* القاهرة مكتب الجزيرة تحقيق محمد العجمي:
يعاني النقل البحري العربي قصوراً شديداً يتمثل في ارتفاع مصاريف النولون، وتكاليف مناولة البضائع والعمل بنظام تكاليف التداول في الموانئ، وانخفاض معدل تحميل وانزال الحاويات وغيرها من اوجه القصور، وقد اكد الخبراء ان تكاليف النقل البحري تمثل 40% من اسعار الصادرات مما تفقد المنتجات العربية قدرتها على المنافسة في الاسواق العالمية وطالبوا بضرورة خصخصة قطاع الموانئ، وادارتها بشكل تجاري وتأسيس خطوط النقل البحري لتنمية التعاون التجاري والاقتصادي العربي واشاروا الى ضرورة دعم الحكومة بعجز القطاع الخاص عن الاستثمار في هذا المجال.
«الجزيرة» تفتح ملف النقل البحري العربي من خلال هذا التحقيق.
نشير بداية الى نجاح بعض الدول كالصين وسنغافورة واستراليا في اعادة تنظيم وهيكلة قطاع النقل البحري، والموانئ بها من خلال تشغيل الموانئ على اسس تجارية واطلاق المنافسة بين الشركات العاملة في مجال النقل البحري، ونتيجة لذلك اصبح ميناء سنغافورة اكبر موانئ العالم طاقة وثاني اكبر مركز لتداول الحاويات وحقق فائض تشغيل مليون دولار، وذلك بعد ان اتخذت الحكومة في 1997 قراراً بتحويل هيئة ميناء سنغافورة الى شركة تدار بأسس تجارية بحتة، وتم انشاء جهاز تنظيمي وهو هيئة النقل البحري والموانئ «M.P.A» التي تقوم بالاشراف على تنظيم الخدمة في الميناء، ومنح تراخيص الخدمة البحرية، وانتهجت المكسيك نفس المسلك فانخفضت تكاليف الخدمات البحرية في الميناء الرئيسي بنحو 30% وفي «شيلي» ارتفع معدل الحاويات بنحو 50% وانخفضت تكاليف التشغيل في خدمات الموانئ 50%، وكان لنجاح التجربة في ماليزيا، وهونج كونج، واليابان بعد ان سمحت هذه الدول للشركات الخاصة بتملك وتشغيل خدمات الموانئ من خلال عقود الايجار والمعرفة بنموذج «الهيئة المالكة والشركات المنافسة» وتم تطبيق ذلك في الفلبين وتايلاند وكوريا وباكستان وفيتنام والصين، واخيراً تجربة اندونيسيا حيث قررت الحكومة الكف عن ادارة موانيها «300 ميناء» وتم تحويلها لشركات تجارية بحتة تهدف إلى تحقيق الربح مع نقل ملكيتها جزئياً وكلياً الى القطاع الخاص، وبعد عشر سنوات اصبحت اندونسيا منافساً قوياً على المستوى الدولي.
خصخصة الموانئ
اكدت الدكتورة نجلاء الاهواني استاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ان ادارة عمليات الموانئ على اسس احتكارية وغير تجارية لن يحقق الكفاءة الموجودة في النقل البحري عالمياً، مما يتطلب اعادة تنظيم وهيكلة قطاع النقل البحري من خلال جعل هذا القطاع يدار بشكل تجاري يهدف الى الربح او خصخصة ادارة الموانئ.
واشارت استاذة الاقتصاد الى ان النقل البحري هو الركيزة الاساسية لحركة التجارة الخارجية، وانه في ظل توجه الاقتصاد العربي نحو الاقتصاد التصديري بغرض تحقيق معدلات نمو عالمية، وتنشيط الصناعات كثيفة العمل ورفع مستويات الكفاءة الانتاجية، اصبح للنقل البحري ضرورة حيوية لدعم القدرة التنافسية للمنتجات العربية في الاسواق العالمية، خاصة وان احدى الدراسات تقدر تكاليف النقل بنحو 40% من اسعار الصادرات مما يتطلب الامر اعادة تنظيم وهيكلة القطاع البحري التجاري والخدمات البحرية.
وتحدد الدكتورة نجلاء الاهواني اوجه القصور في الموانئ وتتمثل في ارتفاع مصاريف النولون حيث يصل نولون الحاوية 20 قدماً من ميناء الاسكندرية الى موانئ شمال غرب اوروبا 1250 ماركاً في حين يصل الى 900 مارك من ميناء اشدود في اسرائيل الى نفس الموانئ، وارتفاع ايضا تكاليف مناولة البضائع عامة حيث يصل تداول حاوية 20 قدماً في الاسكندرية 225 دولاراً مقابل 138 دولاراً في كريستانا بايطاليا، و183 دولاراً ببرشلونة و214 بمارسيليا، بالاضافة الى استخدام الموانئ لنظام وهو دفع تكاليف التداول في الموانئ منفصلة، بخلاف ماهو في الموانئ العالمية والتي تعمل بنظام اي التكلفة الاجمالية وتشمل النولون والشحن وكافة المصاريف الاخرى وهو مايتيح لمصدر معرفة تكلفة التصدير عند التعاقد على الصفقات.
كما تشمل اوجه القصور في الموانئ انخفاض معدل تحميل وانزال الحاويات من السفن بالمقارنة بالمستويات العالمية، وطول المدة اللازمة للافراج عن البضائع بالموانئ والتي تصل الى 21 يوماً، الى جانب انخفاض معدل النقل بالحاويات عن الدول المحيطة حيث تصل الى 36%، في حين ان المتوسط الدولي يفوق 60% بالاضافة الى ضعف تجارة الترانزيت، وارتفاع تكاليف خدمات الموانئ البحرية بالنسبة إلى الواردات وتشير الى ان الخدمات البحرية تمثل عنصراً هاماً من عمليات تداول البضائع، وخدمة السفن وتنمية الموانئ مما تؤثر تكلفتها مباشرة على اسعار البضائع، وتطالب بانشاء جهاز قوي يقوم بدور رقابي وتنظيمي فعال لضمان رفع كفاءة الاداء دون استغلال وذلك لمواجهة التحديات او المشكلات التي قد تنشأ من تحرير هذا القطاع.
فشل القطاع الخاص
يخالفها الرأي الدكتور احمد شيحة رئيس مجلس ادارة شركة مصر للتجارة ويرى ان القطاع الخاص فشل في تحمل مسؤولية الاستثمارات الضخمة لتأسيس خطوط النقل، والتي كان من اهمها خط النقل البحري لدول الشرق الافريقي، والتي لم تغط مصاريفها حتى الآن بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على بدء اعمالها، بل انها تحقق خسائر وفي حاجة الى دعم حكومي لقدرتها على الاستمرار، واشار الى ضرورة دعم الحكومة للنقل البحري من خلال تخفيض الرسوم لتقليل الاعباء موضحاً ان وجود نقل بحري عربي يساعد على دخول المنتجات العربية الاسواق العالمية وخاصة الاسواق الافريقية، وهي اسواق واعدة للمنتجات العربية.وانتقد الدكتور احمد شيحة الجهاز المصرفي الذي يكاد يكون محجماً عن تمويل استثمارات النقل البحري وخاصة في الفترة التي يعاني فيها ديوناً معدومة كثيرة ونقصاً في السيولة واتجاهها الى مشروعات سريعة العائد، واوضح ان رسوم التحصيل مرتفعة ومغال فيها في بعض الدول العربية مقارنة بدول مثل الخليج المعفاة من تلك الرسوم، واضاف ان النقل البحري يمثل اهمية كبرى لخدمة التجارة المصرية الخارجية ونتيجة للمشاكل التي تواجه هذا القطاع فقدت بعض الدول العربية اسواقا تجارية مهمة كانت تمثل شريكا رئيسياً مثل السوق الروسي وقد حاول القطاع الخاص معالجة هذه المشكلة بدراسة انشاء شركة مصرية وروسية للنقل البحري منذ حوالي خمس سنوات ولم تر النور حتى الآن، وطالب بخصخصة الادارة فقط في قطاع الموانئ من خلال الاستعانة بالخبرات الاجنبية ولتكن 10% فقط والباقي من ايدي شركات مصرية ذات خبرة ومتخصصة في هذا المجال.
النظرة الشاملة
وانتقد لطفي مظهر مستشار اتحاد الصناعات المصرية النقل بوجه عام في الدول العربية، وقال ان كل قطاع من قطاعات النقل يعمل بطريقة منفردة دون التكامل والتنسيق، رغم ان التجارب العالمية تؤكد على النظرة الشاملة لقطاعات النقل «البحري والبري والجوي» تحقق نتائج ايجابية لوسائل النقل ذاتها، والمستفيدين بها موضحاً ان غياب التخطيط الشامل للنقل بجميع وسائله يؤدي الى تحمل رجال الاعمال في التصدير والاستيراد وتكاليف مرتفعة، واضاف ان النقل البحري يعاني كثيراً من المشاكل تتمثل في نقص المخازن والارصفة بالموانئ وتأخر عمليات الشحن والتفريغ والاجراءات المعقدة والبطيئة في الجمارك لتحريك البضائع مما ينتج عنه عدم انتظام السفن في مواعيدها نتيجة ظروف التأخير في التداول والاخراج، بالاضافة الى ضعف الطاقة الاستيعابية بالموانئ، وعدم التزام السفن بالمواعيد المحددة لنقل البضائع سواء محلية او خارجية مما يؤدي الى فقدان سمعتها، وبالتالي الاستغناء عن خدماتها والاتجاه للخطوط الملاحية العالمية القادرة على الانتظام والدقة، وانخفاض اسعارها، وطالب بضرورة حماية صناعة النقل البحري بدلاً من هروب الشركات الملاحية الى الموانئ غير العربية، وتخلص ادارة الموانئ من الفكر البيروقراطي.
الدكتور مصطفى زكي رئيس شعبة المستوردين يؤكد على ضرورة مساهمة الحكومات العربية وصناديق التمويل العربية في تأسيس خطوط النقل البحري لتنمية التعاون التجاري والاقتصادي العربي خاصة في ظل تدني حجم التجارة العربية البينية الى 8%.
ويضيف ان تكلفة النقل هي العنصر الاساسي لاي سلعة مصدرة وكلما تقادم الاسطول زاد اسعار تكلفة النقل حيث يتم تحميله بحمولة اقل من طاقته الاستيعابية، وكلما زاد حجم التبادل التجاري العربي في الاسواق العالمية ادى الى دفع خطوط الملاحة العربية الى تطوير نفسها ويشير الى عدم قدرة القطاع الخاص على انشاء خطوط ملاحية الا بمساعدة الدولة بصورة اساسية، الى جانب اعداد دراسات تحدد جدوى تشغيل الخط الملاحي، وتختار الاسواق الواعدة للمنتجات العربية مثل الاسواق الاوروبية التي تصل الى 39%.
غرامات التأخير
واشار الى انه كلما زادت نسبة الاشغال في الميناء ارتفعت تكلفة النقل موضحاً انه عند الاستيراد من المغرب الى ميناء الاسكندرية تصل التكلفة الى 800 دولار للكونتيز 20 قدماً في حين من المغرب الى دمياط رغم زيادة المسافة الا ان التكلفة 650 فقط نتيجة لنسبة الاشغال المرتفعة في الميناء والذي يحمل على سعر النقل بالاضافة الى تسديد غرامات تأخير مرتفعة، ومشيراً الى ان سعر تكلفة النقل كان يصل الى الضعف مراعاة لتأخير المراكب، وعدم قدرتها على تفريغ الحمولة بصورة سريعة.
وقال مصطفى زكي ان احداث 11 سبتمبر اثرت بشكل سلبي على اسعار التأمين على النقل البحري، والتي ارتفعت بنسبة 60% مما ادى الى احجام عدد كبير من العملاء عن نقل البضائع، كما كان للركود الذي يشهدها العالم انعكاس سلبي على حركة التعاملات التجارية مما يحقق خسائر متزايدة لقطاع النقل البحري لتوقف وجمود نشاطه.
ويقول الدكتور سعيد السعيد عبدالرزاق استاذ التأمين بجامعة القاهرة ان قسط التأمين على النقل البحري والذي ينقسم الى تأمين على جسد السفينة وتأمين على الآلات والمعدات التي تحتويها وتأمين على البضاعة المنقولة يتوقف على احتمالات وقوع الحادث ومعدلات تكراره ومتوسط الخسارة على الحادث الواحد، كلما ارتفعت الاقساط زادت تكلفة النقل، لهذا لابد وان تفكير الدول العربية في انشاء صندوق عربي يهدف الى حماية شركات الملاحة من الافلاس، وانشاء اسطول عربي لدعم حركة التجارة العربية مع دول العالم.
وتضيف تماضر شلبي سيدة اعمال وعضو اتحاد الصناعات المصرية انه يجب التخلص من الرسوم التي يتم رفعها لمخاطر الحروب بين البلدان العربية لتسهيل التبادل التجاري بينها ورفع الاعباء التي يتحملها المنتج العربي.
وان تتم دراسة الرسوم بين الدول العربية ويتم تقييمها على حسب المسافة والمكان، وتطالب بأن تشتمل الاتفاقيات العربية على تخفيض للرسوم الجمركية ورسوم النقل بين العرب بعضهم البعض ومع الدول العربية والشراكة الاوروبية والامريكية.
واشار الى ان تكاليف الموانئ تصل الى 30% من تكلفة المنتج وتصل رسوم الموانئ 3% عند الشحن للبضائع مؤكدة ان تطوير قطاع النقل البحري سيدفع المنتجات العربية للمنافسة في الاسواق العالمية وخاصة الافريقية.
|