Saturday 16th February,200210733العددالسبت 4 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رسالة لم يحملها البريدرسالة لم يحملها البريد
المجنون قيس.. والمعشوقة ليلى
وسيلة محمود الحلبي

** الفضاء لا يُغلق ولا يَنغلق..!
ü يرمز عنترة بن شداد في التراث العربي إلى البطولة والشعر، أما البطولة فقد توج تاجها جبينه المظفر منذ أصبح فارس عبس، وحاميها المنشود والدرع التي تتكسر عليها رماح اعدائها وسيوفهم. وأما الشعر، فقد واتاه في طواعية ويسر، متدفقاً كالسيل، رقراقاً كالنسيم، هادراً صاخباً كحميته وفوران نفسه، تلتمع معلقته بين سائر معلقات العصر الجاهلي ويمتلىء ديوانه بدلائل شاعرية اصيلة ويتناشد الناس شعره. ويتذكرونه على مر العصور في مواقف الانفة والكبرياء وفي مشاهد البطولة والاقتحام، وفي ساعات الانكسار الانساني أمام عذابات حب عاصف مقيم. واستطاع عنترة بلغة البطولة والشعر أن يكون رمزاً للحرية عندما تمردت قيود (العبد) الذي انكر ابوه (شداد) بنوته لانه ابن (زبيبة) الامة الحبشية. وعندما اصبحت الحرية رهانه على حياته، وعلى الارتفاع إلى افق تشرق فيه شمس (عبلة) وتضيء.
وعاش عنترة بكل جوارحه وخلجات وجدانه معركته مع الحرية، ومعركته من أجل الحصول على عبلة، فأصبحت المعركتان معركة واحدة، وأصبحت عبلة في شعره، وفي القرار البعيد من نفسه، جناحيه اللذين بهما يحلق، وبهما يتمرد، وبهما يسترد وضعه الانساني الكريم، وتواتيه الفرصة، حين يباغت اعداء (عبس) مضارب القبيلة، وليس فيها إلا النساء والاطفال والعبد عنترة راعي الاغنام وحارس النساء، ويبلي عنترة بلاءه المشهود، ويصد وحده جيش الغزاة، بل ويدحرهم ويطاردهم إلى غير رجعة، عندئذ يهتف شداد ببنوته، وقد اصبح عنترة الحر رمز فخار وإكبار، جديراً بعبلة ومكرماً لاسم شداد.
يقول عنترة حين خرج إلى اليمن مع نفر من قومه، وعند رجوعه تذكر أهله وكان قد زاد شوقه إلى (عبلة):


اذا الدرع هبت من ربى العلم السعدي
طفا بردها حر الصبابة والوجد
وذكرني قوماً حفظت عهودهم
فما عرفوا قدري ولا حفظوا عهدي
ولولا فتاة في الخيام مقيمة
لما اخترت قرب الدار يوماً على البعد
مرنحة الاعطاف مهضومة الحشا
منعمة الاعطاف مائسة القد
يبيت فتات المسك تحت لثامها
فيزداد من أنفاسها ارج الند
ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها
فيغشاه ليل من دجى شعرها الجعد
فهل تسمح الايام يا ابنة مالك
بوصل يداوي القلب من ألم الصد
فبالله يا ريح الحجاز تنفسي
على كبد حرى تذوب من الوجد
ألا قاتل الله الهوى كم بسيفه
قتيل غرام لا يوسد في اللحد

ü وقيس بن الملوح بن مزاحم (حبه لليلى) جعله يفقد صوابه وليلى بنت مهدي العامرية كانت ساحرة العينين.
كبرت ليلى، وحجبت عن قيس بعد أن كانا يرعيان الغنم معاً وهما صغيران. فجن جنون قيس بعد احتجابها عنه وزاد شوقاً اليها فأنشد فيها قائلاً:


تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة
ولم يبد للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت اننا
إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم

ومرت فترة طويلة لم ير فيها ليلى فخرج من داره حزيناً، وركب ناقته ومر بامرأة من قومه يقال لها (كريمة) وكان عندها عدد من النسوة فأعجبن به وبجماله فدعته للنزول فنزل
ولم يعلم أن بين النساء (ليلى) وعندما جلس ووقعت عينه عليها لم يصرف النظر عنها فأنشد يقول:


سحرتني ليلى بسواد عينها
انما السحر في سواد العيون
سحرتني بجيدها وبشعر
وبوجه ذي بهجة فتون
فرمتني، فأقعدتني بسهم
شك فيّ الفؤاد بعد الوتين
ورمتها يداي مني بنبل
كيف اصطاد عاقلاً في حصون

وهكذا عاش قيس وليلى قصة حب عجيبة وكان لهما كل الحب، وكان لديهما كل الحشمة، وكان يغار عليها حتى من الرياح والشمس وكانت تهيم به ليل نهار ولكن القدر لم يجمع بينهما وبقيا معذبين حتى توفيا. عاشا مجنونين.. وماتا حزينين.
ü وبعد: هل يا ترى سيسطع نور الوفاء مرة اخرى في اذهان المشغولين من النساء والرجال الذين اتعبتهم مشاوير الحياة لتدنو المسافات، مسافة المكان والاحساس، وتنبعث الحياة من جديد في الانسان الآلي، وتتفجر دواخله بالعواطف التي صدأت وتغمره مشاعر الحب والوفاء والولاء للاهل.. للوطن للاصدقاء.
ü وقفة.. لكل من قال كلمة طيبة تحية، ولكل من وقف وقفة مشرفة تحية، ولكل من فرح لفرح.. وبكى لالم الآخرين تحية..
فهذه دعوة مفتوحة لانسان العصر الآلي ليقف ويتأمل ويتذكر بعيداً عن المادة وبعيداً عن المصالح والمنافع الشخصية.. والمشاعر الآلية والابتسامات المصطنعة.. دعوة مفتوحة للحب في الله، وحب الوطن، وحب الآخرين..
ص. ب 40799 - الرياض 11511

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved