Thursday 11th April,200210787العددالخميس 28 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في تحقيق حول الإبداع والجنون في تحقيق حول الإبداع والجنون
الأطباء يواجهون المبدع في عياداتهم النفسية
الشاعر الجاهلي امرؤ القيس يجهش بالبكاء عند الأطلال وهو يعاني من اكتئاب شديد

* تحقيق علي سعد القحطاني:
ماهي الحدود الفاصلة بين الابداع والجنون؟ هل هناك منطقة معزولة بين الجانبين أم أن الابداع يخضع لمرحلة «اللاوعي» وبالتالي ينغمس المبدع في عالم «اللاواقعي».. ويصل الجنون احياناً بالمبدعين الى انهم ينفصلون عن واقعهم ويرفضون العيش في مجتمعاتهم جملة وتفصيلاً.. يقبعون في عزلة مريرة ليحلقوا من خلالها عبر خيالاتهم إلى عالم ليس بعالمنا وكائنات ليست بكائنات تعيش بعيداً.. بعيداً عن واقعنا.. وهؤلاء المبدعون بلا شك يعانون من اضطراب نفسي وهم وإن عاشوا معنا بأجسامهم إلا ان عقولهم غائبة عنهم حيث يحلو لهم ان يسطروا احلامهم ويبنوا خيالاتهم في عالم آخر.. لا يوجد فيه محاسب او رقيب وكان لا بد لنا من فتح هذاالملف الذي ظل شغل الدارسين ومثار الباحثين فقمنا بزيارة للعيادات النفسية لاستجواب ذلك المبدع الحاضر الغائب في عالمنا فكان هذا اللقاء مع الاطباء النفسيين وهم كل من الدكتور محمد الفضل الخاني والدكتور علي عبدالعزيز والدكتور منذر محمود البدري والدكتور عبدالرحمن محمد طه السناري.
* ما علاقة المبدع بالأمراض النفسية؟
الدكتور عبدالرحمن محمد طه:
في اعتقادي أجد أن الاديب لا يكون أديباً اذا لم يُجد فن استخدام المعاني والألفاظ استخداماً يمكنه من بلوغ غايته التي يريدها ممن يخاطبهم، فالأديب يجب أن يكون قادراً على التحليق في عالم الخيال ويخاطب مخيلات وعقول الآخرين لإحداث الصدى ورد الفعل الذي يتوخاه او قريبا منه وأداة هذا الفن هي الكلمات اللغوية التي هي نفس الأداة التي يستخدمها المصابون بالامراض النفسية، والفارق بين الطرفين هو في نوعية وفي كيفية استخدام هذه الالة.. ويمكن لذلك القول بأنه كلما عجز الاديب عن استخدام هذه الاداة الاستخدام الرشيد كلما اقترب من الامراض النفسية اكثر واكثر ولما كان ميزان حسن استخدام هذه الاداة هو استعمال الكلم في مواضعه بتسمية كل شيء باسمه لذلك فإنه بقدر ما يبتعد الاديب عن ذلك انمايضر نفسه وعقله ويقترب من سبل الغواية والضلال التي قد تنتهي به الى المرض النفسي او الى الاضطراب النفسي.
الدكتور محمد الفضل الخاني:
اذا كان المرض النفسي شديداً وواضحاً فإنه لايمكن لهذا الشخص ان يكون اديبا ولو كان المرض النفسي بسيطا فيمكن ان يكون المريض اديبا وفي هذه الحالة:
أ اما ان يكون الادب اسقاطاً لما يدور بداخله من اعتقادات وافكار.
ب او انعكاساً لافكار وخبرات مرضية لديه.
ج او ان المرض النفسي قد ادى الى تنشيط بعض الملكات لديه فأدت الى خروج الابداعات الادبية.
الدكتور علي عبدالعزيز:
اذا لم يؤثر المرض (النفسي) على الاداء الوظيفي للشخص أو على قدرته الفكرية والذهنية، والادباء يوجد لديهم استعداد للاصابة باضطرابات الوجدان والاصابة بأمراض نفسية اعلى من عامة الناس حسب دراسات تم اجراؤها في الدول الغربية.
الدكتور منذر البدري:
ليس كل عبقري او مبدع لديه مرض نفسي الا أن هناك عباقرة وادباء كانوا فعلا مرضى فالكاتبة المعروفة «مي زيادة» ماتت في مستشفى الامراض العقلية وكان عندها انفصام نفسي على سبيل المثال.
* هل هناك علاقة بين الابداع والجنون؟
الدكتور عبدالرحمن محمد طه:
يعتبر الاديب المبدع اقرب الى الجنون من غيره، ذلك لان الابداع غالباً ما يكون مرتبطاً بعملية التلاعب بالمعاني والالفاظ في سبيل إثارة مشاعر الاخرين بقوة ولفت انتباههم وجلب اهتمامهم وهنا يحتاج الاديب المبدع الى كم كبير من المبالغات والتحريفات للكلم عن مواضعه لتحقيق اغراضه الادبية الخاصة.
والسباحة في بحور الخيال الزاخرة هي سباحة من اخطر انواع السباحات على الكائن البشري لأنها يمكن ان تجره بسرعة تفوق جميع السرعات من الجنبات الابداعية العبقرية الى الجنبات النقيضة الرديئة والسيئة التي من دخلها فإنه يصعب عليه الخروج منها لأنها تمسكه بكلاليب الذاكرة وتقيده بقيود احاسيس ومشاعر الحزن والحيرة المتوالية وفقد البصر والبصيرة في كيفية ووسبل الخلاص والافلات من دوامات بحر الخيال الجنوبية الذي تسبح فيه العقول والنفس البشرية على هدى ونور او على ضلال مبين وتسلسله بسلاسل متوالية الحرمان من الرغائب وأعز المطالب، فكلما تخلص من عقبة الحرمان تلتها عقبة اشد منها عتواً وغرابة ورسوخاً.
ولو نظرنا الى مجمل اعمال الناس لوجدناها تتراوح كلها في عالم الخيال وبحره الزاخر فيما بين هذين النقيضين من العبقرية والجنون والتعامل المباشر في العمل اليومي في مجال الخيال يجعل الانسان عرضة في اي لحظة للدخول في بحر الجنون المتلاطم الامواج والخطير للغاية والسيئ للغاية عند التورط فيه والتحقق من صعوبة الخروج منه ثم بعد ذلك فالسباحة الحرة بدون ضوابط ولا هدى في هذا البحر الزاخر محظورة ونهايتها غير مأمونة.
وأكثر الناس تعرضا لمخاطرها هم الادباء والشعراء والفنانون والمغنون والملحنون وعشاق الهوى واتباع الشهوات، فهؤلاء جميعاً يهيمون في جنبات هذا البحر الزاخر.
الدكتور محمد فضل الخاني:
اثبتت الدراسات التي اجريت بين المبدعين ان لدى 5.55% منهم يوجد تاريخ مرضي عائلي بإصابة افراد من عائلاتهم بالامراض النفسية وخاصة الهوس.
الدكتور علي عبدالعزيز:
تشير بعض الدراسات ان الاستعداد لاكتساب الجنون او الابداع واحد على مستوى الوراثة فإما يصاب بالجنون او يصير مبدعاً.
الدكتور منذر محمود البدري:
العبقرية ليست خللا في العقل وانما هي زيادة في القدرات العقلية عن المستوى العام لبقية البشر وبالتالي يكون هناك نوع من عدم التلاؤم مع الواقع.. خذ مثلاً العالم اديسون لم يحقق اكتشافه للمصباح إلا بعد 200 تجربة فاشلة..
ومصطلح.. اللاوعي.. يكمن في انشقاق مرحلة «اللاوعي» عن واقع الانسان وقد يلحق المبدع في خياله.. بعيداً كل البعد عن حياته التي يعيشها.. وهذه المرحلة ينتج من خلالها المبدعون انتاجاتهم الابداعية فالشعراء لا تجيد قرائحهم بالشعر إلا بعد تجربة ومعاناة نفسية.. وبعض الكتاب قد يشكو في بعض مراحل حياته من الاكتئاب.. الألم النفسي الغامض.. ونجد مثلا ان الحكمة والفكر لاتشرق من افواه المبدعين الا حينما يعانون من الكآبة.. الحزن.. المعاناة..
* هل صحيح ان قراءة الروايات والقصص تستخدم في بعض المعالجات النفسية؟
الدكتور عبدالرحمن محمد طه:
من الممكن ان يستفيد البعض من المعالجة بقراءة بعض الروايات والقصص المنتقاة لتعطي الانسان دروساً مفيدة وتقدم له انموذجاً مشابها لحالته يحتذى به.
الدكتور محمد الفضل الخاني:
قراءة الروايات والقصص يمكن ان تكون علاجية اذا توفر فيها النمط السلوكي الذي يلائم ما يعاني منه المريض وعلى هذا قبل ان يقرأها المريض يجب اولاً عمل تشخيص للمرض وان يكون المرض من الامراض القابلة للعلاج النفسي بهذه الطريقة وتقرأ من قبل الطبيب المعالج ويكون فيها النمط السلوكي المطلوب ليقرأها المريض ويستفيد منها.
* هل الانهماك في الادب العاطفي او الخيالي يولد تيار اللاواقع؟
الدكتور عبدالرحمن محمد طه:
لما كان الانهماك في الادب السائد اليوم يعني الانهماك في عملية قلب المعاني وتكييفها، وتحويرها لتحقيق غاية الاديب التي يسعى لتحقيقها بعيداً عن المعاني كما هو بحق وحقيق فمما لا شك فيه ان الانهماك في الادب بمفهومه المعاصر يولد التيار اللاواقعي.
الدكتور محمد الفضل الخاني:
إذا افرط القارئ او الاديب في الانهماك في قراءة مثل هذا الادب فإنه بلا شك يولد تيار اللاواقع ولأن الانشغال بموضوعات خيالية لا تمس الواقع او الحاضر تبعد الشخص او الاديب عن واقعه وعن ادائه الوظيفي في الحياة بشكل ملحوظ.
* هل هناك تعريف دقيق لمصطلح اللاوعي في الدراسات النفسية؟
الدكتور عبدالرحمن محمد طه:
تتداخل مرحلة اللاوعي مع مرحلة الوعي في جميع اطوار حياة الانسان وكذلك تختلف تعريفات مصطلح اللاوعي حيث يسميه البعض الضمير والبعض الآخر يسميه العقل الباطن وعلى كل حال فإن الابداع ذو علاقة قوية بمصطلح «اللاوعي» ومن ثم فإن العملية الابداعية حينما تفقد هذا المصطلح فإنه يؤدي الى فقدان القدرة على الابداع.
الدكتور محمد الفضل الخاني:
مصطلح «اللاوعي» يعني خبرات ورغبات ودوافع تتشكل لدى الانسان منذ طفولته سواء كان مرغوباً فيها او غير مرغوب فيها وتكون كامنة في نفسه تظهر من فترة الى اخرى في الاحلام او في تصرفات غير مدروسة، وعليه فلا يخضع الابداع لمرحلة اللاوعي.
الدكتور منذر محمود البدري:
نجد ان الادباء ينتجون بشكل افضل عندما يصبحون في مرحلة اللاوعي.. خذ مثلا الشاعر امرأ القيس كان يعاني من اكتئاب شديد وانتج لنا معلقاته التي ما زالت تغنى منذ اكثر من الف وخمسمائة سنة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved