Saturday 23rd February,200210740العددالسبت 11 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في حوار مع كاتب رواية «دفء الليالي الشاتية»في حوار مع كاتب رواية «دفء الليالي الشاتية»
د. العريني: في سياق الحوار الحضاري مع الآخر كان العربي هو الطرف الخاسر
كثير من النصوص القصصية والتمثيلية تكثف على عنصر الصراع

* حوار علي سعد القحطاني:
تأتي هذه الرواية في سياق الحوار الحضاري مع الآخر انها رواية «دفء الليالي الشاتية» للدكتور عبدالله العريني استاذ البلاغة في كلية اللغة العربية وتجسد هذه الرواية الصورة المشرقة في واقعنا المعاصر.. وقد أخذ الضيف الكريم يحدثنا عن تلك الرواية مضمونا وفكراً وعن الخطاب الاخلاقي الذي تحمله.
لماذا «دفء الليالي الشاتية»؟
تأتي هذه الرواية في سياق الحوار الحضاري مع الآخر، وفي تاريخ التصوير الروائي لهذا الحوار كان العربي هو الطرف الخاسر، المهزوم نفسيا وعقديا، واجتماعياً كان ذلك واضحاً في :(عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم، (قنديل ام هاشم) ليحي حقي ، (الحي اللاتيني) لسهيل ادريس، (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح. اقرأ الدراسات المختلفة عن هذا الموضوع مثل :(المغامرة المعقدة) لمحمد كامل الخطيب، و (صورة الغرب في الرواية العربية) د. سالم المعوش، و (وشرق وغرب رجولة وأنوثة) لجورج طرابيشي.
سترى أن اكثر تلك الاعمال ان لم تكن كلها لم تخرج عن تقديم صورة نمطية محددة منهزمة تنتهي إلى السقوط الذريع والفشل على اكثر المستويات هنا كان السؤال: لماذا هذه هي الصورة الوحيدة للعربي المسلم؟
اليست هنالك صور مشرقة في واقعنا المعاصر تتخطى مرحلة الانبهار والتبعية المقيتة؟ أليست مراكز البحث العلمي في اوربا وامريكا تحتضن الالوف من العقول المهاجرة التي تستطيع أن تضيف الى العطاء الحضاري؟ وقريباً من الذاكرة الان اسم عربي عالمي وهو الدكتور احمد زويل الذي نال جائزة نوبل وجائزة الملك فيصل.
ألا تشهد اوربا وامريكا رغبة في التعرف على الاسلام بعيداً عن كل المعلومات المشوهة التي ملئت بها الاذهان عبر القرون..؟
ألسنا نجد بين الفينة والاخرى خبر افتتاح مركز اسلامي او مؤسسة اسلامية تقدم الاسلام الى ابناء تلك البلاد الراغبين فعلاً في الخروج من مأزق الخواء الروحي؟
ان وجود عرب ومسلمين يحافظون على دينهم ويقدمون من خلال انفسهم قدوة حسنة وصورة مشرقة لم يعد نادراً ولا قليلاً بل اصبح بحمد الله هو الامر الغالب. فأين الرواية من تصوير هذا الاشراق والفاعلية الايجابية من هنا جاءت (دفء الليالي الشاتية) لتقدم وجهاً مشرقاً حقيقياً.
بعيداً عن المبالغة والافتعال لأناس كان الواحد منهم سفيراً لبلاده، ولدينه وعقيدته الاسلامية، واستطاع ان ينجح على مستوى التعامل مع الآخر وعلى مستوى الالتزام الأسري وعلى مستوى التعليم الذي كان الغاية من وجوده هناك.
لماذا لا نرى في الرواية عقدة واحدة رئيسية؟
السبب في ذلك يرجع إلى ان الحبكة الفنية في هذه الرواية تقوم على ان تكون هنالك مجموعة من المشكلات التي تعترض طريق بطلي القصة، فيتغلبان عليها واحدة بعد الأخرى وهكذا إلى نهاية الرواية.
أنا لا ا فضل البناء الهرمي للحبكة.
لماذا؟
لان هذا البناء سوف يتسبب في ادخال الكثير من المبالغة والافتعال للاحداث ولذلك فأكثر الروايات الناجحة تأخذ مساراً اخر غير البناء الهرمي الى ما يسمى بناء الحبكة كحلقات دودة القز.
حيث تكون هنالك عدة مشكلات وليست مشكلة واحدة في طريق البطل. وهذا ما تدعو اليه الواقعية الفنية التي لا تقبل المبالغات في البناء الفني وفي رواية (دفء الليالي الشاتية) كانت هنالك المشكلات التالية:
1 مشكلة البحث عن سكن.
2 مشكلة مواءمة ذلك السكن لطبيعة اسرة (عبدالمحسن).
3 مشكلة حضور (وليد) وما سوف يسببه من صعوبات.
4 مشكلة الرد على مغالطات (د. بهاء حنا).
5 مشكلة المحاضرة التي اصبح على (عبدالمحسن) ان يلقيها.
6 مشكلة دعوة (جين) وإقناعها بالحضور لرؤية امها.
7 مشكلة بناء مسجد.
وقد استطاع بطلا القصة (عبدالمحسن) و(امل) ان يتغلبا على تلك المشكلات واحدة بعد اخرى. بالطبع لم تكن تلك المشكلات على مستوى واحد من الصعوبة ولكنها مع ذلك تبقى حاجزاً من الحواجز التي لابد للبطل من تخطيها. هذه هي متطلبات الواقعية الفنية في الرواية. ولك ان تستعرض عدداً كبيراً من الروايات ذات السمعة الادبية العالية سوف تجدها اختارت هذا الطريق لانه هو الانسب لروح الواقعية التي لا تفترض وجود عقبة واحدة مهما كبرت ولكن عدة عقبات في طريق تحقيق اي امنية من امانينا، او حلماً من احلامنا في هذه الحياة.
وهل الصراع سوف يكون أهدأ حين تتعدد المشكلات؟
هنالك سوء فهم للمراد من الصراع في الروايات ومثلها إلى حد كبير في التمثيليات التلفزيونية والاذاعية. كثير ممن يكتب نصوصاً تمثيلية يشدد على عنصر الصراع ويبالغ فيه ولذا لا تكاد تخلو تمثيلية من صراخ وشتائم وسباب وتهديد ووعيد.
حتى بدا (البيت العربي) في صورة بعيدة عن الواقع. فهل منازلنا تشتمل على ذلك (الكم) المبالغ فيه، الواقع يقول لا. بكل ثقة.
وبالنسبة لهذه الرواية فالصراع كان موجوداً بصورة مؤثرة لكنها ليست عنيفة ولا صاخبة على سبيل المثال:
1 استمالة (وليد) المشاكس.
2 الحوار بين (عبدالمحسن) و (د. بهاء حناء).
3 التردد والحيرة عند (مسزبودي) في إمكان حضور ابنتها (جين) أو عدمه.
4 البحث عمن يتولى إلقاء المحاضرة.
5 السارق الذي هدد الزوجين في سيارتهما وطلب منهما اعطاءه ما معهما من نقود.
6 وضع الترتيبات لاحضار (جين) وما في ذلك من صراع داخلي عند (عبدالمحسن) و (أمل) في امكانية نجاح هذه المحاولة دون مشكلات.
انها صراعات حقيقية، جمالها وروعتها انها تأتي بحجمها الحقيقي دون زيف او افتعال.
د. عبدالله كل رواية لابد لها أن تحمل مضموناً معيناً، والادب الاسلامي فيما نعلم يؤكد على المضمون فما الخطاب المضموني لروايتك؟
الادب الاسلامي يؤكد على المضمون لكنه لا يتناسى الشكل وانما يدعو إلى ضرورة التكامل بين الشكل والمضمون. وكل عمل ادبي هو عبارة عن رسالة من الاديب للمتلقي وفي (دفء الليالي الشاتية) هنالك مضمون يقوم علي عدة خطابات.
فهنالك الخطاب الاخلاقي: حيث يمثل كل واحد من (عبدالمحسن) و(أمل) نموذجاً من الالتزام والبعد عما يسيء إلى الخلق حيث يتمثل فيهما التماسك الذي يجعل العربي المسلم اكثر اعتزازاً بدينه وخلقه. وبدلاً من الانبهار بما هناك نجد العكس يحدث وهو انبهار (جين) بحميمية العلاقة ودفئها في البيت العربي حيث تنبهر بهذا الاخلاص بين الزوجين فتقول مخاطبة (أمل):
(أنت وحدك عالمه، وانت وحدك دنياه، هنيئا لك به!! بل هنيئاً له بك!! فانت لا تقلين وفاء واخلاصاً عنه!!
لن اجاملك.. انني أحسدك على زوج كهذا، يملأ عليك البيت دفئاً وحباً وحنانا.. وضجيج الطفولة الصاخب الحلو يعطر كل ركن من اركان المنزل فأينما كان ذلك المنزل؟ وكيفما كان. فهو منزل الاحلام والسعادة) (الرواية 144).
والتعامل الكريم مع (مسزبودي) صاحبة المنزل العجوز كان سبباً في حب (مسزبودي) لهما وحزنها عليهما في يوم الرحيل عن (دنفر): وجعلها تقول ل(أمل) أنتم تطلبون مني شيئاً لا استطيعه.. انتم تطلبون مني أن أودعكم.
ومضت في نشيج متقطع، انحسر جبل الجليد عن نبع دافئ رقراق كانت تردد :لا استطيع.. لا استطيع ان اتصور رحيلكم عني.. كل ما احتاج اليه من حب وعطف وحنان.. هو معكم، وعندما ترحلون لن يبقى شيء (منه هنا) (الرواية 57).
وهنالك الخطاب الوطني: وهو الذي دعا (عبدالمحسن) الى الاعتزاز بوطنه وان يقدم من خلال ذلك الوطن صورة مشرقة لجانب من جوانب الخير فيه وهو الجانب الامني وقلب المفهومات الخاطئة التي يحاول (د. بهاء) ترسيخها عن الحدود والعقوبات الاسلامية.
حيث استطاع (عبدالمحسن) بخطاب واضح وصريح وحقيقي من قلب المعادلة واظهار مدى الامن الاجتماعي الذي يتحقق من خلال اقامة حدود الله، وموازنتها بالمجتمعات التي لا تطبق تلك الحدود وما ينتج منها من القتل والسلب والخوف والجريمة. ومما قاله عبدالمحسن لزملائه في الجامعة:
(حينما جئت هنا كانت ابرز وصية تلقيتها من اصدقاء امريكيين ان اتعامل في مشترياتي كلها بالبطاقة.. ، لان ابراز اي قدر من النقود سوف يجعل من صاحبه هدفاً للسرقة، ولما هو أشد من السرقة.
هل تصدقون ان الرجل في بلادي يخرج من البنك رزمة النقود ظاهرة لا يخفيها عن احد، ويذهب بها إلى حيث يشاء آمناً مطمئناً!
ليتكم رأيتم اسواق الذهب عندنا وهي تعرض هذا المعدن الثمين في اطار من البساطة واليسر جعلت احد الخبراء الامريكيين يصرخ في مرافقه ويقول: هذا المشهد يلغي كل دور للمحاضرات التي جئت لإلقائها في حماية المتاجر من السرقة.
دعوني اقل ما لم يحدث في الاحلام عندكم: الساعة هي الثانية بعد منتصف ا لليل، والناس مازالوا يجلسون على ارصفة معدة في الشوارع السريعة في مدينة جدة والرياض وغيرهما من مدن المملكة.. يقضون ساعات في الجلوس الآمن الوادع، فاذا ما انفض السامر عاد كل واحد الى منزله سليماً معافى لا يخشى الا الله تعالى.
هل من الممكن ان نرى مثل هذه الصورة في امريكا؟ لا اظن انها توجد في اذهانكم الا في الاحلام، وفي الاحلام فقط، فالليل هنا يعني: الرعب والوحشة، والجريمة (الرواية : 7071).
وهنالك اخيراً الخطاب الإيماني: الذي بدا في الاعتزاز بالدين الاسلامي وتأكيد ان الله تعالى الذي خلق الانسان فهو اعلم به (وهي رسالة كان على محمد صلى الله عليه وسلم ان يحملها للناس فحملها، وكان امينا في نقلها، واصبح نقلها بعد ذلك امانة في عنق كل مسلم، في اي موقع، وفي اي مكان (الرواية: 71).
ويظهر الخطاب الإيماني ايضا في اسلام المغني الامريكي (تومي) الذي يمثل الرجل الغربي في أعلى درجات الصخب والضجيج والانغماس بكل معطيات الحضارة ومع ذلك لم يكن سعيداً.. كان هنالك شيء يحيره.. شيء يقلقه كل ادوات السعادة والياتها بين يديه لكنه ظل خائفاً من الموت من المجهول من ذلك السر الذي لم يبرح مخيلته ولم يفك طلاسمه منذ رأى وجه والدته ثم صديقه ارنولد، بعد موتهما.. كانت تلك هزة نفسية بدت معها خطواته الاولى في رحلته من الشك الى اليقين، ومن الكفر إلى الايمان. وحين زاره (عبدالمحسن) و (وليد) كان آخر ما قاله ل(وليد):
(انك تحمل هذا الدين، اياك ان تفرط فيه، آباؤك هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين تركوا ديارهم ونشروا هذا الدين.
اضاف:
صدقني .. !! ان حاجتنا الى ما عندك من العلم بالدين اشد من حاجتك الى ما عندنا من ادوات الحضارة المادية..، لان هذه الدنيا مجرد فترة ضئيلة ستمر على الجميع بخير او شر، لكن الحياة بمعناها الحقيقي هناك في دار الخلود) (الرواية :82).
مادمنا بصدد الخطاب الايماني آلا يعني وجود الآيات والأحاديث شيئاً من التقريرية والمباشرة والوعظية؟
الرواية تستطيع أن تحمل الكثير.. هذا ما يميز الرواية عن كثير من الاجناس الادبية ولذا فإن وجود الايات والاحاديث لم يمثل مشكلة فنية على الاطلاق بشرط ان تكون في سياقات طبيعية. ونحن نؤمن ان اجمل الكلام واروعه واصدقه هو كلام الله تعالى ثم بعد ذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولذا فلا خوف على الجانب الجمالي لان وجود الايات الكريمة والحديث الشريف يزيد الاسلوب جمالاً وروعة وبهاء. ثم ان ذلك يعمق الفكرة في نفس القارئ ويجعلها مؤثرة بشكل واضح.
انا لا اميل الى الرمزية المغرقة التي تبالغ في الخفاء والوصول إلى القارئ بطريق ملتو. والدليل على ذلك هزيمة الرمزية امام المدارس الواقعية الكثيرة التي تستبد بالنتاج الروائي المعاصر وفي اكثر نماذج تلك المدارس من الواقعية في الجنس او في السياسة ما يحيل تلك الاعمال إلى شيء رديء بسبب زخم التفصيلات والجزئيات والوثائق وغير ذلك فهل استشهاد الكاتب بأسفار العهد القديم او الجديد او الخطاب السياسي الفاقع يكون مقبولاً ووجود آية كريمة او حديث شريف امر غير مناسب هذه مغالطة، ومع ذلك فما زال يراها بعض الادباء حقيقة من الحقائق.
ما هي رؤيتكم لواقع الرواية العربية والرواية السعودية بالذات؟
في تقديري ان هنالك مجموعة من المتواليات في الرواية العربية والسعودية شبيهة بالمتواليات الحسابية.
فما زال الروائيون العرب يتنافسون في الكتابة على آخر الصرعات الأدبية الوافدة.. ما زال عنصر الثقة في النفس اقل مما يجب على سبيل المثال كتابات (غادة السمان) كتابات لا تجد فيها واقع المجتمع العربي ابداً انها تنظر إلى المجتمع العربي بعيون غربية وفرنسية بالذات ولذا فهو مجتمع مأزوم كل قيمه ومبادئه تبدو غير ذات جدوى والعلاقة الزوجية تقدمها بصورة بشعة بل انها ترفض العلاقة الشرعية وتتهمها ..فيما تقدم الخيانة بشكل جذاب ومؤثر تماما كما كانت هذه الكتابات (لسيمون دي بوفوار) التي عاشت مع (جون بول سارتر) بلا زواج.
او الاكتبة الوجودية الاخرى (فرانسواز ساغان) التي تركز على الرذيلة منذ روايتها الاولى (مرحبا ايتها الاحزان) ان كتابات (غادة) تعاني غربة روحية ونفسية تجعلها تنظر نظرة سوداوية لمجتمعها.
ضربت مثلاً بغادة السمان وكثير ان لم تكن سلبياتها نراها تتكرر في كثير من النماذج الروائية لروائيين اخرين.
الرواية السعودية نماذجها القديمة تقليد واضح للمدرسة المصرية وفي بعض نماذجها الجديدة فهم سيء لمعنى الرواية، وامكانية تقديم عمل روائي يقدم الخير ما زال امراً مستبعداً في اذهان البعض وكأن الرواية لا تنجح الا في الشر. والشر فقط.
ان اكبر انجاز ادبي روائي ينتظر من الرواية السعودية هو ان تؤكد مفهوماً روائياً جديداً يجعل الرواية ميداناً رحباً للخير ولكل ما يدعم الفضيلة ويعزز وجودها في مثل مجتمعنا السعودي الكريم.
هل تريد ان تقول ان (دفء الليالي الشاتية) ستعمل على تغير هذا المفهوم السائد إلى مفهوم أفضل؟
(دفء الليالي الشاتية) لا تستطيع وحدها ان تعمل ذلك لكنها بلا شك سوف تكون في الطرف الذي يعمل على توظيف الرواية توظيفاً خيراً نبيلاً وهي غاية كريمة ترتبط بخصوصية هذا المجتمع وتأكيده المستمر على رفض كل ما يضاد عقيدتنا واخلاقنا الاسلامية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved