Saturday 23rd February,200210740العددالسبت 11 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كل سبتكل سبت
عندما تنعكس المفاهيم
عبدالله صالح الرشيد

الذي نعرفه ونألفه في حياتنا ومعاملاتنا هو ان الناس مخابر، مكنون وجوهر، وان المظاهر قد تأتي مكملة لها اذا حدثت باتزان وعقلانية وتناسق. ولكن في عصرنا المادي هذا عصر المصالح الذاتية تختلف الالوان حيناً وتنعكس المفاهيم احياناً اخرى حيث تطغى المظاهر الخادعة ببريقها اللامع على ما عداها وان انكشف زيفها فيما بعد. ومن المؤسف ان وسائل الدعاية ودواعي الاغراء والجذب تلجأ الى المظاهر واصحابها بل وتبحث عنها لترويج بضاعتها ومادتها مهما كان نوعها. ومن هنا سوف اذكر بعض الادلة والمقارنات فيما يثبت احياناً ان المظاهر تلعب دورها في حياتنا وعلاقاتنا:
لقد حدثني صديق اعرفه حق المعرفة وعلى جانب كبير من الوعي والثقافة وله اهتمامات بالصحافة وعالمها وعنده شغف كبير بالقراءة والكتابة، ولكنه مقل في الكتابة حيث تستحوذ القراءة على معظم وقته الذي يقتنصه من برنامجه اليومي.. هذا الصديق اباح لي سراً لم اعرفه من قبل حيث قال لي انه قبل خمسة عشر عاماً وفي ذروة اهتمامه وشغفه بالقراءة والكتابة كان يبعث ببعض المقالات الجيدة التي يكتبها الى بعض الصحف المحلية والخليجية ولكن هذه المقالات لا تنال الاهتمام المطلوب او العناية اللائقة التي تتناسب مع الافكار والطرح الموضوعي الذي يعالج به بعض القضايا والآراء التي يتناولها في مقالاته التي يبعثها لهذه الصحف.. وعندما ضاق ذرعاً بهذا الاهمال وعدم الاكتراث الذي تقابل به هذه المقالات اما بنشرها مختصرة او نشرها في اركان منزوية وبعناوين صغيرة.. اهتدى لحيلة صغيرة ولكن هامة ليكشف للضرورة فقط مدى حقيقة ومقدار صدق ومصداقية التقويم الفعلي لقيمة المواضيع التي تتلقاها هذه الصحف والمجلات من كتّابها وهل النشر خاضع للقيمة الفعلية للمقالات والمواضيع ام ان هذا خاضع لرغبة الصحف بالاسماء الرنانة والالقاب الكبيرة واقلام الاثارة المشهورة بغض النظر عن اهمية المحتوى وعمق الافكار التي تتناولها مقالاتهم وكتاباتهم باعتبار القارئ العربي غالباً ما يكون اسيراً للهالات الاعلامية التي تعطى لبعض الكتّاب.. لقد لجأ الى حيلة قصيرة كما ذكرت ليكتشف عن طريقها وبواسطتها مصداق تصوره من خطئه وبدأ يرسل نفس المقالات والمواضيع السابقة مرة اخرى وبتعديل بسيط في عناوينها ومحتواها الى نفس الصحف والمجلات ولكنه يذيلها باسمه مقروناً بلقب دكتور او بمعنى ادق مسبوقاً بحرف الدال ويضع صندوق بريده وعنوانه تحت توقيعه ويقصد في قرارة نفسه انه دكتور من جامعة الحياة او جامعة مكتبته الخاصة الزاخرة بمصادر الثقافة المتنوعة.. فما هي إلا أيام حتى بدأت هذه المقالات تتصدر صفحات المطبوعات التي كان يراسلها وبدأت تظهر بعناوين بارزة واحرف كبيرة وهالة اكثر فيما بعد عندما وجد صندوق بريده يحفل بخطابات الشكر وطلب المزيد من هذه المقالات ويطلبون ايضاً تحديد المكافأة التي يرغبها لقاء استمراره في الكتابة مع عبارات الثناء والاطراء التي لم يعهدها من قبل.. وهناك دليل آخر على انخداع الناس وتعلقهم بالمظاهر على امل اعتقادهم بان وراءها بعض المصالح الذاتية او المكانة الاجتماعية التي يتخيلونها وينشدون من ورائها بعض الاهداف الشخصية التي ينتظرونها فهذا احد المواطنين من اوساط مجتمعنا الفاضل وعلى جانب من الاخلاق العالية ذكر لي بأنه ضاق ذرعاً بعقوق جيرانه وعدم اهتمامهم بواجبات الجوار من التواصل والتعاون رغم انه ملتزم بواجبه نحوهم من افشاء السلام وزياراتهم في الاعياد والمناسبات.. وخطط للرحيل وان كان على المدى البعيد واثناء ذلك كان على اتصال باحد جيرانه ممن مازالوا يستكملون البناء والتشييد لينتقل لهذا السكن فيما بعد فباح له بسر العقوق والجحود الذي يلاقيه من جيرانه الحاليين فرد عليه الجار المنتظر قائلاً ان الناس في وقتنا الحاضر اما اوفياء ملتزمون بواجبات الجوار واما اصحاب مصالح او عشاق مظاهر او هما معاً..ومهما كان الامر يجب ان نجاملهم حرصاً على مستقبل ابنائنا حتى لا نظهر امامهم باننا لا نهتم بالتزامات الجوار ديناً ودنيا وعلى امل ان يدركوا جادة الصواب فيما بعد.. وسوف اظهر لك معدن هؤلاء الجيران على حقيقته وعليك الانتظار حتى اسكن وكان يشيد سكناً جيداً واسع المساحة. وماهي الا اشهر قليلة حتى استكمل البناء ورحل اليه وكان قد وضع له اربعة ابواب مناسبة كتب على مدخل احدها مدخل الرجال والثاني مدخل النساء والثالث للسائقين والخدم والرابع للسيارات وكان ينير الاسوار من المساء الى الصباح في البداية ويركب سيارة فارهة جديدة غالية الثمن ويلبس ملابس رسمية وكأنه على موعد مع حفل او استقبال وفد كبير. وفي هذا الاثناء بدأ الجيران يعيرونه بعض الالتفات ويحرصون على تلمس الاخبار التي تكشف اهمية هذه الشخصية الجديدة الملفتة ولم ينقصهم سوى من يجمعهم او يأتي بأي سبب يؤدي الى التعرف عليه وكان صاحبنا قد لمس بحاسته السادسة تحفزهم وانتظارهم الى من يعلق الجرس بالتعرف عليه فأشار بطريقته الخاصة الى جاره الذي اشتكى له من قبل عن عقوق الجيران ليذهب اليهم ويقترح امامهم فكرة الذهاب الى فلان الجار الجديد للتعرف عليه وهنا حان له ان يستكمل دوره المنتظر ولكن باسلوب جديد فرتب موعداً معهم واقترح عليهم الذهاب الى جارهم الجديد صاحب الأيادي البيضاء والسمعة الحسنة وصاحب النخوة والمروءة والكرم الفياض حتى وصل الى بيت القصيد بان جارهم الجديد معدن للواسطة لا يصدأ ودائماً ما تكلل جهوده بالنجاح واضفى عليه فيضاً من الاهمية والاوصاف من بنات افكاره حتى يحفزهم للزيارة فما كان منهم الا ان وافقوا على اقتراحه شاكرين له مبادرته وذهبوا جميعاً الى جارهم فاستقبلهم احسن استقبال وبعد تبادل الاحاديث اقترح عليهم جارهم الجديد وضع جدول نصف شهري لتبادل الزيارات وتعميق اواصر المحبة والالفة تيمناً بتعاليم الدين الحنيف التي تحث على تكريم الجار والتعاون معه والسؤال عنه فوافقوا على اقتراحه عاقدين العزم على تنفيذه والالتزام به..وبعد الزيارة التفت الجار الجديد الى صاحبه الاول وهمس في اذنه وقال له لنحسن الظن بجيراننا لانهم قد يكونون في السابق بحاجة الى من يجمع شملهم ويذكرهم بواجبات الجوار وهذا لا يتنافى مع اهمية تعلقهم بالمظاهر وباصحاب الصيت الطيب والسمعة الحسنة واصحاب الغنى والكرم وقد لمحت ولمست ذلك اثناء زيارتهم لي فهم يطالعون افياء المنزل واركانه ويحدقون النظر في الثريات والاثاث وطريقة التقديم وعندما خرجوا للساحة التفتوا للمسبح والنافورة ولم يبخلوا على سيارتي وتليفوني ببعض النظرات السخية.. خلاصة ذلك كله انه ما اجمل الحياة اذا جمعت بين المظهر والمخبر يعني المكنون والجوهر مع جمال المنظر ولله في خلقه شؤون.

ص.ب 27097 الرياض 11417
فاكس 4786864

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved