Tuesday 19th February,200210736العددالثلاثاء 7 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

القيادة التربوية:القيادة التربوية:
اختيار القادة التربويين

هذا الموضوع شاق وعسير ويقول الناس غير ممكن الحصول على الشخص الذي نريده هذا من جانب، وهناك آخرون يقولون: انه سهل ويسير على ما يسره الله عليه إنما المسألة مسألة بحث وتقص، ومحاولة جادة ومفيدة وهم لا يطلبون الكمال ولا السلامة من جميع المعايب والمثالب ولا يريدون ولا يطلبون عصمة أحد بل يقولون: «من يتق الله يجعل له مخرجا» على حد قول الحق سبحانه: {إنَّ خّيًرّ مّنٌ \سًتّأًجّرًتّ پًقّوٌيٍَ الأّمٌينٍ } [القصص: 26]، وإذا بحث الانسان وتقصى واستقصى فالباقي موكول بالله سبحانه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ونحن هنا وحسبما درجنا عليه في هذا البحث وغيره لن ننظر ونسطِّح ونأتي بمثاليات فارغة وجوفاء كما فعل البعض حيث بقيت بحوثهم ومقالاتهم في أرففها وأدراجها وأحيانا نجد صاحب هذه المثاليات وهذا التنظير الفارغ أبعد الناس عما يقول خاصة في مجال عمله وهم ليسوا بالقليل مع الأسف الشديد، وحسبنا في ذلك آيتان من كتاب الله الكريم أولاهما قول الحق سبحانه حكاية عن يوسف عليه السلام: {\جًعّلًنٌي عّلّى" خّزّائٌنٌ الأّرًضٌ إنٌَي حّفٌيظِ عّلٌيمِ} [يوسف: 55]، فهذه الآية جمعت أصول القيادة ومواصفات القائد وشروط القيادة لحقه وما ينبغي عليه أن يفعله الخ وهي قد ملأت صفحات عدة عند كثير من الباحثين وان شئت قل المرددين ( خذ على سبيل المثال لا الحصر، قول بعضهم عن بعض الادارة الماثلة والمعتدلة، الادارة التقليدية، والجذابة والعقلانية، والتسلطية والترسلية، وهكذا مما يطول شرحه وبحثه، إن التربية الربانية في كلام يوسف عليه السلام شديدة التأثير والوضوح لقد طلب عليه السلام بما يرى أنه قادر عليه وعلى حفظه وتنميته ورعايته لم يتملق ولم يراوغ ولم يخادع كما يفعل المهزومون إنما طالب بما يعتقد أنه أهل له وقادر عليه وانه سيصون أرواحا ووجوها وبلادا من الخراب والدمار ومجتمعا من الفتنة، فتنة الحاجة والعوز والحرمان فكان قويا جدا في ادراك الحاجة القائمة والحاجة اليه الى خبرته وأمانته وكفايته وقوته في الحق مع احتفاظه بكرامته وإبائه. ولذا ذكر من صفاته ما تحتاج اليه الحالة الراهنة ويرى وهو صادق انه أقدر عليها من غيره ولم يكن يطلب لشخصه وهذه مسألة مهمة جدا في القيادات وفي أسباب نجاحها حيث لم يطلب غنما لنفسه ولذا يقول العلماء ان اطعام شعب جائع وشعوب كثيرة تجاوره طوال سبع سنوات عجاف لا زرع فيها ولا ضرع مهمة عظيمة يهرب منها الرجال هذا، ولقد أورد بعض العلماء مسألة نسمعها كثيرا في مثل هذه المناسبة وهي أليس في قول يوسف عليه السلام اجعلني على خزائن الأرض الخ أمران محظوران، أولهما طلب الرئاسة والامارة وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبة «ما»«إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله» متفق عليه. وثانيهما تزكية النفس، وقد قال تعالى: {فّلا تٍزّكٍَوا أّنفٍسّكٍمً..} [النجم: 32]، وقد أجاب البعض بإجابات منها، ان أصول العقائد موحدة، أما مثل هذه القواعد فإنها لم تكون مقررة أيام يوسف عليه السلام، والمسائل كهذه ليست موحدة كأصول العقيدة الثابتة في كل رسول وعلى لسان كل رسول، وقد قيل أيضا ان الأمر أوسع في ذلك بكثير، وقال بعض العلماء أيضا ان يوسف عليه السلام لم يكن يعيش في مجتمع مسلم تنطبق عليه قاعدة عدم التزكية، للنفس عند الناس وطلب الامارة على أساس هذه التزكية، كما أنه كان يرى ان الظروف تمكن له من ان يكون حاكما وقائدا صحيحا ومدركا وكان الأمر كما توقع، والآية الثانية قوله سبحانه وتعالى حكاية عن ابنتي نبي الله شعيب عليه السلام: {يّا أّبّتٌ \سًتّأًجٌرًهٍ إنَّ خّيًرّ مّنٌ \سًتّأًجّرًتّ پًقّوٌيٍَ الأّمٌينٍ} [القصص: 26] حيث رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما وهو غريب والغريب كما يقول العلماء ضعيف مهما اشتد ولقد رأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر، والقوة والأمانة إذا اجتمعتا في شخص فهما أصول القيادة الحكيمة والسليمة حيث القيادة من حيث هي تكليف عظيم وشاق ومتعدد الجوانب والتبعات والمسؤوليات ويحتاج صاحبها الى زاد ضخم وكبير من التجارب والمعارف والقدرات والادراك والفطنة والتروي أو التذوق في واقع الحياة العملي الى جانب الاستعداد النفسي والفطري والجسمي وتوفيق الله ومدده الذي لا ينضب، والقائد المسلم والتربوي بالذات أسوة حسنة لمن حوله، وله أسوة وقدوة برسل الله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فلقد تلقوا أعظم درس بليغ ورائع في الاعداد تم الاسناد من الله عزوجل، وهم قد ارسلوا لتبليغ رسالة الله ووحيه وتحقيق عبوديته، ثم أيضا لانقاذ أمم شربت من كؤوس الذل والهوان والحرمان والذل يفسد الفطرة حتى تأسن وتتعفن، وانقاذ أمثال هؤلاء من هذه الدركات الهابطة عمل شاق وعسير إن اعداد القائد مسبقا واختياره لاحقا هل يصلح لقيادة الناس هل يصبر على أذاهم حيث القيادة صبر وجلد وتحمل ومعاناة والناس فيهم الغني والفقير، وفيهم المؤدب المهذب وفيهم الحسن والوقح والشرير، وهذه الأمور كلها تثقل كاهل غير المعد مسبقا للقيادة، كما نشاهد ونلاحظ على الدوام، ونحن في المجال التربوي يفترض فينا ألا نرشح قائدا تربويا قبل ان يستكمل واجبات القيادة وأعني تجاربها ودربتها وتدريبها وتهذيبها وإلا ضاع هذا القائد غير المعد في شعاب ومتاهات الطريق حيث لم يستكمل صفات القائد والرائد وخبرته وحنكته وفطنته، وحتى لا يعتمد على غيره فيصبح مقودا بعد أن يكون قائدا كما نلاحظ ذلك في بعض المواطن.
اختيار القادة التربويين. أصوله ومناهجه:
يخطىء كثيرا من يظن ان القيادة التربوية سهلة وميسورة أو أنها كسائر القيادات، منصب ووجاهة وعمل رتيب أو سيطرة ونفوذ وتنفيذ رغبات أو حظوة أو ميزة إلخ، وهذا قد ينطبق كله أو بعضه على بعض القيادات العامة أحيانا ويختلف باختلاف القادة دينا ومروءة وأمانة وتأهيلا وتدريبا والناس كل الناس خلقوا مختلفين، والناس وكما ورد كإبل مائة لا تجد فيها راحلة: وهذا مشاهد ومحسوس وملموس في دنيا الناس قديما وحديثا، ولكن الذي نقوله هنا ونؤكد عليه ان القيادة التربوية تختلف كثيرا عن أي قيادة لأسباب عدة حاضرة ومستقبلة ولذا يجب الاهتمام التام والكبير في حسن اختيار القادة التربويين سنا وعقلا وخبرة وتجربة وتأهيلا دقيقا، وأنا أركز كثيرا على النقطة الأخيرة أعني التأهيل الدقيق فالخطأ ينشأ أحيانا عن أمور قد يكون من أهمها بعد التأهيل للعمل المطلوب أداؤه خاصة في المجال التربوي، والناس أو بعضهم في هذا يخطئون ففي المناصب والقيادات التربوية لا يفرق البعض منهم وخاصة في بعض الشهادات العليا فيقال مثلا مؤهله بكالوريوس أو ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه ولا يسأل أحيانا ولا يفرق بين من يحمل مؤهلا تربويا مثلا دكتوراه في التربية أو من يحملها في الزراعة أو الصناعة أو التاريخ أو الجغرافيا وقد يكون أبعد من ذلك عن مجال عمله التربوي والأعجب من ذلك عندما تتوفر لدينا المؤهلات التربوية الدقيقة ونعدل عنها الى مؤهل آخر، وهذا ليس تنقصا بصاحبه لكنه هو الذي اختار هذا التخصص وارتضاه، وقد لا يكون التخصص التربوي محبوبا ولا مرغوبا لديه ولا العمل في المجال التربوي وخاصة القيادي أيضا محبوبا عنده، ويكون لديه اتجاه مغاير ورغبة في عمل آخر عدا المجال التربوي إننا، وفي مثل هذا الوقت الذي توفرت فيه الكوادر التربوية المتخصصة والدقيقة في المجال التربوي يفترض فينا البحث عنها وتوجيه كل انسان لما رغب وتخصص فيه {وّلا يٍنّبٌَئٍكّ مٌثًلٍ خّبٌيرُ } [فاطر: 14] والعصر هذا سمته التخصص الدقيق ولا نلتفت بحال من الأحوال الى بعض الأقوال التي تقلل من شأن التخصص ونضرب لذلك أمثلة جوفاء لا مبرر لها والنادر، وكما هو معروف لا حكم له ولماذا نغامر وننتظر حتى ينجح غير المتخصص أو لا ينجح ولدينا تأهيل دقيق وجاهز ومدرب أظن ذلك كله ليس من الحكمة في شيء ولنخرج في تربيتنا عن التقليد والمحاكاة ولنتجه الى التخصصات والممارسات القيادية الصحيحة التي يجب التركيز عليها وكنا كغيرنا قبلا لا نملك الكوادر التربوية الدقيقة، أما الآن بحمد الله فهم كثيرون ومتواجدون وأثبت الواقع نجاح الكثير منهم، ويجب أن يكون الاختيار بعد التأهيل المطلوب واعيا ودقيقا لمديرين جادين فاعلين مدركين نابهين، وما تنفع المباني الجيدة ولا الوسائل العديدة والفريدة ولا الماديات الكثيرة ولا غيرها من مستلزمات التربية والتعليم بدون القادة التربويين المؤهلين أصحاب الفكر التربوي النير وسداد الرأي والقدرة التربوية في استعمال كل السبل المتاحة بشرية كانت أم مادية وبدقة متناهية.


فما تنفع الخيل الكرام ولا القنا
إذا لم يكن فوق الكرام كرام

والانسان المدرب المؤهل تأهيلا دقيقا هو الذي بتوفيق الله يستطيع ان يعدل ويطور ويتميز بالحركة والتغيير المفيد يضاف الى ذلك الكفاءة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة التربوية التي يستطيع من خلالها توضيح وبيان أهداف التربية الاسلامية وسماتها المميزة وتحديات العصر لها ليكون ذلك مساعدا ومسانداً للشباب المسلم والمربي المسلم في تحديد معالم التربية الاسلامية الحية وتميز الأمة الاسلامية على غيرها بفكرها وتربيتها الأصلية والنبيلة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved