Thursday 7th February,200210725العددالخميس 25 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجزيرة تلتقي بلال الحسن
يجب التفريق بين الإرهاب وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال
إرهاب الدولة الإسرائيلي أشد خطراً من إرهاب الأفراد والمنظمات
الإعلام الغربي يتميز بمواقفه المعادية لنضال الشعب الفلسطيني

* أجرى اللقاء أسامة عليان:
تعرضت القضية الفلسطينية وانتفاضتها الباسلة لهجمة إعلامية غريبة شرسة وخاصة بعد أحداث 11 أيلول«سبتمبر» في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حاول الإعلام الغربي طمس جهاد ونضال الشعب الفلسطيني ووصمه بالإرهاب مستغلاً أحداث واشنطن ونيويورك والحملة الدولية لمكافحة الإرهاب في وضع انتفاضة الأقصى المباركة في خانة الإرهاب.
«الجزيرة» التقت مع المفكر الفلسطيني الأستاذ بلال الحسن عضو المجلس التشريعي الفلسطيني في حوار لا تنقصه الصراحة حول القضية الفلسطينية والإعلام الغربي حيث أكد الحسن أن الإعلام الغربي وموقفه المضلل من فلسطين قد برز منذ سنوات طويلة وبالأحرى منذ وعد بلفور عام 1917م.
وقد تجدد البحث بعد أحداث11 سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية حيث استغلت الحكومة الإسرائيلية هذه الأحداث والحملة ضد الإرهاب التي رافقتها في تمرير سياستها العدوانية للقضاء على السلطة الفلسطينية والبنية التحتية للشعب الفلسطيني، حيث ربطت إسرائيل سياستها بالسياسة الأمريكية الداعية إلى حلف دولي لمقاومة الإرهاب، وسعت بشكل خاص إلى إبراز تطابق بين ما حدث في الولايات المتحدة وبين ما يحدث في فلسطين.
وأوضح الحسن أن إسرائيل قد فشلت في ذلك في الأسابيع الأولى بسبب حاجة الولايات المتحدة إلى حلف دولي يلعب العرب والمسلمون دوراً بارزاً فيه، ويقتضي إنشاء هذا الحلف إبعاد إسرائيل عنه، بل مارست الولايات المتحدة دور الضاغط على إسرائيل لوقف العنف حيث أطلقت شعار الدولة الفلسطينية.
وفيما يلي نص الحوار:
üكيف تنظرون إلى دور الإعلام الغربي في تعامله مع القضية الفلسطينية؟
«فلسطين والإعلام الغربي» موضوع كبير ومتعدد ومتنوع، لا يمكن الاحاطة به في بحث واحد، ليس لأنه موضوع واسع فقط، بل لأننا لا نستطيع أن نتحدث بالمطلق عن «إعلام غربي»، واحد، فهناك إعلام بريطاني، وإعلام فرنسي، وإعلام الماني، وإعلام ايطالي، وكل واحد من هذه الأنماط من الإعلام يختلف عن الآخر حين نأخذه بهذا المسمى العام. وحين ننتقل إلى التدقيق، نجد داخل إعلام كل بلد، تيارات واتجاهات، بعضها يقف مع اسرائيل ضد القضية الفلسطينية، وبعضها يقف مع الشعب الفلسطيني ضد اجراءات اسرائيل، بعضها يهاجم العرب بسبب موقفهم من اسرائيل، وبعضها يؤيد العرب ويرى ان موقفهم من اسرائيل له مبرراته العادلة. النقطة الصحيحة الوحيدة هنا هي غلبة التيارات المؤيدة لاسرائيل على التيارات المؤيدة للشعب الفلسطيني وللعرب، وهنا يصبح مشروعاً أن نسأل لماذا هذه الغلبة؟
ولقد برز موضوع الإعلام الغربي وموقفه من فلسطين منذ سنوات طويلة، ربما منذ الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور، ولكننا حين نختار نقطة حديثة من هذا النوع، فسنغرق في سلسلة من التفاصيل قد تحجب عنا رؤية ما يجب أن نراه لتحديد الصورة ورسمها بالشكل الصحيح.
ان موضوع الإعلام الغربي وقضية فلسطين، جدير بأن يدرس دراسة ميدانية مفصلة، عن إعلام كل بلد غربي على حدة، لرسم ملامحه وأسس حججه وآرائه، المؤيدة لنا منها أو المعارضة، وهذا عمل بحثي واسع، جدير بأن تتفرغ له مؤسسات علمية داخل الجامعات، وفي فروع الإعلام والصحافة بشكل خاص، حتى تتوفر المادة البحثية اللازمة للمواجهة الإعلامية، ولكن ندوة من هذا النوع الذي نحن فيه، لا تستطيع الدخول في بحر هذه المعلومات، ومن الأجدى أن نركز على المنطلقات العامة، القديمة والحديثة، وصولا إلى هدفنا.
وقد تجدد البحث في الموضوع نفسه بعد أحداث 11 أيلول«سبتمبر» 2001م في الولايات المتحدة، حيث طفا الأمر على سطح الأحداث، وطرحت موضوعات عدة منها:
1 الموقف من الارهاب وفي حين أدان الجميع الارهاب، الا أن الجميع أيضا طالبوا بتعريف دقيق للارهاب، يميز بين الارهاب الأعمى الذي يقترب من الجريمة، وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي.
2 الموقف من الارهاب الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وطرح هذا الموضوع على ضوء أحداث الانتفاضة الفلسطينية كحق مشروع في مقاومة الاحتلال، كما طرح على ضوء الممارسات الاسرائيلية التي تستحق وصف الارهاب، وهو هذا ارهاب الدولة الأشد خطراً من ارهاب الأفراد والمنظمات.
3 ارتفعت أصوات كثيرة، ومن بينها أصوات أميركية، تطالب بالبحث عن اسباب الارهاب من أجل مقاومته مقاومة ناجعة، وبرزت هنا موضوعية السياسة الخارجية الأميركية على امتداد العالم، ودورها في تغذية فكر الارهاب، وبرز بشكل خاص موضوع مواقف الولايات المتحدة من اسرائيل، ودعمها المطلق لها، وأثر ذلك في تغذية المواقف المعادية للولايات المتحدة، وبخاصة على امتداد العالم الإسلامي.
وقد وجدت هذه القضايا طريقها إلى الإعلام الأمريكي بخاصة، وإلى الإعلام الغربي بعامة، وطرح الموضوع نفسه علينا كعرب وكمسلمين: كيف نواجه هذه الحملة الإعلامية، وكيف نرد عليها؟ وانعقدت من أجل ذلك ندوات على مستوى الجامعة العربية، تبحث وتفكر وتقترح خططاً للمواجهة.
ü وما هو موقف الإعلام بعد أحداث واشنطن ونيويورك؟
لا نستطيع أن نقدم وصفاً واحداً لموقف الإعلام في أي بلد غربي من الموضوع الفلسطيني والاسرائيلي بعد«الحدث الأمريكي» الدامي.. ثمة كما قلنا مواقف اتهامية للفلسطينيين ومواقف اتهامية لاسرائيل، بعضها كان يتسم بالموضوعية، وبعضها خرج عن اطار الموضوعية الي التعميم وإلى مخاطبة الغرائز.
في اطار الصحافة الفرنسية، واذا اخذنا جريدة اللوموند كمثال، باعتبارها الجريدة التي تخاطب النخبة الفرنسية، وتميزت في بعض مراحلها بتأييد لاسرائيل، فاننا نجد فيها ظواهر ملفتة للنظر.
أحدهم وهو شخصية فرنسية مرموقة «ادجار موران»«Edgar Moran»، يكتب منتقدا حكومة شارون، فيرد عليه فرنسي صهيوني متهماً اياه باللاسامية، ويقوم هذا الكاتب الفرنسي بالرد عليه بقوة، مؤكداً الحق الدائم في نقد سياسة اسرائيل، ومستغرباً تهمة اللاسامية حين تربط بهذا النقد، وتقوم اللوموند بنشر الرد كاملا، وهو ما لم تكن تفعله في مناسبات سابقة.
يقوم بعض اليهود الصهيونيين في فرنسا، بتنظيم مظاهرة مؤيدة لشارون وسياسته، فيقوم شخص يهودي معروف هو«روني برومين»«Roni Braumen» الرئيس السابق لجمعية«أطباء بلا حدود» بكتابة مقال ضد موقف المتظاهرين وضد حكومة شارون، وينشر مقالته في صحيفة اللوموند، وهو ما لم تكن تفعله في مناسبات سابقة.
بالمقابل نجد حملات معادية، تتسم بالتعميم، حيث يقود التعميم دوماً إلى نتائج سيئة، وحيث التعميم ضروري للنجاح في شن الحملة.. تصدر مجلة «الاكسبرس» في أول عدد لها بعد«الحدث الأميركي» أي في «1992001» وعلى غلافها العنوان الرئيسي التالي: «الإسلاميون يعلنون الحرب على الغرب.. لماذا الآن؟» وفي الافتتاحية يكتب رئيس التحرير مقالته بعنوان «تصادم بين الشمال والجنوب»، ويكون عنوان المقال في الصفحات الداخلية كما يلي: «حرب عالمية من نوع جديد بين الارهاب الإسلامي والغرب».
ومن الكتابات التي تلفت النظر، ما نشرته «الفيغارو وماغازين» قبل عام من الحدث الأميركي «912 1998»، حيث اعدت ملفاً عن الإسلام كان عنوان الغلاف فيه كما يلي: «الإسلام ضد المسيحيين»، وكان عنوان المقال الرئيسي في الداخل والذي يحمل تواقيع ستة كتاب كما يلي: «المسيحيون في مواجهة الإسلام»، واشتمل الملف على مقال تحليلي لمعنى تطبيق الشريعة حمل عنوان«الشريعة ممنوعات، احتقار، خوف» ومن المؤسف أن كاتب هذا المقال صحافي عربي هو الكاتب«أنطوان صفير».
وتتحدث وزيرة العمل والتضامن الفرنسية «اليزابيث نمنغو» ان ردة فعل المجتمع الفرنسي اتسمت بالكثير من النضج، وان الفرنسيين مسلمين وغير مسلمين، كانوا حريصين على تجنب التعميم والخلط، وهو أمر مشجع».
ويتحدث رئيس تحرير تحرير مجلة لوموند دبلوماتيك» «آلان غريش» عن مواقف الصحافة الفرنسية «من العرب والإسلام» في الأزمة ويقول: انها لم تكن سلبية، وانه لم يكن هناك اتجاه واحد، وكان هناك نقاش بين تيارات، والحصيلة وجود توازن لدى الصحف ولدى الرأي العام، وهو يرى ان المشكلة تكمن في السياسة الأميركية، وأنه يجب مكافحة هذه السياسة.
ولكن الصورة في الإعلام البريطاني تختلف عن الصورة في الإعلام الفرنسي، يختل التوازن في الإعلام البريطاني، وتميل الكفة لصالح اسرائيل، ويعلو صوت الحملات ضد النضال الفلسطيني، وضد السلطة الفلسطينية، ويتم ابراز الدعوات لاستبدال قيادة الرئيس ياسر عرفات بقيادة فلسطينية بديلة، توصف بأنها «براغماتية» وهو وصف يعني استعداد هذه القيادة لقبول شروط اسرائيل وشروط شارون للتسوية السياسية، ويمكن هنا أن نستشهد بالعديد من مقالات جريدة التايمز والهيرالد تريبيون، ولكننا بالمقابل لا نستطيع الا أن نلاحظ ما تكتبه جريدة الغارديان، وأحيانا جريدة الاندبندنت، ومقالات«ديفيد هيرست» و«روبرت فيسك» فيها مقالات مميزة منذ فترة طويلة، وتدافع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية ظلم وعدل، وتفضح الممارسات الاسرائيلية بحدة. ومراسلة الغارديان في اسرائيل وفلسطين «سوزان غولدنبرج» وهي يهودية، ولكنها هوجمت كثيراً لأنها تكتب ضد الممارسات الاسرائيلية، وبرنامج التلفزيون البريطاني الذي أعده «فيرغل كين» باسم المتهم» «The Aquese»، عن شارون ومجزرة صبرا وشاتيلا، علامة بارزة في المواقف الإعلامية البريطانية، بحيث اننا لا نستطيع أن نتحدث عن موقف بريطاني واحد، وان كانت السمة العامة في بريطانيا تميل نحو اسرائيل.
وهكذا نستطيع أن نلاحظ في إعلام كل بلد غربي، مواقف معادية ومواقف مؤيدة، مع غلبة للمواقف المعادية لنضال الشعب الفلسطيني، وتنبع هذه الغلبة من المواقف السياسية للدول، كما أن لها منابع أخرى ثقافية وتاريخية ولكن ما
أريد تأكيده هنا هو خطأ التعميم بالحديث الدائم عن الاعلام الغربي في موقفه من القضية الفلسطينية وضرورة تركيز النظر على الموقف السياسي للدول، لا على الإعلام نفسه فقط ففي فرنسا حيث يسود موقف سياسي معتدل ينعكس ذلك اعتدالاً على الاعلام وفي بريطانيا حيث الالتحاق بالسياسة الأمريكية والتماهي معها ينعكس ذلك انحيازاً إلى جانب اسرائيل في الاعلام.
ü ماذا تستخلص من ملامح العداء للقضية الفلسطينية في الإعلام الغربي؟
في محاولة الانتقال إلى استخلاص الملامح العامة للعداء أو للتأييد في مواقف الإعلام الغربي من القضية الفلسطينية فإننا نستطيع ان نسجل الملامح التالية:
1 مرحلة طويلة من التجاهل الغربي للموضوع الفلسطيني بدأ منذ العام 1948م واستمر حتى العام 1963 ولم يكن يتم التطرق إلى القضية الفلسطينية طوال هذه السنوات إلا باعتبارها قضية انسانية يتم فيها التركيز على اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم مقابل صورة روج لها الإعلام الصهيوني عن أرض الصحراء الفلسطينية التي حولها الإسرائيليون إلى أرض خضراء.
2 مرحلة من الإعجاب الشديد بإسرائيل تركز على التفوق الاسرائيلي مقابل صورة العربي الضعيف المهزوم وهي مرحلة بدأت مع نتائج حرب حزيران 1967 ومع ان هذه الصورة تغيرت نسبياً لصالح العرب بعد نتائج حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973، إلا انها ترافقت أيضاً مع حملة إعلامية معادية للعرب تركزت على ارتفاع أسعار النفط، والقول بأن سبب هذه الضائقة هو إقدام العرب على حظر تصدير النفط أثناء تلك الحرب.
3 أدى اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1963 ثم انتشارها كظاهرة شعبية بعد حرب 1967، إلى نمو ظاهرة تعاطف في الإعلام الغربي مع القضية الفلسطينية ومالَ كثير من المثقفين الغربيين ومن الصحافيين إلى الحديث عن الثورة الفلسطينية كحركة تحرر وطني جديرة بالدعم والتأييد واعتبارها وريثة لأمجاد ثورة فيتنام ونشرت في هذه المرحلة عشرات بل ومئات من المقالات والتحقيقات عن الثورة الفلسطينية، وعن الشعب الفلسطيني، الذي حل كمفهوم مكان مفهوم (اللاجئ الفلسطيني) ولكن سقف هذا التأييد انحصر في حق الفلسطينيين في انشاء دولة فلسطينية إلي جانب دولة اسرائيل.
4 عادت القضية الفلسطينية لتواجه حالة من الجمود والتجاهل داخل الاعلام الغربي بسبب الحرب الأهلية في لبنان وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982 والنظر إليها باعتبارها مقاومة في حالة انحسار إلى ان اندلعت انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى عام 1987 ولعبت الصورة السلمية لتلك الانتفاضة وصورة مقاومة الاحتلال بالحجر دوراً كبيراً في التأثير على المواطن الغربي وتعاطفه مع نضال الشعب الفلسطيني ولعب الإعلام الغربي هنا دوراً كبيراً في تكريس تلك الصورة.
5 وشهدت الانتفاضة الفلسطينية التي نعيشها الآن موقفا في الإعلام الغربي يمكن ان نصفه بأنه موقف حائر فهناك ميل لتأييد الانتفاضة تأثراً بمفاهيم تأييد الانتفاضة السابقة ولكن الانتفاضة الحالية دخل إليها العامل العسكري ثم دخل إليها عامل العمليات الفدائية الاستشهادية داخل اسرائيل نفسها كذلك فإن هذه الانتفاضة ولدت في ظل حملة إعلامية أمريكية قادها الرئيس السابق بيل كلينتون شخصياً تلقي اللوم في فشل مفاوضات كامب ديفيد حول الحل الدائم (شهر 7 2000م) على عاتق المفاوض الفلسطيني وتروج أنه رفض عرضاً بإنشاء دولة فلسطينية على 96% من الأرض ومع ان معلومات موثقة نشرت فيما بعد أوضحت خطأ هذه الصورة إلا ان ما رسخ في أذهان الجمهور كان هو الصورة الأولى الخاطئة نفسها وبينما كان المناخ الغربي العام ينفر من شخصية آرييل شارون (اليميني الفاشي بطل المجازر) إلى حد التأييد لضرورة انجاز محاكمته في بلجيكا كمجرم حرب، إلا ان الحملة السياسية الأمريكية التي وصلت إلى حد تأييده رسمياً على مستوى رئيس الولايات المتحدة شخصياً واطلاق يده في مواجهة نشاطات الانتفاضة الفلسطينية واطلاق يده حتى في العمل من أجل إقصاء القيادة الفلسطينية واستقدام قيادة بديلة لها، ألقت بظلالها على المواقف الإعلامية التي أخذت تتأثر بالمواقف السياسية للدول والأحزاب الحاكمة، خاصة وان هذه المواقف تداخلت مع قضية الإرهاب والإجماع على مقاومته.
6 وتأثراً بهذا الوضع المتشابك وبضغوط الموقف السياسي الأمريكي نشطت حملة اعلامية أمريكية تغض النظر عن عمليات القتل والتدمير التي تمارسها حكومة شارون وتغض النظر عن الاحتلال كمظهر أساسي من مظاهر الإرهاب وتركز فقط على العمليات الاستشهادية باعتبارها عمليات ارهابية لأنها تسفر عن قتل مدنيين اسرائيليين مع تجاهل كامل للقتل الإسرائيلي المنظم للمدنيين الفلسطينيين.
7 وتأثراً بهذا الوضع اندفع الإعلام الأمريكي تقوده قاطرة الإعلام الصهيوني المحتمي بالقرار السياسي الأمريكي نحو تصوير عمليات الاغتيال الاسرائيلي المنظم للكوادر الفلسطينية النشطة، على أنها عمليات دفاع عن النفس ينفذها (البطل الإسرائيلي المتفوق) ونحن نشهد الآن من خلال هذا النوع من الإعلام عملية قلب للمقاييس، بحيث تصبح المقاومة المشروعة للاحتلال قتلاً للمدنيين بينما تصبح عمليات القمع التي يمارسها الاحتلال عمليات دفاع عن النفس.
8 سعت إسرائيل منذ اليوم الأول ل «الحدث الأمريكي» الدامي في 11 أيلول (سبتمبر) إلى ربط سياستها بالسياسة الأمريكية الداعية إلى حلف دولي لمقاومة الإرهاب وسعت بشكل خاص إلى إبراز تطابق بين ماحدث في الولايات المتحدة وبين مايحدث في فلسطين ولكنها فشلت في ذلك في الأسابيع الأولى من الحدث بسبب حاجة الولايات المتحدة إلى حلف دولي يلعب العرب والمسلمون دوراً بارزاً فيه ويقتضي إنشاء هذا الحلف إبعاد اسرائيل عنه ومارست الولايات المتحدة في هذه المرحلة القصيرة دور الضاغط على إسرائيل لوقف العنف بل وأطلقت شعار الدولة الفلسطينية ولكن الولايات المتحدة انتقلت بسرعة من موقع المتجاوب مع الضغط العربي إلى موقع الممارس للضغط على العرب ومن خلال استعمال اسرائيل وحكومة شارون كأداة أساسية لهذا الضغط فبدأ الحديث الأمريكي عن عمليات المقاومة الفلسطينية كإرهاب وبدأ الحديث الإسرائيلي عن السلطة الفلسطينية كداعمة للإرهاب وجرى التركيز على اخفاء طابع التحرر الوطني عن نضال الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال.
هذه هي الملامح العامة التي يمكن ان نستخلصها من الاعلام الغربي والاعلام الأمريكي في تعامله مع القضية الفلسطينية ويمكن ان نستخلص من داخله نتيجتين أساسيتين:
النتيجة الأولى: ان ظهور مواقف ايجابية من القضية الفلسطينية داخل إطار الاعلام الغربي يرتبط إلى حد كبير بوجود فعالية نضالية فلسطينية أو عربية.
النتيجة الثانية: ان المواقف السلبية تجاه القضية الفلسطينية في الإعلام الغربي وبخاصة في الإعلام الأمريكي مرتبطة بالموقف السياسي للأنظمة الحاكمة فحين يكون الموقف السياسي متزناً يكون الموقف الإعلامي متزناً بدوره وحين يشتط الموقف السياسي الرسمي تتلقفه الأجهزة الإعلامية المعادية سواء كانت صهيونية أو غير صهيونية لتنفخ في ناره.
ü هل هناك ديمقراطية في الإعلام الغربي وخاصة الإعلامي الأمريكي؟
إن ما يسمى ديمقراطية الإعلام الغربي والأمريكي ليس قضية مبسطة أو مطلقة والإعلام الغربي والأمريكي مثله مثل الإعلام في أي بلد آخر خاضع للتيارات السياسية الفاعلة في البلد ولاوجود لإعلام مستقل فضائي مقطوع الصلة والجذور بالمواقف الرسمية للدول وكل الذي يختلف هو آلية الترويج لهذا الموقف الإعلامي فبينما يتم الترويج بالأوامر في بعض الدول يتم الترويج بآلية العملية الديمقراطية في بلدان أخرى فالإعلام في الغرب وفي الولايات المتحدة بالذات وثيق الصلة بالمؤسسات التي تحرك الحكم وتقوده من الداخل والخارج وهو يعبر بالضرورة عن توجه هذه المؤسسات وعن مواقفها السياسية من القضايا المطروحة.
ويطرح هذا بالتالي مسألة أساسية هي كيف نواجه هذا الإعلام؟ هل المواجهة هي قضية إعلامية تقنية؟ هل المواجهة هي قضية نشاط ووفود وشرح لمواقفنا على قاعدة ان الآخرين لايعرفون هذه المواقف؟ أم ان المواجهة هي قضية فعالية سياسية نضالية نمارسها لتشكل أدوات ضغط بحيث يبحث الطرف الآخر في تغيير موقفه حفاظاً على مصالحه؟ وبكلمة أخرى: هل نحن بحاجة إلى إعلام مضاد يخاطب الغرب، أم نحن بحاجة إلى سياسة مضادة تضغط من أجل التغيير؟
ü ماهي مكونات الذاكرة الجمعية الغربية الموجودة في ذهن الصحفي أو الإعلامي الغربي؟
نستطيع تاريخياً، ان نسجل على مدى عقود طويلة من الزمن واقعة المواجهة بين الشرق والغرب على ضفتي المتوسط ونستطيع تاريخياً، ان نسجل ان واقعة المواجهة هذه راسخة في العقل الأوروبي ولكن تختلف في كل مرة موضوعاتها وتبريراتها.
في بدايات الاحتكاك وحتى في مرحلة الحروب الصليبية كانت المواجهة مشوبة بالإعجاب الغربي بالعرب والمسلمين ومشوبة أيضا بالرغبة في التقليد وقد استمر هذا الإعجاب عبر الأندلس إلي مرحلة زمنية متقدمة ولعبت الأندلس دور الحاضن لحوار الحضارات والمكان الذي يقصده أبناء الملوك وكبار رجال الكنيسة للدرس والتعلم والحصول على التدريب الإداري وحتى في أيام الدولة العثمانية كانت صورة الإعجاب والتقليد لاتزال قائمة ورسخت في أذهان الأوروبيين في هذه المرحلة صورة الإسلام والمسلمين كصورة عثمانية في هذه المرحلة (المراحل) كان الدين هو موضوع المواجهة.
مع عصر النهضة الأوروبي وعصر الكشوفات العلمية والجغرافية بدأ المثال الغربي يخرج من المثال الديني إلى المثال الروماني والإغريقي وجرى في إطار ذلك الخروج نحو اليونان وأرسطو، أي نحو البحث عن أصول أوروبية للإعجاب والتقليد وبدأت في هذه المرحلة فكرة نقد الشرق الإسلامي وبرزت نظرية (الاستبداد الشرقي) وظهرت في هذه المرحلة أيضاً فكرة الاعتدال الغربي مقابل فكرة روح العبودية الشرقية.
ومع الحضارة الغربية الحديثة برزت أفكار نشر الحضارة والتمدن (الاستعمار) وبرزت إلى المقدمة فكرة (التقدم) وبخاصة مع فلسفة هيجل حيث لدى المتقدمين من البشر رسالة نحو غير المتقدمين (رسالة الرجل الأبيض).
في بعض هذه المراحل كان الأوروبيون ينظرون إلى المسلمين من خلال عقلية المواجهة كأعداء والآن برزت نظرية الإسلام والإرهاب فتم تبنيها بسرعة ومن دون متاعب فكرية بسبب ماتقدمه الذاكرة الجمعية التاريخية من دعم ومايقال الآن عن الإسلام والإرهاب ليس جديداً إنما تعاد صياغته فقط.
ولمزيد من التوضيح يمكن ان نذكر انه منذ القرن السابع عشر ظهرت كتب اعتبرت كمراجع أساسية وهي تتحدث عن الإسلام كدين عنف وصراع واعتداء أبرزها كتاب ميشال بودييه (Michel Baudier) الذي عاش بين عامي (1589 1645) وألف عام 1632 كتاباً باسم «دين الأتراك مع ميلاد وموت وحياة رسولهم محمد وأعمال الخلفاء الأربعة الأول الذين تبعوه مع تاريخ نكبات الغزاة في أوروبا خلال القرون الثلاثة الأولى» ومنها أيضا كتاب بول ريكو «Ricaut» المطبوع عام 1670 بعنوان «تاريخ الوضع الحالي للامبراطورية العثمانية»، يحتوي على الحكم السياسية للأتراك، والنقاط الأساسية للدين المحمدي، طوائفهم، وروافضهم، وكل أشكال الأديان في الشرق، انضباطهم العسكري، مع سير دقيق لقوتهم في البحر والبر، ومصادر دخل الدولة ومنها كتب تافرنييه «Tavrnier» وشاردان وبورنييه، والتي شكلت المصادر الأساسية لكتابات لاحقة لكل من مونتسكيو وماركس وكارل فيدفو غيل «Wittwogel».
تطور الأمر مع بروز الفيلسوف «مونتسيكيو» في القرن الثامن عشر، فهو الذي صاغ أساساً نظرياً لعنف وعداونية الإسلام، من خلال ما أسماه «الاستبداد الشرقي» وقد مهد لذلك في كتاب «الرسائل الفارسية»، ثم صاغ نظريته بشكل أوضح في كتابه «روح القوانين»، حيث المجتمع الإسلامي هو مجتمع لا ملكية فيه، وفيه دائماً سيد واحد فقط وكل من حوله مجموعة من الأتباع، والنتيجة أن من لا يملكون هم عبيد لمن يملك، وأتباع السيد الذي يملك هم عبيد له، وهذا هو جوهر فكرة الاستبداد الشرقي.
والملفت للنظر هنا أمران الأول ان الكتابة عن الاستبداد الشرقي تمت في مرحلة كان فيها استبداد الملوك في أوروبا على أشده، وقد جرى القفز عن ذلك والتركيز على فكرة «الاستبداد الشرقي» والأمر الثاني أن كتاباً أوروبيين عديدين كتبوا ضد نظرية «الاستبداد الشرقي» وربما كان من أبرزهم «فولتير» الذي كتب دحضاً لهذه النظرية في كتابه «القاموس الفلسفي»، وكذلك المستشرق الفرنسي «أنغويتيل دوبيرون» «ANQUETIL DUPERRON» الذي عاش بعض الوقت في الهند وفارس «1731 1805» وألف كتاب «التشريع الشرقي» «LA LEGISLETION ORIENTALE» في العام 1775، وهو كتاب يشبه الموسوعة، وفكرته الرئيسية إعادة التعريف بالشرق انطلاقاً من نقد نظرية الاستبداد الشرقي التي كانت رائجة في عصره، ومسيطرة على فكر عصر الأنوار. وهو ينقد ثلاث فرضيات: الأولى أنه لا يوجد تشريع في الشرق فينقد ذلك مورداً التشريعات الشرقية، والثانية أنه لا يوجد ملكية في الشرق فيقول ان هذا خطأ بدليل معايشته الشخصية واطلاعه على وقائع الملكية في الشرق ويورد وقائع الملكية وأشكالها ونظمها، والثالثة تأكيده ان الذين كتبوا، ومنهم مونتسيكيو، لا يعرفون الشرق. ولكن هذه الكتابات هزمت وانتصرت نظرية مونتسيكيو، لماذا؟ لأنها التقت مع القرار السياسي وعبرت عنه، وهو القرار الداعي آنذاك للتوسع الاستعماري الغربي، والباحث عن تبريرات فكرية ونظرية لذلك العمل الاستراتيجي الخطير.
لقد كانت نظرية مونتسيكيو هذه من القوة والسيادة، بحيث تم تبنيها بعد ذلك من قبل كارل ماركس وهو أكبر ناقد للنظرية الرأسمالية في العصر الحديث، مستنداً إلى المصادر نفسها التي استند إليها مونتسيكيو، وبنى على أساسها رأيه في فائدة الاستعمار لقيامه بعملية تحديث في البلدان المستعمرة التي تعاني من «الاستبداد الشرقي» مثل الجزائر، وسار لينين من بعده على النهج نفسه، إلى أن انعقد مؤتمر شعوب الشرق بعد انتصار الثورة الروسية، وبرز في المؤتمر قادة آسيويون وهنود، تحدثوا ضد الدور الاستعماري الغربي، وأبرزوا ايجابيات حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار، فأحدث لينين تغييراً في نظرته إلى المسألة. ولكن آخرين تابعوا النهج نفسه، فقام كارل فيدفوغل، وهو ماركسي مرتد، كان يعمل في «الكومنترن» «القياة المركزية العالمية للحركة الشيوعية» في موسكو في قسم قضايا الشرق، ثم غادر روسيا وانحاز إلى الأمريكيين، وألف كتاباً مرجعياً في الاستبداد الشرقي.
بعد هذه المرحلة نجد مرحلة أخرى من كتب الرحلات التي تشكل مصدراً آخر من مصادر تشكيل الذاكرة الجمعية الغربية من رموزها شاتوبريان الذي ألف كتاب «الرحلة من باريس إلى القدس» وافتتحه بقوله: انه ذاهب إلى القدس كفارس، ربما كآخر حاج صليبي، كآخر الفرسان الذين يتقمصون الروح القديمة، وعندما وصل إلى اليونان «كانت اليونان تحسب من الشرق حتى وقت متأخر» بدأ يتحدث فوراً عن الاستبداد الشرقي، وقبل أن تطأ قدماه أرضاً مسلمة.
وحتى المسيحية الشرقية الأرثوذكسية، كانت كتابات الرحالة تضفي عليها نفس سمات الإسلام الشرقية، فالرحالة «يوجين بورييه» يذهب إلى اسطامبول، ويقيم عند عائلة أرمنية مسيحية أرثوذكسية، ويصفهم بالكرم والنظافة، ولكنه يقول بعد ذلك: مع كل أسف، فهم متأثرون بالتعصب المحمدي، وأسوأ من ذلك هو معتقداتهم.
وتستمر عملية شحن الذاكرة الجمعية الغربية حتى يومنا هذا.. في أواخر الستينات ينشر المستشرق الأمريكي «برنارد لويس» كتابه «عودة الإسلام»، وهو كتاب يقول: انتبهوا، الإسلام لم يمت، والقومية العربية والاشتراكية والعلمانية، مجرد قشرة داخلها الإسلام، وهو يحلل خطابات المسؤولين مبرزاً ما فيها من رموز إسلامية، كما يحلل رموز الفلسطينيين، مشيراً إلى الأسماء التي يطلقونها على الفرق الفدائية «القسام، الأقصى»، ويشير إلى أسماء كتائب جيش التحرير «حطين، القادسية، عين جالوت»، ويشير إلى استخدام الفلسطينيين الدائم لاسم صلاح الدين كرمز، وإلى اطلاق صفة الشهيد على موتاهم.
إن هذه الذاكرة الجمعية هي التي تشكل الخلفية الذهنية للأوروبي وللأمريكي حين يكتب عن القضية الفلسطينية، المرتبطة دائماً بدعم العالم الإسلامي لها، وهي أيضاً التي تشكل عقلية المواطن الأوروبي والأمريكي في نظرته إلى القضية الفلسطينية وإلى أي قضية أخرى تخص العالم الإسلامي، ودليلنا إلى ذلك دراسة أعدها المستشرق «جاك بيرك» في مطلع السبعينات، بطلب من وزارة التربية، عن صورة الإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، وما يتعلمه أو لا يتعلمه الطفل في فرنسا عن الآخر المسلم، فقدم في تقريره صورة شديدة السلبية، ونصح بضرورة العمل على تغييرها.
وفي هذا السياق نشير إلى ما نشره «جاك شاهين» «الأمريكي من أصل عربي» في كتاب له بعنوان «العرب الأشرار في السينما.. كيف تشوه هوليوود شعباً» يشمل الكتاب جرداً دقيقاً لكامل أفلام القرن الماضي الأمريكية، ويبرز الصورة النمطية السلبية للعرب التي استخدمتها صناعة السينما الأمريكية، وهي كما يلي: «متوحشون بلا قلب، غير متحضرين، متعصبون دينياً، مهووسون بالمال، متخلفون ثقافياً، يميلون لترويع أبناء الغرب المتحضرين، المسيحيين منهم واليهود على وجه الخصوص»، وتم أيضاً في هذه الأفلام وعلى مدى قرن الربط بين الإسلام وظلم المرأة، وبين الإسلام والجهاد، وبين الإسلام والارهاب، واستخلص نتيجة مفادها: ان تكون عربياً يعني أن تكون مسلماً، وذلك يعني أن تكون ارهابياً، وهذه هي الصورة السائدة عن الإسلام في الأفلام، ويذكر المؤلف أن استوديوهات هوليوود الكبرى تعرضت لضغوط كي تتوقف عن تقديم صورة سلبية للمرأة، والسود، والأقليات الأخرى، بينما لم تتعرض لضغوط بسبب تقديمها صورة سلبية للعرب «إلا مؤخراً».
وقال «ديفيد مالك» من مركز أبحاث معهد الشرق الأوسط في واشنطن: ان كتاب شاهين مخيف، لأن الأفلام والتلفزيون يشكلان الرأي العام الأمريكي.
وقال «ريتشارد شيكل» الناقد السينمائي في مجلة «تايم الأمريكية» : تحولت هوليوود إلى العرب ليلعبوا دور الشرير في الأفلام بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، ولم يكن لدى العرب منظمات تحتج عندما تقدم هوليوود هذه الصورة النمطية السلبية، إلى أن ظهرت منظمة «عصبة مناهضة التمييز» العربية.
هذه الذاكرة الجمعية التي تكونت عبر العصور، عبر الدين، والكتب، والنظريات الفلسفية، وقرن كامل من الأفلام، هل يمكن معالجتها بالإعلام وحده؟ وأي نوع من الإعلام هذا الذي نحتاج إليه؟
ü كيف يستطيع الإعلام العربي الدخول في مواجهة الإعلام الغربي المعادي لقضايانا؟ وهل يمكن اتهام الإعلام العربي بالتقصير؟
سمعنا طوال الخمسين سنة الماضية، نقداً مراً للذات، تحت عنوان «التقصير الإعلامي في مواجهة الإعلام المضاد في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية»، وكنا نقول ونكرر القول، بأن اللوبي اليهودي هناك يقف وراء هذا النوع من الإعلام، ونطالب بإنشاء لوبي عربي مضاد، ونلوم السفراء العرب ومكاتب الجامعة العربية التي لا تفعل شيئاً لإنشاء مثل هذا اللوبي لكي يقوم بالعمل الإعلامي المطلوب، أو لكسلهم في تكثيف الاتصالات مع الساسة الأمريكيين ونواب الكونغرس بالذات لنشرح لهم ما خفي عليهم من حقائق القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى وينطوي هذا الموقف في رأيي على أخطاء جسيمة لا بد من التوقف عندها ولو بسرعة:
اللوبي اليهودي:
يجري الحديث عن اللوبي اليهودي وكأنه قوة خفية تحرك سياسة الولايات المتحدة، هذا خطأ كبير، فاللوبي اليهودي لا يحرك سياسة الولايات المتحدة، إنما العكس هو الصحيح، هناك سياسة أمريكية واضحة ومعلنة تجاه إسرائيل، واللوبي اليهودي يعبر عن السياسة ويرعاها وينشطها، أي أنه يعبر عن المصلحة الأمريكية تجاه إسرائيل ويرعى استمرار هذه المصلحة.
وقد نجح اليهود في تكوين هذا اللوبي لأنهم يهود أمريكيون، وليس لأنهم قوة خفية جاءت من الخارج، أو تسللت خلسة إلى أروقة السياسة الأمريكية، وحين يقع تعارض في المصالح التكتيكية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإننا نجد اللوبي نفسه يضغط على إسرائيل كي تنسجم مع التكتيك الأمريكي، لنتذكر ما حدث عند مؤتمر مدريد عام 1991م، ألم تضغط الولايات المتحدة على اسحاق شامير لكي ينسجم مع التكتيك الأمريكي الداعي إلى عقد المؤتمر؟ ولنتذكر ما حدث عند مناقشة ضمانات القروض الأمريكية لتمويل كلفة استيعاب المهاجرين الروس إلى إسرائيل، ألم توقف الولايات المتحدة تقديم هذه الضمانات إلى حكومة شامير، لأنها رفضت التعهد بعدم الصرف من هذه القروض على المستوطنات؟ وفي الأزمة الراهنة التي نعيشها، ألم تضغط الولايات المتحدة على آرييل شارون ليوقف عمليات العنف ضد الفلسطينيين، قبل أن يغير الرئيس الأمريكي موقفه ويبدأ سياسة ضغط على الفلسطينيين والعرب بواسطة إسرائيل؟ ان اللوبي اليهودي مصلحة أمريكية، ومن خلال مواطنين أمريكيين يهود، ولا يمكن له أن يعوض بنشاط من الخارج يقوم به السفراء أو تقوم به بعثات إعلامية متباعدة.
رجال الكونغرس:
يجري الحديث العربي دائماً عن تقصير الإعلام العربي بالاتصال برجال الكونغرس الأمريكي، لشرح حقائق الموقف، لهم بصدد القضية الفلسطينية أو القضايا العربية الأخرى، وتعبر هذه الصورة عن اعتقاد خفي بأن أساس المشكلة هو الجهل بها، وأن رجال الكونغرس هم رجال جهلة بالقضية الفلسطينية، يحتاجون إلى من يتصل بهم ويشرح لهم، فإذا تم الاتصال والشرح فإن مواقفهم لا بد أن تتبدل من إسرائيل أو من سواها من القضايا، وربما يصبحون مناصرين للقضية الفلسطينية وللقضايا العربية، وبما أن رجال الكونغرس ليسوا مجموعة من الأغنياء، بل من الرجال الواسعي المعرفة بالشؤون السياسية اللازمة لبلدهم، وبما أن أسلوب عملهم «مكتباً، ومساعدين، ومستشارين لكل عضو كونغرس» يمكنهم من الحصول على المعلومات بشأن القضايا التي يريدون مناقشتها، فإن البحث عن سبب آخر لمواقفهم المعادية للفلسطينيين والعرب، يكون أفضل وأجدى.
على ضوء هذه الصورة نقول، ان بناء لوبي عربي يواجه اللوبي اليهودي، ما كان له أن يتم في السنوات السابقة بعمل من الخارج يتولاه السفراء العرب، وان تغيير مواقف رجال الكونغرس ليس مهمة إعلامية يقوم بها رجال إعلام عرب من خلال اتصال فردي مع هذا العضو أو ذاك، ولا بد لهذه العملية المترابطة أن تنبع من داخل الولايات المتحدة لا من خارجها، وبواسطة الأجيال الجديدة من العرب الأمريكيين، لا بواسطة السفراء أو الزوار في رحلات يتم تنظيمها لهم.
وبعامل الزمن وحده، تتواجد الآن في الولايات المتحدة جالية عربية وإسلامية يقترب عددها من سبعة ملايين نسمة، ونسبة لا بأس بها من هذه الجالية أصبحت من الجيل الثالث أو الرابع، أي أنهم أمريكيون مولداً ونشأة، وهم لذلك جزء من نسيج الحياة الأمريكية الاجتماعية والثقافية والسياسية، ويمكن بإرادتهم ومن خلالهم وبواسطتهم بناء لوبي عربي يؤثر في السياسة الامريكية الداخلية من خلال عملية الانتخابات، بحيث يطلبون مقابل أصواتهم مواقف محددة بشأن القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى، من المرشحين الذين سينتخبونهم. وعلى أساس هذه العلاقة فقط يمكن للوبي أن ينشأ، وأن يصبح مصلحة أمريكية، وأن يتولى مهمة مواجهة اللوبي اليهودي ويكون رجال الكونغرس المحتاجون للصوت الانتخابي العربي، أو الناجحون بسببه، أعضاء فاعلين في هذا اللوبي ويعبرون عن مطالبه. والجهد العربي هنا، جهد حكوماتنا وشعوبنا، هو دعم أبناء الجاليات العربية في الولايات المتحدة، ومدهم بالمال والمنشورات والمعلومات، كي يستطيعوا القيام بمهمتهم.
ونجد الظاهرة نفسها في أوروبا، فالجاليات العربية في أوروبا وصلت الآن بحكم الزمن، إلى الجيل الرابع والخامس، وبدأوا يصبحون عنصراً فاعلاً في الانتخابات الفرنسية مثلاً، ونشهد حالياً تسابقاً بين المرشحين «شيراك، جوسبان، شوفينما» على كسب ود أبناء الجالية من خلال مواقف خاصة بهم، ومن خلال اختيار مندوبين منهم يترشحون على قوائم الأحزاب الفرنسية وتنمو داخل هذه الأجيال قيادات شابة جديدة، تختلف نوعياً عن القيادات التقليدية التي احتلت واجهة تمثيل الجالية حتى الآن، ولهذه القيادات الشابة تصوراتها وخططها للعمل داخل الساحة السياسية الفرنسية، وليس مجرد تقديم مطالب للرعاية كالمدارس أو المساجد وسواها. ولا تحظى هذه الظاهرة الجديدة في أوساط الجالية العربية، بأي اهتمام رسمي عربي، وبينما يملك اليهود في فرنسا 20 مؤسسة إعلامية بين تلفزيون وإذاعة ومجلات وصحف، لا يملك أبناء الجالية أية مؤسسات إعلامية يعتد بها.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved