Saturday 30th March,200210775العددالسبت 16 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رقص المال الحررقص المال الحر
محمد السباعي

يقولون «إن العولمة هي السبيل لتحرير الاقتصاد العالمي من القبلية والقومية... الخ» والفاعل في هذه الجملة مجهول لأنه كمعظم الفاعلين لخطابنا السياسي والاقتصادي مجهول، ولأن مثقفي الدول «النامية» متهمون دوما بالرجعية او الشيوعية او تبنيهم لنظرية المؤامرة فلن أخوض في رحلة البحث عن ذلك «الفاعل» المجهول وعوضا عن ذلك سأخوض في دراسة وتحليل «فعله» ففي تلك المقولة الساذجة محاولة لترويج ثلاثة افكار:
أولاً: إن تحرير الاقتصاد من قبليته هدف.
ثانياً: أن القبلية والقومية وما يشبههما قيود يجب التحرر منها.
ثالثا: ان الطريق لتحقيق الهدف والحصول على الجائزة هو الانضمام لركب العولمة، والعبارات الثلاثة ليست مجرد خطأ فادح فقط بل كارثة.
ولنبدأ بمفهوم «تحرير الاقتصاد» رغم عدم شكواه من قيود العبودية، تحرير الشيء هو اخراجه او تحوله من أيدٍ تسيء استغلاله الى أيدٍ امينة تحسن استغلاله فتحرير الارض هو نقل السيادة من ايدي معتد الى اصحاب الارض والشيء يختلف عن الانسان اذ ان الشيء لا يستطيع تقرير مصيره على عكس الافراد الذين يقررون العيش في رعاية «أيدي» حكومة وطنية ترعاهم وتحسن استغلال مواردهم وإدارة شؤونهم... الخ، لذا أجده من غير المنطقي ان يكون مفهوم تحرير الاقتصاد هو بيع المؤسسات الحكومية والصناعات الوطنية التي يدعمها دافعو الضرائب الى فرد او مجموعة او مجموعات من الافراد بهدف «حسن ادارته بفكر القطاع الخاص» وامعانا في نشر الاطمئنان في نفوس دافعي الضرائب تنشأ هيئة للرقابة على الاستثمار يدفع رواتبها المستثمرون ذاتهم!!! والدول المعتدلة تحمي صناعتها الوطنية التي عادة ما تكون في حاجة دائمة للدعم لعدة اسباب: بناء ركيزة اقتصادية تدعم القرار السياسي و«تحرره» من الاطماع والمصالح الشخصية لرؤوس الاموال الحرة عدم السماح باحتكار السوق الذي من البديهي ان يكون اول اهداف أي رأس مال حر الحفاظ على القيمة الشرائية للعملة او زيادتها لمنع الاضرابات العمالية المطالبة بزيادة الاجور، وفي حالة بيع الهيئات القائمة على تشغيل مشاريع البنية الاساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات... الخ، يقوم المواطن بدفع قيمة الاصول الثابتة للمشتري محملة على فواتير الاستهلاك على فترة دورة رأس المال برغم كونه قد دفع حصته من الضرائب سلفاً لإنشاء تلك البنية من الاساس!!!
اما عن القبلية او القومية في الاقتصاد، هناك العديد من الصناعات التي تعتبر صناعات وطنية لاتشكل فقط نقلاً اقتصاديا ولكن ايضاً لها ثقلها الاجتماعي ودورها الثقافي في صياغة الشخصية القومية والحفاظ عليها، كزراعة الزهور بهولندا او استخراج الفحم بانجلترا وصناعة السجاد بإيران وكذلك زراعة قصب السكر والصناعات المترتبة عليه في مصر وليست هي الصناعة الوطنية الوحيدة لدينا بالطبع، وأي محاولة للقضاء على تلك الصناعات التي أعرفها بالصناعات الوطنية ويقال عنها انها صناعات تهدر المال العام، تعتبر تعدياً صريحاً على الثقافة القومية التي هي بالطبع ضد فكرة العولمة والدليل على ذلك استمرار انجلترا في تدعيم استخراج الفحم رغم عدم الاستفادة منه بالقدر الذي يفي تكاليف استخراجه ليس «ترفاً» حكومياً ولكن لدور تلك الصناعة في الحفاظ على الثقافة القومية بشكل أو بآخر «ولكننا لسنا بإنجلترا أو هولندا» نعم لسنا بهم ولكن يتساوى الأمر في شيء بسيط هو ان الثقافة القومية هي نتاج العديد من العوامل منها الصناعة الوطنية واختفاء أي من تلك العوامل سيؤثر بالضرورة على النتيجة فإذا كان هناك فرق بيننا وبين إنجلترا فهو ببساطة أنهم ادركوا خطورة العبث بالثقافة الوطنية الموروثة، فالحرية في أوروبا هي تسهيل الاجراءات للاختيار من بدائل عدة وليست على الإطلاق حرية فرض البدائل من الاساس فدافعو الضرائب هناك يدفعونها لتشديد الرقابة الحكومية على رؤوس الاموال دون سماع اعذار حكومية عن اخطاء السلف، فلم نسمع عن تعثر اقتصادي بفرنسا الآن كان سببه الثورة الفرنسية، او بألمانيا كان سببه الحرب العالمية الثانية على عكس عثراتنا الاقتصادية الحالية التي سببها «حرب اليمن!!!» لذا نحول رأس المال الوطني إلى «رقص مال حر» ونستمر في دفع الضرائب المتزايدة والمزدوجة رغم انخفاض القوة الشرائية للعملة حتى لا يتوقف عن الرقص.
ونأتي لبيت القصيد وهو العولمة، وهي اختراع يهدف الى تحقيق المساواة الانسانية في الأرض!!! فالعالم قرية صغيرة وللنظر بجدية لتلك العبارات المعسولة وتحليل توابعها، لو أن العالم قرية صغيرة فليست القضية على الإطلاق في رفع الحواجز الجمركية بل ابعد من ذلك بكثير، فوجود السوق العالمي مرتبط بالبورصة العالمية التي هي ترتبط ارتباطا وثيقا بحركة التداول المبنية على العديد من العوامل النفسية الناتجة من «الرأي العام العالمي» والذي تعطينا الولايات المتحدة فيه دروساً من خلال حرب الارهاب او حرب الفراولة او أياً كان اسمها والسوق العالمي سيخضع الدول ويتحكم بصورة مباشرة في اقتصادها بحيث يفرض على بعض الدول عدم تصنيع كذا او تصنيع كذا ويتحقق حلم «ديمقراطية السادة والعبيد» في منتصف العالم وهو الذي يمثل الثروات، والأيدي العاملة، والسوق المباشر في نفس الوقت ويفتقر الى «فكر القطاع الخاص!!!» وليسهل التفاهم بين افراد تلك القرية يجب تحديد لغة للحوار التي ستكون بالضرورة وسيلة تشكيل ثقافة عالمية جديدة تنصهر فيها جميع الثقافات والتي بالضرورة يجب ان تكون انتماءاتها فردية لتخرج بفكر المساواة من قيود القومية وبالوقت سيطالب «مجلس ادارة القرية» بضرورة وجود دين رسمي للقرية يعبّر عن جميع الأديان، وفي تلك المرحلة سيكون العدو الأوحد لتلك الفكرة هم اصحاب أي دين يرفض الانصهار.
إذن فعدو تلك الجملة المسمومة تتوافر فيه عدة صفات: ليس له أطماع مادية مباشرة يرفض التنازل عن ثقافته القومية يرفض التخلي عن دينه يتحلى بقيم اجتماعية نبيلة يتمنى الموت كما يتمنون هم «الحياة».

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved