كان الجو رائعا، نسمات الربيع تهب خلابة، تغري في ذلك الصباح الجميل بقطع اوتار التواصل بين الراحة والكد.
حملت حقيبتها، ووسائلها التعليمية، وادواتها الاخرى المطلوبة لان لديها درسا نموذجيا من دروس عديدة تعدها كل اسبوع لتلقي بها في وجه صغيرات يدببن علي الارض، لم تتفتح براعمهن بعد، تمنت لو توقف الزمن وبقيت في مثل عمرهن.. عبث.. لهو.. استمتاع بالطفولة قبل ان تغتالها يد الحياة يجذبها للغور الذي لافكاك منه من نمو وتطور ومسئوليات وغير ذلك..
نزلت مسرعة، فتحت باب المركبة.. القت بجسدها بجوار ذاك الذي تنبض عروقه غضبا لتأخرها لحظات.
قد تفوت عليه ارباح صفقة لو كان تاجرا ولم يكن موظفا بسيطا في دائرة تعليمية يتعارض وقت حضوره المتأخر مع دوام زوجته المبكر.
وصلت للمدرسة المطلوبة بعد صراع شبه يومي مع المواصلات والاشارات طوال الطريق كان هناك مد وجزر.
اسرعت تلقي بعباءتها لاقرب مقعد في غرفة المعلمات وتحمل ادواتها ودفتر تحضيرها، تشيعها نظرات المديرة التي تطالب دوما بالحضور المبكر تفاديا للتأخير
لم تنس ان تحث قدميها على السير لارتقاء السلم،.
فالحصة الاولى فصلها في الدور الثالث. والمدرسة مستأجرة والجهة الرسمية تمنع استخدام المصعد.
في الصف وقفت امام التلميذات كتمثال متحرك، كلتا يديها خلف ظهرها.. ابتسمت للوجوه الصغيرة التي مازالت آثار النوم بادية على بعضها، كموظف حضر للعمل بعد سهر متواصل.. المشرفة التربوية كانت تقبع في آخر الفصل.. عيناها مسلطتان على حركاتها وسكناتها..
احتارت في امرها اتلقي درسها ام توقف تلك النظرات القادمة من عيني المشرفة، هل تلومها على التأخر لحظات ام تلومها على انسحاب المعلومات المدرسية من قاعدة الذاكرة لتطفو على السطح مع موضوعات اكثر جذباً؟!
واخيرا قررت في داخلها ان تتماسك، وتبدأ درسها بكل ما اوتيت من قدرة.. وفي تجويف الخاطر،اشياء واشياء اخذت تزحف في تلك اللحظات:
موعد الخروج.. الصغار.. الزوج..اعداد الطعام.
وتشابكت المعلومات لديها، لا تدري ايها الذي كان بالداخل، وايها الذي القته على مسمع من الطالبات والمشرفة.
ايقظها صوت الجرس يدق معلنا انتهاء زمن الحصة، وسؤال يرتسم امام عينيها: هل القت درسها كما ينبغي؟
|