Tuesday 19th February,200210736العددالثلاثاء 7 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من المنطقشيء من المنطق
شكراً معالي وزير المعارف
د. مفرج بن سعد الحقباني

نشرت صحفنا اليومية مقتطفات من الكلمة الواعية التي ألقاها معالي وزير المعارف أثناء اجتماعه بزملائه مسؤولي التربية والتعليم في وزارة المعارف وأشار في ثناياها إلى أهمية السعي لتطوير الحركة التعليمية والتربوية في البلاد انطلاقاً من قناعته بأن وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة. كما أشار أيضاً إلى ضرورة الابتعاد عن منهج التلقين الذي لا يتناسب مع متطلبات التنمية ولايوردنا سوى الحنظل على حد تعبير معالي الوزير داعياً القيادات التربوية لبذل المزيد من الجهد لتحقيق الطموح الوطني الساعي إلى منهج تربوي يقود إلى خلق أمة عظيمة بمقوماتها الثقافية والفكرية والتنموية. ولقد واجه تصريح معالي الوزير هجوماً قاسياً من بعض المهتمين بالقضايا التربوية انطلاقاً من التساؤل الذي يقول بأنه إذا كان المسؤول الأول في الوزارة يعلم حقيقة الواقع ويعلم النتائج السلبية المترتبة على هذا الواقع ولايتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الخلل فمن ذا الذي سينقذنا من ويلات هذا الواقع؟ ولعلي أجد العذر لمن ساق اللوم لمعالي الوزير يكمن في وطنيتهم الصادقة وحرصهم الشديد على حماية هذا المجتمع من نوافذ التخلف المترتبة على أسلوب التلقين الأعمى الذي ناشد معالي الوزير مسؤولي الوزارة بالعمل على التخلص منه، ولكنني في نفس الوقت أرى أن أسلوب معالي وزير المعارف في التعبير عن المشكلة يعتبر أنموذجاً راقياً في مجال العمل الإداري ودليلاً صادقاً على علو مهارته المهنية كخبير تربوي يقف على رأس مصنع التربية في هذه البلاد. فمن جهة نجد أنه قد قال كلمة الحق كما يراها وكما شخصها خبراء التربية دون أن يخشى في الحق لومة لائم ودون ان يخاف من تبعات الاعتراف بموطن المشكلة وفي اعتقادي ان هذا الأسلوب يمثل درجة عالية من الشجاعة الإدارية التي ظلت مفقودة لدى بعض المسؤولين وظلت سبباً رئيساً في بروز الكثير من المشاكل الوطنية التي حاول ويحاول البعض إخفاءها خوفاً من تحمل المسؤولية الإدارية وحرصاً على تلميع الذات بغض النظر عن المصلحة العامة. ومن جهة ثانية فإن المقدرة على تشخيص المشكلة تعتبر الخطوة الرئيسة باتجاه الحل السليم القادر على التعامل مع معطياتها ومكوناتها المختلفة وبالتالي فإنني أرى ان وزارة المعارف بقيادة الخبير التربوي استطاعت ان تحدد الوجهة المستقبلية والطريق السليم لتحقيق تربية عظيمة وأمة عظيمة.
ومن جهة ثالثة فإن المهتمين بقضايا التربية فضلاً عن المختصين في شؤونها يعلمون أن بيئة العملية التعليمية بيئة تراكمية يشترك في صناعتها عناصر متعددة أهمها المعلم والمنهج والطالب، وبالتالي فإن تصحيح الخلل إن وجد لايتوقف على قرار إداري يتخذه المسؤول الذي لايملك قطعاً فانوساً سحرياً يمكنه من تحقيق كل تطلعاته وأمنياته. ومن هذا المنطلق فإنه في اعتقادي ان المسؤولين في وزارة المعارف يعون المشكلة ويسعون لحلها من خلال برامج متعددة تطال فيما تطال أسلوب ومنهج التعليم الذي يتعامل مع عدد كبير من المعلمين الذين يمثلون حصيلة مناهج تعليمية مختلفة وحقب تعليمية متعاقبة وثقافات فكرية لها ارتباط شديد بتكوين ذات المعلم. وهذا بطبيعة الحال يجعل من مهمة التعامل مع هذا العنصر مهمة شاقة تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب برامج تدريبية متعددة تنفذ على مراحل مختلفة وتخضع لمحدد رئيس يتمثل في المحافظة على استمرار وانتظام سير العملية التعليمية.
وبناء عليه فإن المنطق السليم يفرض علينا الوقوف احتراماً لمسؤول استطاع ان يشخص المشكلة ويعبر عنها بمصداقية عالية والمساهمة بتقديم النصيحة البناءة التي تنطلق فقط من الدافع الوطني الساعي لخلق أمة عظيمة مردوفة بمنهج تربوي عظيم. المطلوب منا بدلاً من تسطير جمل النقد الجارح تشجيع منهج الصراحة لدى المسؤولين لكونها تمثل المنطلق الأمثل للتعامل مع قضايانا الوطنية ولكونها تمثل الخصلة المفقودة في ميدان العمل الإداري.
وأخيراً أقول: ألم يكن بإمكان معالي وزير المعارف ان يتغاضى عن ذكر موقع الخلل وأن يكتفي بتبجيل وزارته وتلميع صورتها خاصة وهو يعلم أنه المسؤول الأول عن هذه الوزارة؟ ثم ألم نتشبع كمواطنين من التصريحات الرنانة التي صورتنا في شكل يختلف تماماً عن واقعنا بدافع حب الذات والخوف من تحمل المسؤولية؟ أسئلة عديدة تجاوزها معالي وزير المعارف فهل نتجاوزها نحن كمواطنين؟ أتمنى ذلك.

* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved