Wednesday 20th February,200210737العددالاربعاء 8 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

محمد الهادي التريكي المستشار الأول لرئيس الجمهورية التونسية في حديث لـ « الجزيرة »:محمد الهادي التريكي المستشار الأول لرئيس الجمهورية التونسية في حديث لـ « الجزيرة »:
العلاقات بين المملكة وتونس تاريخية عمادها التعاون والأخوة
38 مؤسسة استثمارية سعودية في تونس تعمل على تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة العربية الكبرى

  * جدة مكتب الجزيرة:
أكد معالي المستشار الأول لرئيس الجمهورية التونسية متانة ورسوخ العلاقات بين المملكة وتونس في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية،
وقال معالي المستشار محمد الهادي التريكي في حديث ل«الجزيرة» إن العلاقات بين البلدين الشقيقين قامت على التعاون والتضامن والأخوة لما فيه خير الشعبين ومصالحهما المشتركة، مؤكداً في الوقت نفسه على العلاقات الأخوية المتميزة بين خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وفخامة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وهي العلاقات التي اعطت دفعاً قوياً لعلاقات التعاون والتشاور بين البلدين، وتحدث معاليه عن النمو الاقتصادي والاستثماري الذي تشهده تونس حالياً والازدهار الذي تعيشه في مختلف ميادين الحياة والذي أكدته لغة الأرقام المتنامية للاقتصاد التونسي في الأونة الأخيرة، عن ذلك وعن غيره من الطروحات الاقتصادية والسياسية نترككم مع نص هذه اللقاء والمستشار الأول للرئيس التونسي:
* سعادة المستشار نود أن يكون مدخل حديثنا في هذا اللقاء عن العلاقات السعودية التونسية وما شهدته من تطور متنامٍ في شتى الميادين؟
لا يمكن الحديث عن العلاقات التونسية السعودية دون وصفها بكل موضوعية بكونها علاقات جيدة وممتازة وفي مستوى الإرادة السياسية الصادقة التي تحدو قائدي البلدين سيادة الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز،
إنها علاقات تاريخية قامت على الأخوة والتعاون والتضامن لما فيه خير الشعبين الشقيقين وتدعمت منذ تحول السابع من نوفمبر عندما تولى الرئيس زين العابدين بن علي مقاليد السلطة، حيث كانت المملكة العربية السعودية أول دولة عربية مسلمة يزورها ويلتقي فيها بأخيه جلالة الملك فهد ليرسما معاً معالم التعاون المستقبلي ويجسما الحرص القائم على دعم أواصر التعاون والتضامن بين البلدين وتعزيز المكاسب الحاصلة وتطويرها والارتقاء بها إلى مستوى المطامح المستقبلية للشعبين الشقيقين،
وإن هذه العلاقات الأخوية المتميزة بين الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز أعطت دفعاً قوياً لعلاقات التعاون والتشاور المستمر بن القائدين والتنسيق القائم بين تونس والمملكة العربية السعودية يعتبر خير إطار لمواصلة الجهود لما فيه خير الشعبين الشقيقين اللذين يجمعهما أصل واحد وعقيدة واحدة ومصير مشترك ويجمعهما كذلك العمل على نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية،
أول مستثمر عربي في تونس
وعن العلاقات الاقتصادية والتعاون بين المملكة وتونس في هذا الميدان قال التريكي: إن تونس تعتبر المملكة العربية السعودية أول مستثمر عربي في بلادنا نظراً لما تتميز به العلاقات الثنائية التونسية السعودية اليوم من متانة ومستوى طيب ومرموق في كل المجالات وما يطبعها من أواصر الأخوة والصداقة الحميمة والمثمرة التي تجمع بين قائدي البلدين،
وقد كانت هذه الأواصر خير حافز لكل الأطراف التونسية والسعودية المعنية بمجال التعاون الثنائي قصد مضاعفة الجهد وتقريب مناهج العمل وآليات التحرك المشترك لاستنباط مزيد الأفكار والبرامج الجديدة المساهمة في اضفاء ديناميكية تطور مطرد ومتنوع على العلاقات بين البلدين الشقيقين،
وتعتبر المملكة العربية السعودية أول مستثمر عربي في تونس حيث بلغ حجم الاستثمارات السعودية في تونس إلى عام 2001م ما يناهز 058، 524 مليون دينار تونسي شملت خاصة قطاع السياحة والخدمات والمشاريع العقارية والصناعية والزراعية وقد بلغ عدد المؤسسات السعودية المستثمرة ببلادنا 38 مؤسسة منها 17 مؤسسة في المجال السياحي و7 في الزراعة وشركة واحدة في مجال الخدمات و13 شركة في المجال الصناعي، وتوفر هذه الاستثمارات 5486 فرصة عمل،
كما تعتبر المملكة العربية السعودية أول طرف عربي يستقطب العديد من الكفاءات التونسية في مجال التعاون الفني، حيث بلغ عدد المتعاونين التونسيين بالمملكة ما يقارب 4500 متعاون، يعملون خصوصاً في قطاع التعليم والصحة والكهرباء والنقل والمواصلات والفندقة،
وتعد المملكة العربية السعودية كذلك من أهم المزودين العرب للسوق التونسية وقد احتلت سنة 2000 المرتبة الأولى ضمن البلدان المصدرة لتونس ضمن منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي حيث تطور حجم الواردات التونسية من السوق السعودية من 2، 51 مليون دينار سنة 1999م إلى 2، 82 مليون دينار سنة 2000م أي بنسبة ارتفاع تقدر ب61%،
وبالتوازي فقد شهدت الصادرات التونسية نحو السوق السعودية تطورا هاما ليصل حجمها إلى 4، 33 مليون دينار سنة 2000 مقابل 4، 17 مليون دينار سنة 1999م أي بنسبة زيادة تقدر ب92%،
وتخضع المبادلات التجارية التونسية السعودية إلى الاتفاقية التجارية الموقعة بين البلدين بتاريخ 9 مارس 1988م التي تنص على الاعفاء بالنسبة لكل المواد الفلاحية وكذلك المواد الحيوانية والمواد المنجمية وبالنسبة لقائمة موحدة موسعة من المواد الصناعية وهو اطار بصدد المراجعة حيث عقدت لجنة الخبراء التونسية السعودية اجتماعين الأول بالرياض خلال عام 2000م والثاني بتونس خلال عام 2001م للتباحث بخصوص اعداد مشروع اتفاقية لاقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين،
وقد تم التوصل خلال هذين الاجتماعين إلى وضع صيغة مشروع للاتفاقية المذكورة وكذلك الجداول السلعية المرفقة بها بما ينسجم وأحكام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ويتلاءم مع طبيعة المتغيرات الاقتصادية الجديدة والمتسارعة على الساحة الوطنية والإقليمية الدولية،
صيغ جديدة للتعايش الدولي
* ما هي رؤيتكم للأوضاع العالمية اليوم في ظل المتغيرات الثقافية والحضارية والسياسية التي فرضتها الأحداث مؤخراً؟
إن المتغيرات التي يعيشها العالم اليوم، وظروف التوتر التي تمر بها الإنسانية من جراء نزعات العنف والإرهاب والانعكاسات السلبية لظاهرة العولمة على البعدين الإنساني والاجتماعي في عملية التنمية الاقتصادية تفرض على المجموعة الدولية وقفة تأمل وبحث عن صيغ جديدة للتعايش توفر التنمية المتكافئة وتوفر في ذات الوقت الأمن والسلام والاطمئنان في نطاق العدل والمساواة وسيادة القانون والكيل بمكيال واحد لا بمكيالين،
إن هذه العلاقات السليمة بين البشر لا تتم إلا بالاعتماد على الحوار الذي يعني قبل كل شيء الانفتاح على الآخر وتوفر الارادة المخلصة والنوايا الحسنة للتعاون معه، ، إنها إرادة مشتركة للتقارب والتعايش، ، إنها أخذ وعطاء من أجل تأمين مصالح إنسانية متبادلة،
والرئيس زين العابدين بن علي يعتبر من أول المنادين باشاعة قيم التسامح والحوار والتضامن بين الشعوب والأمم وهو الذي عمل على ارسائها وترسيخها على المستوى الوطني بشكل أثار الاعجاب وجعل تونس انموذجاً في التوفق إلى اقامة مجتمع متوازن ومتضامن ومتسامح، والصندوق العالمي للتضامن هو الآلية التي اقترح الرئيس التونسي بعثها لدعم التكافل بين الشعوب والحد من ظاهرة الفقر ومآسيه والإسهام في القضاء على مظاهر العزلة والتهميش في العالم، وهي بادرة وجدت تجاوبا عالميا واسع النطاق، وتجسيم هذه الآلية الإنسانية من شأنه ترجمة قيم التضامن والتكافل إلى واقع ملموس يساعد الإنسانية على بناء مستقبل أفضل،
ولئن أكد الرئيس زين العابدين بن علي في أكثر من مرة على ضرورة التأسيس لواقع جديد يقوم على القيم الثقافية والحضارية، فإنه دعا كذلك إلى القيام بقراءة نقدية للتاريخ ومراجعة سياسات نمت بالشعور بالظلم لدى الشعوب المضطهدة حتى يكون هذا الواقع الجديد خاليا من الضغائن والكراهية ويسوده الحوار والتسامح والتضامن،
5 ملايين سائح
* كيف تنظرون لسوق السياحة والسفر في العالم العربي بشكل عام وفي تونس على وجه الخصوص خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما صحبه من تحولات في هذا الميدان الاقتصادي الهام؟
تعد البلاد التونسية من الوجهات السياحية الأكثر تميزا واستقطابا للزائرين في العالم، ويتصل هذا التمييز بجملة من الأسباب الجوهرية التي تجعل من تونس قبلة مفضلة لملايين السياح الذين يفدون عليها سنوياً،
وذلك لأن تونس تحظى بموقع استراتيجي مكنها من مناخ ملائم على مدار السنة ومنها معطيات جغرافية بديعة لعل أهمها سواحلها الخلابة التي تغسلها مياه المتوسط،
كما تعتبر البلاد التونسية من أكثر المناطق في العالم أمنا واستقرارا بفضل تحول السابع من نوفمبر الذي جعل منها واحة يطيب فيها العيش وهو معطى حضاري بارز لمسه كل السياح الذين قدموا الى بلادنا طيلة سنوات التحول وأشادوا بما تنعم به من أمن واستقرار وازدهار وتتطور، كما تتوفر البلاد التونسية على بنية سياحية اساسية متطورة بفضل الانجازات والمكاسب التي تحققت على مدار سنوات التحول وهي مكاسب دعمت منظومة الفنادق والمرافق السياحية سواء تلك التي أحدثتها الدولة أو تلك التي كانت نتاجا لمناخ الاستثمار الملائم،
وبالتالي تدعمت في تونس الأقطاب السياحية التقليدية بالتوازي مع ظهور أقطاب جديدة لعل أبرزها البنية السياحية الصحراوية التي جعلت السياح يقصدون بلادنا لا في الصيف فقط بل طيلة السنة وهو يبرز التوظيف الأمثل للمعطيات الجغرافية والتاريخية،
ولعل هذه الأسباب هي الأهم في معرفة قيمة البلاد التونسية في المنظومة السياحية العالمية، وجاءت أحداث 11 سبتمبر الماضي بتفاعلاتها وتداعياتها وآثارها على سوق السياحة العالمية، وكانت تونس سباقة الى احتواء هذه الآثار باقتدار وعزم واثقة من ان هذه الأحداث لن يكون لها تأثير كبير على سوق تونسية معروفة في العالم،
ويكفي تونس ان سنة 2001م سجلت زيارة 5 ملايين سائح اليها أي ما يعادل نصف سكانها وهو رقم بارز الأهمية في المنظومة السياحية العالمية،
والهام ان تونس حريصة على الدوام على تنويع مصادر استقطاب السياح فعلاوة على الأسواق التقليدية الأوروبية التي تشكل المحور البارز في السياحة التونسية فإن تونس عملت على استقطاب السياح العرب من أنحاء البلاد العربية،
وإذا كانت السياحة المغاربية في هذا الاطار هامة بحكم التقارب الجغرافي فإن السياحة العربية الأخرى خاصة الخليجية منها تظل بدورها سوقا واعدة وإن لم يكن ذلك بشكل كلي، فعلى سبيل المثال استقبلت تونس سنة 2001م قرابة 38 ألف سائح خليجي وهو رقم لا يعبّر حقيقة عن الامكانات الحقيقية لهذه السوق، وربما يعزى ذلك الى عدم معرفة الخليجي بالمنتوج السياحي التونسي ومحدودية العلاقات المهنية بين وكالات الأسفار والمهنيين في المنطقتين وعدم وجود ربط جوي مباشر يسمح بسهولة الحركة في الاتجاهين،
والهام في هذا الاطار ان تفعيل السياحة العربية نحو تونس سينطلق مع بداية شهر ابريل القادم حيث تم الاتفاق على القيام بعدة عمليات ترويجية للسياحة التونسية في البلدان الخليجية والعربية الأخرى، وذلك من خلال أسابيع سياحية وثقافية، وقد قامت تونس بطبع دليل سياحي وثقافي شامل موجه للسياحة العربية،
كما تم الاتفاق أيضا على تقريب وكلاء السفر في هذه البلدان العربية من نظرائهم في تونس وتنظيم سفرات وزيارات لهم للاطلاع على المنتوج السياحي التونسي،
موقع استثماري
* الأمن والاستقرار عاملان اساسيان لتحسين مناخ الاستثمار فالى اي مدى كان النجاح التونسي في هذا الميدان؟
تقبل تونس على مرحلة حاسمة في مسيرتها التنموية ساعية الى تحقيق الهدف الاسمى الذي حدده الرئيس زين العابدين بن علي والمتمثل في الارتقاء بتونس الى مصاف الدول المتقدمة في مشارف الالفية الثالثة وان هذا الهدف هو احد ابرز محاور البرنامج المستقبلي لبطل التغيير الذي دخل سنته الثالثة ليتواصل تنفيذه خلال الخطة الخماسية القادمة «المخطط العاشر» التي انبنت في تناغم تام مع البرنامج المستقبلي،
وتنطلق تونس في هذا المسعى معززة بمكاسب نوعية وكمية هامة تحققت بفضل المثابرة على الاصلاح الذي تواصل على امتداد اكثر من عشرية تكرس خلالها التوجه نحو التحرر وتفتح الاقتصاد على محيطه الخارجي مما هيأ له الظروف للاندماج في الدورة الاقتصادية العالمية،
وما كان لتونس ان تحقق النجاحات الباهرة التي توصلت اليها لولا الاستقرار السياسي والاجتماعي والوفاق الوطني حول اهم الاختيارات التي تهم حاضر ومستقبل البلاد وهو ما يوفر قاعدة موضوعية لتطوير الانتاج ودفع المبادرة الخاصة وتنمية علاقات الشراكة في مختلف الميادين،
ولم يكن اهتمام المستثمرين والمؤسسات الاجنبية بتونس خلال السنوات الاخيرة وليد الصدفة بل كانت نتيجة طبيعية لما تحقق من نجاحات وما توفره من مزايا تفاضلية فضلا عما تقوم به اغلب المؤسسات الاجنبية بتونس من اشغال توسعة او اقامة مشاريع جديدة،
قفزة نوعية وكمية
بالتوازي مع سعي تونس الدؤوب الى تحسين مناخ الاستثمار الخارجي، حرصت القيادة السياسية على دعم محيط الاستثمار الداخلي باعتباره محركا اساسيا للتنمية وعاملا ضروريا لتحقيق التوازنات العامة للبلاد،
وقد شهد الاستثمار الداخلي نسقا تصاعديا في شتى المجالات من 1، 24% في فترة المخطط الثامن الى 7، 25% في المخطط التاسع ومن المرتقب ان تتطور هذه النسبة في المخطط العاشر 6، 26% وان دل هذا على شيء فهو يدل على ما يتم اقراره من تشجيعات وحوافز قيمة فضلا عن حث كل الطاقات الحية وخاصة الشبان على الاستثمار لحسابهم الخاص بغية تنويع المشاريع ذات البعد التكنولوجي لما لهذه المشاريع من تأثير ايجابي على تنويع القاعدة الاقتصادية وتنشيط حركة التجارة،
ويرتكز الاستثمار الداخلي على قطاعي الصناعة والفلاحة نظرا لمساهمتهما الفعالة في الحركة الاقتصادية وثقلهما في الخارطة التنموية للبلاد بالاضافة الى توفيرهما لاغلب اليد العاملة التونسية فضلا عن دورهما وخاصة الصناعات المعملية في تنشيط الصادرات التونسية، ويشكل قطاع الصناعات المعملية العمود الفقري للصناعة التونسية لاسيما منذ ابرام اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي وتطبيق برنامج التأهيل الصناعي الذي اثبت نجاعته ومساهمته الفعالة في تعزيز القدرة التنافسية للصناعة التونسية اذ تفيد الاحصائيات ان هذا البرنامج ساعد في نمو الاستثمارات الصناعية بصفة ملفتة للانتباه،
تنفيذ اتفاقية التجارة العربية
* ماذا قدمت تونس في هذا الميدان الاقتصادي والاستماري فيما يخص مبادلاتها التجارية على المستوى العربي؟
على المستوى العربي عملت تونس، خلال 14 سنة من التغيير على تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة العربية الكبرى والتي تقضي بتخفيض الرسوم الجمركية بنسب سنوية متساوية على امتداد عشرة أعوام، كما تنص على إلغاء القيود غير الجمركية، أما على الصعيد الثنائي فقد وقعت تونس اتفاقيات للتبادل الحر مع كل من مصر والأردن والعراق وسوريا على غرار ما فعلته مع المغرب وهي اتفاقيات تقضي بتحرير التبادل التجاري ودفع نسقها إلى وتيرة أسرع من اتفاقيات التبادل الحر العربية أو بنفس الوتيرة في أقصى الحالات، وقد دخلت هذه الاتفاقيات حيز التنفيذ بل وشكلت دافعاً اقتدت به بعض البلدان العربية في عقد اتفاقيات مماثله في ما بينها، كما تم، من ناحية أخرى، تفعيل الاتفاقية التجارية والتعريفية التونسية الكويتية في اتجاه التحرير والإعفاء، وقد عزز هذا التوجه المبادلات التجارية مع الأشقاء العرب،
وتبذل تونس جهوداً متواصلة لاستقطاب المستثمرين العرب من المغرب والمشرق كان من نتائجها أن تطورت الاستثمارات العربية في تونس بمعدل 24% سنويا خلال الفترة 1991 1997 لتصل إلي 53 مليون دينار سنة 1997 مقابل 3، 14 مليون عام 1991، وبذلك بلغ مخزون الاستثمارات العربية في تونس حوالي 822 مليون دينار،
وقد مكنت هذه الاستثمارات من إنشاء 154 مؤسسة برأس مال عربي «50 مؤسسة جزئياً» ومن إحداث 14612 فرصة عمل ويستقطب قطاع السياحة أهم قسط من الاستثمارات العربية في تونس، وذلك بنسبة تبلغ 67%، يليه قطاعا الصناعة«27%» والفلاحة«6%»، ويضاف إلى هذا أن 173 مؤسسة مصدرة كلياً أو جزئياً مقيمة في تونس تساهم فيها رؤوس أموال عربية بمشاركة أموال تونسية وأوروبية، وقد بلغ مجموع استثمارات هذه المؤسسات حتى نهاية عام 1998 حوالي 920 مليون دينار، 55% منها مساهمة عربية،
الاتحاد الأوروبي سوق أولي
* وماذا عن الشراكة مع الاتحاد الاوربي؟
تبقي الشراكة مع الفضاء الأوروبي والمتوسطي هي التي تحتل المرتبة الأولى من هذه المجموعة المتنوعة مع الفضاءات، وذلك لأسباب جغرافية« قرب تونس من القارة الأوروبية» وتاريخية تتمثل في التعامل مع هذه البلدان مثل إيطاليا وإنجلترا وإسبانيا وفرنسا، وقد أفضى تطور هذا التعامل إلي إمضاء اتفاقية شراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي عام 1995 بهدف تطوير التعاون بين الجانبين،
وتقضي هذه الاتفاقية، في مجال التبادل التجاري، بإنشاء منطقة للتبادل الحر بين الطرفين خلال اثنتي عشرة سنة، وفي هذا الإطار تحافظ تونس على الامتيازات السابقة لدخول الأسواق الأوروبية أي الإعفاء من أي رسوم جمركية ومن دون أي تحديد كمي إضافة إلي تيسير دخول المنتجات الفلاحية التونسية بشروط تفاضلية في نطاق حصص محددة، مما يفتح آفاقاً هامة أمام الصادرات التونسية نحو سوق تعد أكثر من 360 مليون مستهلك من ذوي الدخل المرتفع،
وفي المقابل، تتولى تونس التخفيض التدريجي، على مدى اثنتي عشرة سنة للرسوم الموظفة على الواردات الصناعية من الاتحاد الأوروبي، وهو ما شرعت في إنجازه فعلا بداية من عام 1996 وصولاً إلى تجسيم التبادل الحر بين الطرفين،
ومن ناحية أخرى، يعتبر الاتحاد الأوروبي الطرف الرئيسي لتونس في صلاتها التجارية والاقتصادية عامة، بل هو الحريف الأول لتونس، إذ يستوعب 80 بالمائة من الصادرات التونسية كما أنه المصدر الأول لتونس، والطرف الرئيسي في نجاح برنامج التخصيص، وكثافة هذه المبادلات التجارية بين الطرفين تجعل العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي علاقة عضوية تحتم منح أولوية للشراكة بينهما وقد بلغت جملة المعاملات مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1999 وحدها 5606 ملايين دينار للصادرات و 7189 للواردات تحتل فرنسا الأولوية فيها بمبلغ جملي يساوي 4529 مليون دينار،
وأولوية الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي نجدها مجسمة كذلك على مستوى الاستثمارات الخارجية المباشرة التي تنجز في تونس، حيث نجد أن حصة هذه الدول تمثل أكثر من 70% من مجموع تلك الاستثمارات، أي حوالي الثلاثة أرباع، كما تحتل دول الاتحاد الأوروبي المرتبة الأولى من حيث عدد المؤسسات في تونس والتي بلغت 1674 مؤسسة من جملة 1959 سنة 1999 وفرص العمل التي تم احداثها«146 ألف من 173 ألف»،
* ولكن كيف يتم التعاون مع الاقتصاديات الحدثية في آسيا؟
أقدمت تونس على الافتتاح على فضاءات أبعد بحثا عن التنويع واقتحام أسواق جديدة، وفي هذا الاختيار يندرج مثلا توجه تونس في الأعوام الأخيرة إلى محاولة اكتساب مواقع في القارة الآسيوية لدفع نسق التعاون والشراكة مع بلدانها، ويعتبر مثال اليابان نموذجيا في هذا الصدد، فمنذ الزيارة التي قام بها الرئيس زين العابدين بن علي إلى طوكيو في 1996 ما فتئت علاقات التعاون تتطور بين البلدين مما خول لتونس الحصول على العديد من المساعدات المالية والتقنية التي مكنت من إنجاز عدة برامج تنموية، إذ حصلت تونس على قرض ساموراي بامتيازات تفاضلية غير مسبوقة، ودخلت عن جدارة إلى السوق المالية اليابانية القوية، وارتفعت المبادلات التجارية مع اليابان من 210 ملايين دولار سنة 98 إلى 265 مليون دولار سنة 1999م،
كما دعمت تونس علاقات الشراكة مع الصين والتي عرفت نقلة نوعية هامة، مما مكن من إنجاز مشاريع عديدة في مجالات استخراج الفوسفات وإقامة السدود التلية، وكان من ضمن نتائج هذا التعاون رفع القدرة التصديرية للفوسفات التونسي بفضل التقنيات الصينية المتطورة،
وترتبط تونس كذلك بعلاقات طيبة مع بلدان آسيوية أخرى كالهند وماليزيا وتركيا وإيران وإندونيسيا، التي أصبح التعامل معها سنة 1999م يصل إلى حوالي 40 مليون دينار، بعد أن كان منعدما تماما في السابق،
كذلك أفريقيا التي يوليها الرئيس ابن علي أهمية فائقة، وكانت دائما محور دفاعه في المحافل الدولية والأممية، فإن تونس حرصت على تعزيز العلاقات معها من جهة لتنمية المبادلات الاقتصادية والتجارية في إطار المصالح المشتركة، ومن جهة أخرى للإسهام بالدور المطلوب منها في النهوض بالمستوى الاقتصادي العام لهذه البلدان، كذلك نجد تونس تواصل هذا السعي من أجل تنويع شركائها وفتح فضاءات جديدة للتعاون ولتسويق المنتوج التونسي،
أرقام وحقائق
* ماذا تقولون عن تونس اليوم، ، وكيف تقيمون تجربتها التنموية؟
لئن بدت نتائج جهود ابن علي المعروف بمنهجه العلمي وبقوة المثابرة على العمل تبرز للعيان من خلال سلسلة من المكاسب والإنجازات فإن عهد التحول في تونس ترك نتائج 14 سنة من التراكمات الكمية والنوعية تتحدث عن نفسها: نسبة نمو تعادل 5 فاصل 7 بالمئة ونسبة الفقر تنخفض إلى 4 فاصل 2 بالمئة وارتفاع الدخل الفردي إلى 2800 دولار مما وسع دارة الطبقة الوسطى إلى أكثر من ثلثي مجتمع متضامن، متسامح، ديمقراطي تعددي، ،
واعتزازا بهذه النتائج فإن اهتمام الرأي العام التونسي اليوم يولي أهمية متميزة للبرنامج المستقبلي للرئيس ابن علي الذي يمتد إلى عام 2004، وقد استند البرنامج إلى منهجية سياسية استشرافية، ذلك أن الرئيس ابن علي، لما طرح خياراته المستقبلية التي خاض بها حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1999م والتي تميزت لأول مرة في تاريخ تونس بتعدد الترشحات لرئاسة الجمهورية أكد أن تحول السابع من نوفمبر لم ينتظر سقوط جدار برلين لإرساء أسس المجتمع المدني، ، وخبرة السنوات الماضية «علمتنا كيف نستبق الأحداث وكيف نستشرف المتغيرات، ، وبذلك غدت أهدافنا واضحة وأدوات مجابهتها فاعلة، ، »،
وبالتوازي مع القفزة الاقتصادية رغم تحديات العولمة، اتسعت في تونس قاعدة الطبقة الوسطى إلى 80% وارتفع مؤمل الحياة إلى 73 عاما نتيجة تطور الخدمات الصحية ومستوى العيش الذي اقترب من المقاييس الأكثر تطورا في العالم بعد أن قهرت تونس الفقر والمظاهر المخلة بحقوق الإنسان والعيش الكريم إذ توفقت إلى انتشل نحو مليون نسمة فيما كان يعرف بمناطق الظل وأقحمت سكانها في دورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بآليات مبتكرة منها الصندوق الوطني للتضامن والبنك التونسي للتضامن الذي قدم قروضا بنسب فائدة منخفضة لصغار الباعثين وحاملي الشهادات العليا والكوين المهني،
ورغم أن منوال التنمية الشاملة الذي تعتمده تونس نابع من تطلعات شعبها وخصوصياته فإن هذا المنوال ظل يشجع القطاع الخاص وتعزيز طاقة تدخله وجعلها تصل إلى أكثر من 52% وهي نسة قريبة من بعض النسب الأوروبية مثل إسبانيا والبرتغالي،
وخلال هذا الظرف الذي ترفع فيه تونس شعار «أنسنة الاقتصاد» وتوظيف نتائج خيراته في خدمة الأغراض الإنسانية بادر ابن علي بنداء لإحداث صندوق عالمي للتضامن وقد صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع بعد تأييد اقليمي ودولي واسع لتطويق ظاهرة الفقر بعدما بينت المعطيات المتوفرة أن عدد الفقراء في العالم الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم قد يرتفع من 1، 3 مليار حاليا إلى 1، 8 بعد ربع قرن،

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved