعمالاً بحاجة إلى من يكتب عنها، ويسجلها. نسأل الله له الرحمة والمغفرة والاجر وطيب الذكر ولنا العبرة وحسن السيرة وحسن العمل وحسن الخاتمة.
|
|
|
|
|