Thursday 28th March,200210773العددالخميس 14 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آتلما هو آت
لكِ وحدكِ « 85 »
خيرية إبراهيم السقاف

لم تعودي لي وحدي...
هذه الحروف تتقاطر فوق الأوراق أمامي...، كلُّهم يكتبون «لكِ وحدكِ» حتى غدوتِ في كلِّ مجرى دم، ونبضة حس... ولم تكوني من قبل غير ذلك...، لكنَّني فرحتُ بنجاحي أن أضعكِ بين أيديهم، أن أجعلهم يعرفونكِ أكثر، يقتربون منكِ أكثر، يكتشفونكِ كما لم يكن ليحدث... لو لم تكوني هنا... فوق هذه الانفساحة من المدى...، ليس لأنَّني صنعتُ لكِ ذلك، حاشا، وإنَّما لأنَّكِ دوماً تهربين عن الأضواء، تتسللين في النسق إلى الجذور... يكفيكِ أن تُثمري في كلِّ العروق...، وأن تظللِّي كلَّ الظَّهور... أنتِ سندٌ يا نوَّارة...، ومن لم يركن إلى سندكِ فإنَّه هاوٍ... هاوٍ...
أجيئكِ اليوم بكتلة من المفاجآت، والدهشات...
أذكر أنَّكِ كنتِ دوماً تطلبين منِّي الاندهاش، وأعرف يقيناً أنَّ الدهشة هي محور الاحتواء، لكلِّ ما يمكن أن يهرب في متاهات المتاهات...، ونحن وحدنا من نمرق... من نرسل بذور البياض كي يعمَّ الصَّفاء في هذه النفوس التي تنثر الدكَّن في دروب المارقين...، يكفي يا نوَّارة أنَّ درب المارِّين قد تزيّا ببياضكِ، ونقائكِ...، وكلِّ أنفاسكِ المعطرة بشذا الصفاء، ونديِّ الروح...
أجيئكِ اليوم وقد فتحتُ نوافذ عديدة، ما كنتُ لأجترىء على فتحها وأنا أحبو أكدِّس الأشواق في داخلي كي أكون في كلِّ المساحات مثلكِ أنثر البذور، ولا أتلقَّى الثمرات... يكفي أن تدهشني فرحة الثَّمر في أيدي المقتاتين...،
هذه النوافذ يا نوَّارة تطلُّ على تفاصيل المخابىء حتى أنَّني هربتُ من نفسي إلى ذاتكِ...، كيف دفعتني رغبة الاندهاش على ما لا تقوى عليه نفسي، وأنتِ كنتِ دوماً تحفِّزين فيِّ صهيل الركض...، بدونكِ يا نوَّارة لا يكون السَّند...
هاتي إليَّ بشيء من جريد نخلكِ كي أرتقي فوق ظلِّي... وكي أطلَّ أكثر على مواطن الاندهاش...، ذلك لأنَّ الدهشة ليست تلقائية، إنَّها درسٌ ذو تفاصيل، وإنَّ مقاعد الدراسة في فصولها ليست سهلة الدخول، إنَّكِ وحدكِ من يعلم ذلك...
يا نوَّارة، اليوم حملت لكِ شيئاً من بقايا الأسئلة، وحمَّلتُ كتفيَّ زوَّادةً مليئة ببعض ظنِّي، وبشيءٍ من حدْسي، وببقايا من ذاكرة الصفاء...، جئتكِ كي أحتسي معك قهوة الدهشة، وأقفو معكِ بعض تفاصيلي، لكنَّني لن أترككِ حتى تعلِّميني كيف أفصل بين البذور، كيف أضع بقاياهم دون أن تمتزج ببقاياكِ... كيف أرقى فوق نبضي، وكيف امتزج ببعضه؟ وكيف لا أكون مع كلِّ بعضه؟ يا سيدتي...
هذه الأزرَّة تحت الأصابع، وأُذون الدخول إلى عالم الإنسان الذي يهرف، ويهرف تصيبني بالدوار...، كيف يستطيع الإنسان أن يختبىء خلف كلامه...، ويجترىء بحروفه، ويحسب أن لا أحد يراه؟... أو يفهمه...!
أتعلمين يا نوَّارة أنَّ الناس تأكل بعضها خلف هذه الشاشات الصغيرة، وأصابعها مديَّات تنحر في ظهور بعضهم؟... كانت دهشتي أشدَّ وميضاً، أمَّا الآن فإنَّها أشدَّ حسرة وتألماً...
نوَّارة...
علَّمتِني كيف ينشأ السؤال...
وقذفتِني في بحور الاستفهام...
وغسلتِني من نبع الدهشة، وأرويتِني بتفاصيل الاندهاش...
وتركتِني أغوص في تيارات الآماد... والناس تعجّ فيها...
أتدرين أنَّني مُتخمةٌ بالأسى...
وأنَّ الاستفهام في أطباقه يطلُّ بوجه تساؤلي ناهضاً في أنساق الاندهاش فوق طاولة السؤال..؟!
وأنَّني أقف الآن أنتظركِ كي تُلقمي كلَّ المارقين بتفاصيل الإجابات؟...

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved